برلمان الستات / من هدى شعراوي إلى معصومة ورولا وأسيل وسلوى... نجاحات ومطبات برلمانية
نزيهة بن بدر ... فخر برلمانيات العرب / 15

نزيهة ... منقبة

في البرلمان

نزيهة بن بدر







|القاهرة - من نعمات مجدي|
اقتحمت المرأة العربية عموما والمصرية على وجه الخصوص مجال العمل السياسي، وخاصة «النيابي» أو «البرلماني» مبكرا تحت قبة البرلمان... حيث منحت حق الانتخاب والتصويت في العام 1957، وكانت انطلاقة نضال المرأة المصرية، التي بدأت منذ العقود الأخيرة في القرن التاسع عشر في الظهور بقوة على ساحة العمل العام، بالرغم من الصعوبات الضخمة التي واجهت النساء المصريات في الخروج من محيطهن الضيق المتمثل في البيت... إلى محيط أوسع متمثل في العمل العام، إلا أن «حواء المصرية»، ومن بعدها العربية نجحت في فرض رؤيتها الجديدة، وأصبحت فاعلة في هذا المجتمع في لحظات تاريخية متعددة.
وشكلت ثورة العام 1919 في «المحروسة»... لحظة تقترب من أن تكون فاصلة في التاريخ المصري المعاصر لما أنجزته لاحقا من تحولات جذرية على المستويين السياسي والاجتماعي، وكان دور المرأة مشهودا بقوة بداية من هدى شعراوي... «النصيرة الأولى» لسعد زغلول وزوجته صفية زغلول «أم المصريين»، وهي أول امرأة قادت مظاهرات النساء عام 1919، بل وشجعت النساء المصريات للمشاركة في الحركات الوطنية بكل شيء من جمع التبرعات والإسعاف والإعداد للمظاهرات.
واستشهد العديد من النساء في هذه الفترة طلبا للاستقلال، وبدأت تعلو الأصوات النسائية، مطالبة بدور حقيقي للمرأة بالمشاركة سياسيا، وكانت مع الزعيمة هدى شعراوي بعض السيدات في مقدمتهن: نبوية موسى، وسيزا نبراوي ومنيرة ثابت التي خصصت مجلة بالكامل، وهي «الأمل» للدفاع عن حقوق المرأة.
وفي فترة الأربعينات قامت جمعية الاتحاد النسائي المصري برئاسة هدى شعراوي بوضع كتيب تضمن بعض مطالب المرأة، ومن أهمها ضرورة تعديل قانون الانتخاب بإشراك النساء مع الرجال في حق الانتخاب، وكذلك أن تمنح المرأة جميع الحقوق السياسية وعضوية المجالس المحلية والنيابية أسوة بالرجل.
وقد وجه هذا الكتيب إلى كل من رئيسي مجلسي الشيوخ والنواب والرأي العام المصري.
وعندما قامت ثورة 23 يوليو العام 1952 تحرر الشعب من الظلم والاحتلال، ومنحت المرأة حقوقها الاجتماعية والسياسية كاملة، وصدر أول دستور في مصر في يناير العام 1956، وتضمن مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق السياسية، وأصبح للمرأة حق الترشيح والانتخاب حيث أجريت أول انتخابات برلمانية للمرأة العام 1957، وقد دخلت الانتخابات بنصف مليون صوت نسائي للمرة الأولى.
وكانت أمام المرأة في هذه الانتخابات بعض المواجهات الصعبة التي لابد من اجتيازها، ومنها التقاليد الشرقية في المجتمع المصري التي لاتزال تقيد حركة المرأة إلى حد كبير على المستوى العام، وخاصة في المحيط السياسي، ومع هذا صدر في مصر أخيراً قرار بإضافة «كوتة برلمانية» للمرأة في البرلمان المصري.
ولا يتوقف الأمر عند المرأة في مصر، ولكن يتخطاها إلى دول أخرى نجحت الوجوه النسائية في أن تفرض نفسها على مجالسها النيابية، في الأردن والإمارات ودول شمال أفريقيا «العربية»، وحتى توجت تجربة المرأة مع الانتخابات البرلمانية، بنجاح 4 نائبات كويتيات في دخول قاعة مجلس الأمة، وبقوة.
تجربة النائبات... عموما في وطننا العربي على امتداده... تحمل نجاحات وأيضا إخفاقات، وكما فيها من وثبات، أيضا فيها عثرات ومطبات، ولكنهن أثبتن حضورهن... وهذا ما تتابعه في السطور التالية:
نزيهة بن بدر... من الشخصيات العربية اللامعة وصاحبة الأثر القوي في الحياة البرلمانية، لعبت دورا نضاليا لن يمحى من الذاكرة التونسية، مهما توالت السنوات وتنوعت الاختيارات ولتثبت أنها «فخر البرلمانيات العرب».
هي في الفيض من النعيم والتراث ترعرعت، ومع وضوح الهدف الصادق استقت معالم الحياة وعلى حنان واطمئنان الطفولة تدرجت وبقيت مع محيطات الفكر المتحد مع الذات ومع تعدد وظائفها. تنوعت أمامها مشاكل الورد فسارت من موكب فخار إلى آخر في استمرارية متواصلة إلى ارتفاع ما قصدت الوسط في أعمالها بل إلى الأسمى والإبداع هدفت، فوقفاتها الوطنية تدعو إلى العزة والتهيب والإكبار.
فخر العرب
هي نزيهة بن بدر، سيرتها العطرة في ذاتها تبقى فخرا للأمة العربية وخطاباتها القيمة وأعمالها الإنسانية تعلن عن شخصيتها المميزة، عندما تكون في حضرتها تشعر بأنك أمام شخصية مهمة غير عادية تداعت إليها الفضائل والقيم والمزايا الطيبة هي الابنة البارة لتونس الأرض الطيبة الأصيلة وهي صاحبة الرأي السديد والتوجه الصائب في السياسة والاجتماع يلبسها نوع من الهوس العلمي الجميل الذي زادها جمالا وثقة بالنفس، هذه المرأة الطموح استطاعت خلال عدة سنوات قليلة أن تحصل على 5 شهادات جامعية في عدة تخصصات والأهم من ذلك هو أن نعرف كيف تجيّر هذه الوفرة العلمية لصالح المجتمع والوطني.
نشأتها
السيدة نزيهة بن بدر والدها عبدالقادر الرحيبش ووالدتها فاطمة القريري ولدت في مدينة تونس العاصمة العام 1947 ودرست حتى حصولها على الثانوية العامة من مدرسة «نهج باشا» ثم التحقت بالجامعة لتتخصص في الأدب الفرنسي والإنكليزي وتخرجت العام 1968، لكنها لم تتوقف عند هذين التخصصين واللذين اعتبرتهما كما يبدو نوعا من الإغناء للثقافة العامة، وهي لهذا لم تلبث أن التحقت بكلية الحقوق لتتخرج في العام 1973 ولكنها تابعت دراستها الجامعية في كلية الحقوق ثم درست سنة أخرى، حيث حصلت على دبلوم الدراسات العليا في العلوم السياسية في العام 1975 وحصلت على شهادة الكفاءة لمهنة الحقوق.
تدافع مجانا عن النساء
وفي العام 1977 افتتحت مكتبها الخاص كمحامية، ومنذ ذلك الوقت عملت بنشاط في الحقلين الاجتماعي والأدبي وألقت العديد من المحاضرات حول حقوق المرأة وفي مجال مشاريع القوانين وقد عرف عنها أنها كثيرا ما ترافعت عن النساء دون مقابل تزوجت في العام 1973 من رجل الأعمال السيد مصطفى بن بدر وأنجبت منه «3» أولاد هم: «أنيس وإيناس وأنس»، والطريف أن الدكتورة نزيهة بن بدر أهدت كتابها الأول وهو أطروحتها حول الجامعة العربية والقانون الدولي إلى ولدها أنيس وهو في شهره الثالث.
ظروف... صعبة
وقبل أن نخوض في معركتها السياسة في البرلمان التونسي علينا أن نلقي الضوء عن فترة السبعينات التي شكلت لحظة مهمة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي للمرأة التونسية... حيث ظهرت النواة الأولى للحركة النسائية التونسية المستقلة وشملت هذه الحركة ناديا لدراسة أوضاع المرأة وهو الذي عرف بـ «نادي طاهر مداد».
وقد طرح النادي نفسه كمنظمة نسائية راديكالية من حيث اتساع عضويته لكلا الجنسين ونوعية المشاكل التي تناقش داخله واستقلاليته ثم لجنة دراسة وضع المرأة العاملة وتكونت هذه اللجنة بمبادرة من النساء النقابيات اللاتي كن من قبل في نادي دراسات أوضاع المرأة وتضمنت هذه اللجنة أغلبية من المثقفات من النادي وبدرجة أقل من الطبقة العاملة.
ورغم أن اللجنة فتحت أبوابها لمشاركة الرجال إلا أن النقابيين الرجال تعمدوا تجاهلها، وواصلت اللجنة توجه النادي حول خصوصية أوضاع المرأة ولكن هذه المرة في مجال العمل وطورت أنشطتها على «3» مستويات هي: التعرف على مشاكل المرأة العاملة وطرح الحلول المناسبة ودعم مشاركة النساء في الحياة النقابية وإثارة دعم الكوادر النقابية والرأي العام بأوضاع النساء العاملات.
ثم تشكلت لجنة الدفاع عن حقوق المرأة العام 1985 وقد كان تحرر المرأة على المستوى القانوني هو التوجه الأساسي لبرنامج اللجنة وأنشطتها حيث تدخلت اللجنة في عدد من الأحداث التي تخص تحرر النساء وأصدرت بيانات حول تحفظات الحكومة التونسية على بعض بنود اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة وساندت اللجنة سلفا حول تطبيق القانون في قضايا الطلاق والنفقة وحضانة الأطفال معتمدين على الحالات التي تم تقديمها للجنة.
بداية متأخرة
دور المرأة كان حاسما في توجيه عملية تحريرها ومن أهم مراحل هذه العملية كان إعلان مجلة «الأحوال الشخصية» وتأسيس الاتحاد الوطني للنساء التونسيات. والدولة تواصل حاليا هذه الجهود وذلك بتعيين نساء في مواقع اتخاذ القرار وإسهام لجنة المرأة في عملية تطوير الخطة الاقتصادية الوطنية وأيضا من خلال تأسيس المرأة كل هذه العناصر ساهمت في تغيير العقليات وتحسين أوضاع المرأة التونسية.
دخلت نزيهة بن بدر المعترك السياسي في العام 1988 حيث انخرطت في التجمع الدستوري الديموقراطي إيمانا منها بسياسة الرئيس بن علي. التي تصون الحقوق بالعدالة والمساواة، وفي العام التالي بدأت نشاطا مكثفا في العمل القاعدي والجهودي وصبت كل جهودها في منطقة «الوردية» حيث تسكن، وكان هدفها توعية المرأة ودفعها إلى العمل السياسي الذي تستطيع من خلاله خدمة وطنها وقضاياها كامرأة، وفي العام 1990رشحت النائبة نزيهة بن بدر نفسها للانتخابات المحلية البلدية، وحصلت على رئاسة لجنة الشؤون القانونية في بلدية تونس، وفي العام 1992 عينت من قبل الحزب «كاتبة عامة» ومساعدة مكلفة بشؤون المرأة في لجنة التنسيق بمنطقة الوردية.
وبعد عام دخلت اللجنة المركزية للتجمع حتى بدء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في العام 1994 حيث رشحت نفسها على قائمة التجمع الدستوري الديموقراطي في تونس، وبنجاحها اللافت أصبحت نائبا في مجلس النواب، ولاتزال نائبا حتى وقتنا هذا، حيث عينت أمينة المرأة في التجمع الدستوري العام 1988 مكلفة بشؤون المرأة في العمل السياسي وتكريسه، وإلى جانب كل هذه المسؤوليات الدائمة، كان دأبها دائما المحافظة على مسؤولياتها العائلية لأنها تؤمن أن النجاح يبدأ بنجاح العائلة وتربية الأولاد تربية صالحة، وهي ترى أيضا أن على المرأة في كل عمل تقوم به أن تؤديه بأقصى درجات الإحساس بالمسؤولية، وأن عليها أن تترك بصماتها المميزة في الحياة العامة وأن تكون قدوة للآخرين.
وتقول النائبة نزيهة بن بدر: إن المرأة التونسية قد أقبلت على العلم والتعلم وحققت مراتب علمية متقدمة فتنوعت مهامها وتحسن موقعها الاجتماعي الآخر الذي يجب أن ينظر إليه من زاوية المؤهلات للمساعدة في الحياة العامة، وكذلك من ناحية الظروف التي هيأتها تونس من أجل رفع مستوى المرأة التعليمي الأمر الذي لابد وأن يؤدي إلى احتلال المكانة اللائقة بها والمنسجمة مع المقومات الحضارية مقدمة لمشاركتها مستقبلا في الحياة السياسية كتتويج لإدارة مشتركة بين الجميع.
وعندما سئلت: لماذا المرأة في الغرب قد سبقت المرأة عندنا في ميدان التطور؟ فكانت تجيب: إن السبب واضح لأن كل تقدم تحققه المرأة مرهون بتعميم المعرفة والقضاء على آفة الأمية التي لاتزال مستشرية في مجتمعاتنا للأسف وهو ما شكل العائق الأكبر أمام تطور المرأة وتقدم المجتمعات العربية، كما تقلص من إمكانية دخولها في ميادين لاتزال تعتبر حكرا على الرجل، فلنعلم المرأة ولنثقفها لتستطيع مواكبة التقدم الحضاري، وهذه هي المشكلة التي لاتزال تعوق المرأة التونسية.
فالنائبة نزيهة بن بدر - بحكم موقعها - لابد وأن تهتم بالسياسة، لكن اهتماماتها السياسية لا تصرفها عن اهتماماتها الأخرى، فهي حين ترسم أو تلون لوحة من لوحاتها، تضع كل أحاسيسها في عملها الفني والسياسة والفن يكونان مادة الانسجام والتكامل في حياتها فكلاهما سعي مخلص للتعبير عن الإنسان والعمل على تحسين ظروفه ورفع مكانته، وكلاهما يشكل مجالا رحبا لفهم ضرورة الحياة في أعمق تجلياتها وتختلف دروبهما ولكنهما في النتيجة يتفقان في الأهداف والتطلع إلى الأفضل فإلى جانب اهتمامها بالسياسة تقوم بنشاطات اجتماعية ونسائية بارزة فهي تم تكريمها من العديد من الجمعيات الأهلية التونسية.
ونتساءل: أي تكريم يليق بهذه المرأة الشاملة وهي المكرمة والواهبة التي تركت بصماتها العلمية الواضحة في جميع المؤتمرات واللقاءات التي حضرتها محليا وعربيا وعالميا؟
وعندما سئلت: كيف تستطيع التوفيق بين واجباتها كزوجة مسؤولة وبين انشغالاتها السياسية أجابت: حين يصبح كل شيء في البيت على مايُرام أي أنني بعد الانتهاء من توفير احتياجات زوجي وأبنائي، أتفرغ إلى ما يخصني وبالتحديد لكل ما يغني عقلي وميولي الفنية من مطالعة ورسم وغير ذلك إلى جانب أطفالها الذين تعتبرهم بيت القصيد فهي تمنحهم كل عناية لأنهم بحاجة دائمة إلى الإشباع العاطفي، وأهم ما في تربية الأطفال هو اعتماد أسلوب الحوار معهم لأنه يعودهم على لغة التفاهم والإقناع ويدفعهم للتفكير والتمييز وحسن الاختيار.
الأحوال الشخصية
وحين سئلت عن رأيها في «مشروع مجلة الأحوال الشخصية» رأت فيها مكسبا حضاريا لا تراجع عنه للمرأة خاصة أن أول نص بالأحوال الشخصية صدر في مايو 1941 لتحديد الحد الأعلى للمهور ولجهاز العروس بهدف تقليل نفقات الزواج المرتفعة التي كانت تلتزم بها العائلات المسلمة في تونس، وتعتبر من العادات التي تتماشى مع أحكام الشريعة الإسلامية لذلك كان يجب معالجة هذا الوضع الاجتماعي الذي يعوق الزواج مما يضر بالمجتمع.
من هذا المنطلق اعتبرت مجلة «ليلى» هذا المرسوم مسايرا لنضالها ضد كل التقاليد التي تعوق تطور وتقدم المجتمع والإصلاح الاجتماعي، كانت تونس تبدو دائما باعتبارها بلدا في حالة تغيير مستمر، تنامى فيها الإصلاح بشكل دائم بسبب موقعها الوسطي بين الشرق والغرب، ففي أوائل العام 1857 تم إعلان «عهد الأمان» والذي تضمن حقوق المواطنة والحريات الأساسية. وفي ذلك الوقت ظهر عدد من الإصلاحيين الذين دافعوا عن المرأة.
وطالب الوزير الإصلاحي خير الدين التونسي بتعليم النساء وفي العام 1930 نشر طاهر مراد في كتابه «امرأتنا أمام القانون والمجتمع» الذي نادى فيه بتعليم المرأة وإلغاء تعدد الزوجات ومع توالي هذه الأحداث انقسم المجتمع إلى تقليديين يدافعون عن المحافظة على الوضع القائم في تشريعات الأسرة. وتقدميين استندوا إلى كتاب طاهر حداد كمرجع لتغيير أوضاع النساء.
ومع صدور مجلة «الزمان» الأسبوعية في العام 1930 أصبحت هذه الأفكار أكثر تحديدا، وقد دافعت المجلة عن نظرية طاهر حداد، وأصدرت أول مجلة نسائية في العام 1936 باسم مجلة «ليلى».
وفي العام 1946 فتحت مؤسسة الزيتونة تحت عمادة الشيخ طاهر بن عاشور قسما للنساء ما سهل حصولهن على التعليم.
اقتحمت المرأة العربية عموما والمصرية على وجه الخصوص مجال العمل السياسي، وخاصة «النيابي» أو «البرلماني» مبكرا تحت قبة البرلمان... حيث منحت حق الانتخاب والتصويت في العام 1957، وكانت انطلاقة نضال المرأة المصرية، التي بدأت منذ العقود الأخيرة في القرن التاسع عشر في الظهور بقوة على ساحة العمل العام، بالرغم من الصعوبات الضخمة التي واجهت النساء المصريات في الخروج من محيطهن الضيق المتمثل في البيت... إلى محيط أوسع متمثل في العمل العام، إلا أن «حواء المصرية»، ومن بعدها العربية نجحت في فرض رؤيتها الجديدة، وأصبحت فاعلة في هذا المجتمع في لحظات تاريخية متعددة.
وشكلت ثورة العام 1919 في «المحروسة»... لحظة تقترب من أن تكون فاصلة في التاريخ المصري المعاصر لما أنجزته لاحقا من تحولات جذرية على المستويين السياسي والاجتماعي، وكان دور المرأة مشهودا بقوة بداية من هدى شعراوي... «النصيرة الأولى» لسعد زغلول وزوجته صفية زغلول «أم المصريين»، وهي أول امرأة قادت مظاهرات النساء عام 1919، بل وشجعت النساء المصريات للمشاركة في الحركات الوطنية بكل شيء من جمع التبرعات والإسعاف والإعداد للمظاهرات.
واستشهد العديد من النساء في هذه الفترة طلبا للاستقلال، وبدأت تعلو الأصوات النسائية، مطالبة بدور حقيقي للمرأة بالمشاركة سياسيا، وكانت مع الزعيمة هدى شعراوي بعض السيدات في مقدمتهن: نبوية موسى، وسيزا نبراوي ومنيرة ثابت التي خصصت مجلة بالكامل، وهي «الأمل» للدفاع عن حقوق المرأة.
وفي فترة الأربعينات قامت جمعية الاتحاد النسائي المصري برئاسة هدى شعراوي بوضع كتيب تضمن بعض مطالب المرأة، ومن أهمها ضرورة تعديل قانون الانتخاب بإشراك النساء مع الرجال في حق الانتخاب، وكذلك أن تمنح المرأة جميع الحقوق السياسية وعضوية المجالس المحلية والنيابية أسوة بالرجل.
وقد وجه هذا الكتيب إلى كل من رئيسي مجلسي الشيوخ والنواب والرأي العام المصري.
وعندما قامت ثورة 23 يوليو العام 1952 تحرر الشعب من الظلم والاحتلال، ومنحت المرأة حقوقها الاجتماعية والسياسية كاملة، وصدر أول دستور في مصر في يناير العام 1956، وتضمن مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق السياسية، وأصبح للمرأة حق الترشيح والانتخاب حيث أجريت أول انتخابات برلمانية للمرأة العام 1957، وقد دخلت الانتخابات بنصف مليون صوت نسائي للمرة الأولى.
وكانت أمام المرأة في هذه الانتخابات بعض المواجهات الصعبة التي لابد من اجتيازها، ومنها التقاليد الشرقية في المجتمع المصري التي لاتزال تقيد حركة المرأة إلى حد كبير على المستوى العام، وخاصة في المحيط السياسي، ومع هذا صدر في مصر أخيراً قرار بإضافة «كوتة برلمانية» للمرأة في البرلمان المصري.
ولا يتوقف الأمر عند المرأة في مصر، ولكن يتخطاها إلى دول أخرى نجحت الوجوه النسائية في أن تفرض نفسها على مجالسها النيابية، في الأردن والإمارات ودول شمال أفريقيا «العربية»، وحتى توجت تجربة المرأة مع الانتخابات البرلمانية، بنجاح 4 نائبات كويتيات في دخول قاعة مجلس الأمة، وبقوة.
تجربة النائبات... عموما في وطننا العربي على امتداده... تحمل نجاحات وأيضا إخفاقات، وكما فيها من وثبات، أيضا فيها عثرات ومطبات، ولكنهن أثبتن حضورهن... وهذا ما تتابعه في السطور التالية:
نزيهة بن بدر... من الشخصيات العربية اللامعة وصاحبة الأثر القوي في الحياة البرلمانية، لعبت دورا نضاليا لن يمحى من الذاكرة التونسية، مهما توالت السنوات وتنوعت الاختيارات ولتثبت أنها «فخر البرلمانيات العرب».
هي في الفيض من النعيم والتراث ترعرعت، ومع وضوح الهدف الصادق استقت معالم الحياة وعلى حنان واطمئنان الطفولة تدرجت وبقيت مع محيطات الفكر المتحد مع الذات ومع تعدد وظائفها. تنوعت أمامها مشاكل الورد فسارت من موكب فخار إلى آخر في استمرارية متواصلة إلى ارتفاع ما قصدت الوسط في أعمالها بل إلى الأسمى والإبداع هدفت، فوقفاتها الوطنية تدعو إلى العزة والتهيب والإكبار.
فخر العرب
هي نزيهة بن بدر، سيرتها العطرة في ذاتها تبقى فخرا للأمة العربية وخطاباتها القيمة وأعمالها الإنسانية تعلن عن شخصيتها المميزة، عندما تكون في حضرتها تشعر بأنك أمام شخصية مهمة غير عادية تداعت إليها الفضائل والقيم والمزايا الطيبة هي الابنة البارة لتونس الأرض الطيبة الأصيلة وهي صاحبة الرأي السديد والتوجه الصائب في السياسة والاجتماع يلبسها نوع من الهوس العلمي الجميل الذي زادها جمالا وثقة بالنفس، هذه المرأة الطموح استطاعت خلال عدة سنوات قليلة أن تحصل على 5 شهادات جامعية في عدة تخصصات والأهم من ذلك هو أن نعرف كيف تجيّر هذه الوفرة العلمية لصالح المجتمع والوطني.
نشأتها
السيدة نزيهة بن بدر والدها عبدالقادر الرحيبش ووالدتها فاطمة القريري ولدت في مدينة تونس العاصمة العام 1947 ودرست حتى حصولها على الثانوية العامة من مدرسة «نهج باشا» ثم التحقت بالجامعة لتتخصص في الأدب الفرنسي والإنكليزي وتخرجت العام 1968، لكنها لم تتوقف عند هذين التخصصين واللذين اعتبرتهما كما يبدو نوعا من الإغناء للثقافة العامة، وهي لهذا لم تلبث أن التحقت بكلية الحقوق لتتخرج في العام 1973 ولكنها تابعت دراستها الجامعية في كلية الحقوق ثم درست سنة أخرى، حيث حصلت على دبلوم الدراسات العليا في العلوم السياسية في العام 1975 وحصلت على شهادة الكفاءة لمهنة الحقوق.
تدافع مجانا عن النساء
وفي العام 1977 افتتحت مكتبها الخاص كمحامية، ومنذ ذلك الوقت عملت بنشاط في الحقلين الاجتماعي والأدبي وألقت العديد من المحاضرات حول حقوق المرأة وفي مجال مشاريع القوانين وقد عرف عنها أنها كثيرا ما ترافعت عن النساء دون مقابل تزوجت في العام 1973 من رجل الأعمال السيد مصطفى بن بدر وأنجبت منه «3» أولاد هم: «أنيس وإيناس وأنس»، والطريف أن الدكتورة نزيهة بن بدر أهدت كتابها الأول وهو أطروحتها حول الجامعة العربية والقانون الدولي إلى ولدها أنيس وهو في شهره الثالث.
ظروف... صعبة
وقبل أن نخوض في معركتها السياسة في البرلمان التونسي علينا أن نلقي الضوء عن فترة السبعينات التي شكلت لحظة مهمة على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي للمرأة التونسية... حيث ظهرت النواة الأولى للحركة النسائية التونسية المستقلة وشملت هذه الحركة ناديا لدراسة أوضاع المرأة وهو الذي عرف بـ «نادي طاهر مداد».
وقد طرح النادي نفسه كمنظمة نسائية راديكالية من حيث اتساع عضويته لكلا الجنسين ونوعية المشاكل التي تناقش داخله واستقلاليته ثم لجنة دراسة وضع المرأة العاملة وتكونت هذه اللجنة بمبادرة من النساء النقابيات اللاتي كن من قبل في نادي دراسات أوضاع المرأة وتضمنت هذه اللجنة أغلبية من المثقفات من النادي وبدرجة أقل من الطبقة العاملة.
ورغم أن اللجنة فتحت أبوابها لمشاركة الرجال إلا أن النقابيين الرجال تعمدوا تجاهلها، وواصلت اللجنة توجه النادي حول خصوصية أوضاع المرأة ولكن هذه المرة في مجال العمل وطورت أنشطتها على «3» مستويات هي: التعرف على مشاكل المرأة العاملة وطرح الحلول المناسبة ودعم مشاركة النساء في الحياة النقابية وإثارة دعم الكوادر النقابية والرأي العام بأوضاع النساء العاملات.
ثم تشكلت لجنة الدفاع عن حقوق المرأة العام 1985 وقد كان تحرر المرأة على المستوى القانوني هو التوجه الأساسي لبرنامج اللجنة وأنشطتها حيث تدخلت اللجنة في عدد من الأحداث التي تخص تحرر النساء وأصدرت بيانات حول تحفظات الحكومة التونسية على بعض بنود اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة وساندت اللجنة سلفا حول تطبيق القانون في قضايا الطلاق والنفقة وحضانة الأطفال معتمدين على الحالات التي تم تقديمها للجنة.
بداية متأخرة
دور المرأة كان حاسما في توجيه عملية تحريرها ومن أهم مراحل هذه العملية كان إعلان مجلة «الأحوال الشخصية» وتأسيس الاتحاد الوطني للنساء التونسيات. والدولة تواصل حاليا هذه الجهود وذلك بتعيين نساء في مواقع اتخاذ القرار وإسهام لجنة المرأة في عملية تطوير الخطة الاقتصادية الوطنية وأيضا من خلال تأسيس المرأة كل هذه العناصر ساهمت في تغيير العقليات وتحسين أوضاع المرأة التونسية.
دخلت نزيهة بن بدر المعترك السياسي في العام 1988 حيث انخرطت في التجمع الدستوري الديموقراطي إيمانا منها بسياسة الرئيس بن علي. التي تصون الحقوق بالعدالة والمساواة، وفي العام التالي بدأت نشاطا مكثفا في العمل القاعدي والجهودي وصبت كل جهودها في منطقة «الوردية» حيث تسكن، وكان هدفها توعية المرأة ودفعها إلى العمل السياسي الذي تستطيع من خلاله خدمة وطنها وقضاياها كامرأة، وفي العام 1990رشحت النائبة نزيهة بن بدر نفسها للانتخابات المحلية البلدية، وحصلت على رئاسة لجنة الشؤون القانونية في بلدية تونس، وفي العام 1992 عينت من قبل الحزب «كاتبة عامة» ومساعدة مكلفة بشؤون المرأة في لجنة التنسيق بمنطقة الوردية.
وبعد عام دخلت اللجنة المركزية للتجمع حتى بدء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في العام 1994 حيث رشحت نفسها على قائمة التجمع الدستوري الديموقراطي في تونس، وبنجاحها اللافت أصبحت نائبا في مجلس النواب، ولاتزال نائبا حتى وقتنا هذا، حيث عينت أمينة المرأة في التجمع الدستوري العام 1988 مكلفة بشؤون المرأة في العمل السياسي وتكريسه، وإلى جانب كل هذه المسؤوليات الدائمة، كان دأبها دائما المحافظة على مسؤولياتها العائلية لأنها تؤمن أن النجاح يبدأ بنجاح العائلة وتربية الأولاد تربية صالحة، وهي ترى أيضا أن على المرأة في كل عمل تقوم به أن تؤديه بأقصى درجات الإحساس بالمسؤولية، وأن عليها أن تترك بصماتها المميزة في الحياة العامة وأن تكون قدوة للآخرين.
وتقول النائبة نزيهة بن بدر: إن المرأة التونسية قد أقبلت على العلم والتعلم وحققت مراتب علمية متقدمة فتنوعت مهامها وتحسن موقعها الاجتماعي الآخر الذي يجب أن ينظر إليه من زاوية المؤهلات للمساعدة في الحياة العامة، وكذلك من ناحية الظروف التي هيأتها تونس من أجل رفع مستوى المرأة التعليمي الأمر الذي لابد وأن يؤدي إلى احتلال المكانة اللائقة بها والمنسجمة مع المقومات الحضارية مقدمة لمشاركتها مستقبلا في الحياة السياسية كتتويج لإدارة مشتركة بين الجميع.
وعندما سئلت: لماذا المرأة في الغرب قد سبقت المرأة عندنا في ميدان التطور؟ فكانت تجيب: إن السبب واضح لأن كل تقدم تحققه المرأة مرهون بتعميم المعرفة والقضاء على آفة الأمية التي لاتزال مستشرية في مجتمعاتنا للأسف وهو ما شكل العائق الأكبر أمام تطور المرأة وتقدم المجتمعات العربية، كما تقلص من إمكانية دخولها في ميادين لاتزال تعتبر حكرا على الرجل، فلنعلم المرأة ولنثقفها لتستطيع مواكبة التقدم الحضاري، وهذه هي المشكلة التي لاتزال تعوق المرأة التونسية.
فالنائبة نزيهة بن بدر - بحكم موقعها - لابد وأن تهتم بالسياسة، لكن اهتماماتها السياسية لا تصرفها عن اهتماماتها الأخرى، فهي حين ترسم أو تلون لوحة من لوحاتها، تضع كل أحاسيسها في عملها الفني والسياسة والفن يكونان مادة الانسجام والتكامل في حياتها فكلاهما سعي مخلص للتعبير عن الإنسان والعمل على تحسين ظروفه ورفع مكانته، وكلاهما يشكل مجالا رحبا لفهم ضرورة الحياة في أعمق تجلياتها وتختلف دروبهما ولكنهما في النتيجة يتفقان في الأهداف والتطلع إلى الأفضل فإلى جانب اهتمامها بالسياسة تقوم بنشاطات اجتماعية ونسائية بارزة فهي تم تكريمها من العديد من الجمعيات الأهلية التونسية.
ونتساءل: أي تكريم يليق بهذه المرأة الشاملة وهي المكرمة والواهبة التي تركت بصماتها العلمية الواضحة في جميع المؤتمرات واللقاءات التي حضرتها محليا وعربيا وعالميا؟
وعندما سئلت: كيف تستطيع التوفيق بين واجباتها كزوجة مسؤولة وبين انشغالاتها السياسية أجابت: حين يصبح كل شيء في البيت على مايُرام أي أنني بعد الانتهاء من توفير احتياجات زوجي وأبنائي، أتفرغ إلى ما يخصني وبالتحديد لكل ما يغني عقلي وميولي الفنية من مطالعة ورسم وغير ذلك إلى جانب أطفالها الذين تعتبرهم بيت القصيد فهي تمنحهم كل عناية لأنهم بحاجة دائمة إلى الإشباع العاطفي، وأهم ما في تربية الأطفال هو اعتماد أسلوب الحوار معهم لأنه يعودهم على لغة التفاهم والإقناع ويدفعهم للتفكير والتمييز وحسن الاختيار.
الأحوال الشخصية
وحين سئلت عن رأيها في «مشروع مجلة الأحوال الشخصية» رأت فيها مكسبا حضاريا لا تراجع عنه للمرأة خاصة أن أول نص بالأحوال الشخصية صدر في مايو 1941 لتحديد الحد الأعلى للمهور ولجهاز العروس بهدف تقليل نفقات الزواج المرتفعة التي كانت تلتزم بها العائلات المسلمة في تونس، وتعتبر من العادات التي تتماشى مع أحكام الشريعة الإسلامية لذلك كان يجب معالجة هذا الوضع الاجتماعي الذي يعوق الزواج مما يضر بالمجتمع.
من هذا المنطلق اعتبرت مجلة «ليلى» هذا المرسوم مسايرا لنضالها ضد كل التقاليد التي تعوق تطور وتقدم المجتمع والإصلاح الاجتماعي، كانت تونس تبدو دائما باعتبارها بلدا في حالة تغيير مستمر، تنامى فيها الإصلاح بشكل دائم بسبب موقعها الوسطي بين الشرق والغرب، ففي أوائل العام 1857 تم إعلان «عهد الأمان» والذي تضمن حقوق المواطنة والحريات الأساسية. وفي ذلك الوقت ظهر عدد من الإصلاحيين الذين دافعوا عن المرأة.
وطالب الوزير الإصلاحي خير الدين التونسي بتعليم النساء وفي العام 1930 نشر طاهر مراد في كتابه «امرأتنا أمام القانون والمجتمع» الذي نادى فيه بتعليم المرأة وإلغاء تعدد الزوجات ومع توالي هذه الأحداث انقسم المجتمع إلى تقليديين يدافعون عن المحافظة على الوضع القائم في تشريعات الأسرة. وتقدميين استندوا إلى كتاب طاهر حداد كمرجع لتغيير أوضاع النساء.
ومع صدور مجلة «الزمان» الأسبوعية في العام 1930 أصبحت هذه الأفكار أكثر تحديدا، وقد دافعت المجلة عن نظرية طاهر حداد، وأصدرت أول مجلة نسائية في العام 1936 باسم مجلة «ليلى».
وفي العام 1946 فتحت مؤسسة الزيتونة تحت عمادة الشيخ طاهر بن عاشور قسما للنساء ما سهل حصولهن على التعليم.