يعرّف جون لوك ضمن جملة من المفاهيم المتعلقة بمفهوم المجتمع المدني بأنه «كلّ المؤسّسات التي تنتج للأفراد التمكّن من الخيرات والمنافع العامّة، دون تدخّل، أو توسّط من الحكومة»، بمعنى الاعتماد على العمل التطوعي الأهلي بعيداً عن روتين الجهات الرسمية، وتعقيدات العمل الحكومي، وصراعات السياسة، وأضواء الدعاية، وضجيج البيانات الخاوية من التطبيق أو الممارسة الحية. على أساس أن المجتمع المدني مجموعة من التنظيمات التطوّعيّة الحرّة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة لتحقيق مصالح أفرادها ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والإدارة السّليمة للتنوّع الخلاق. وهذا لا يمكن أن يتم إلا في وجود من يؤمن بأهمية دور الفرد في تنمية المجتمع عبر العمل الجماعي الصرف بعيداً عن أنانية ومزاجية الفئوية.
وقعت في الكويت كارثة إنسانية لا تقل في فواجعها عن بقية الكوارث الأخرى، لما خلّفته من أضرار اجتماعية، نفسية، اقتصادية ومستقبلية، والمجتمع الكويتي تعاطف مع ضحايا وأسر المنكوبين في هذا الحادث الجلل، على رأسهم حضرة صاحب السمو أمير البلاد حفظه الله ورعاه، وما أمر به من مكرمة أميرية للتخفيف عن ذوي الضحايا.
بموازاة ذلك، نتساءل عن دور مؤسسات المجتمع المدني، التي لاذت بالصمت هذه المرة، متجاهلة دورها المفترض وما يمكن أن يدور في فلك هذه الأسئلة:
كيف يمكن التخفيف على المصابين بالحروق من درجات مختلفة؟، كيف يمكن تعزيز جانب الفقد لمن فقد أماً، زوجة، أختاً، ابنة في هذا الفاجعة؟، كيف يمكن تجاوز هذه الكارثة وآثارها المتراكمة والتي قد تستمر لمدة طويلة؟
هذه هي الأسئلة التي شغلت بال الأخوة القائمين والمؤسسين للحملة الشعبية لدعم أسر ضحايا ومصابي كارثة حريق الجهراء وكما جاء في موقعهم الخاص: «هذه اللجنة الشعبية ستعمل من أجل تقديم الدعم النفسي والمعنوي والمادي لأسر ضحايا ومصابي كارثة حريق مدينة الجهراء في دولة الكويت عبر عمل تنظيمي نظراً لأن بعض الأسر فقدت في هذه الكارثة جيلا كامل يتضمن من يعيله، نظراً لأننا استشعرنا قصوراً في عمل جمعيات النفع العام المختصة في التصدي لهذه الكوارث الإنسانية».
لنتابع نشاطهم الإنساني التطوعي الميداني بزيارة هذه الأسرة المفجوعة، والتعرف إلى ظروفها واحتياجاتها وتلمس أهم ضرورات الحياة لديهم بعد فقدهم لمنابع الحنان والأمومة قبل شهر رمضان الفضيل بأيام قليلة، وهو الذي يحفل عادة بلم الأسر واحتضان أمسياته الجميلة وليالي القرقيعان وفرحة قدوم عيد الفطر السعيد.
ومع تعاون مظلة العمل الكويتية (معك) التي وفرت لهم مشكورة المكان والدعم المعنوي، يبقى تساؤلنا عن أهمية وجود مؤسسات المجتمع المدني، لاسيما المهتمة بالشؤون النسائية والأسرية، وهي التي لا تتوقف ليل نهار بتصريحاتها وبياناتها وأنشطتها عن أهمية تنمية مقومات المجتمع المدني والدفاع عنها، أين هم في ميدان هذه الكارثة الإنسانية؟، ما هو مفهوم التطبيق لديهم مقابل ساحات التنظير؟، أم انها أيضا تقيّم الكوارث بحسب طبقيتها النخبوية، أو الطليعية، أو المكانية، أو المفهومية، كذلك، أين الدور الإنساني للشركات والمؤسسات الكويتية التي تتنافس لدعم المنتجات الاستهلاكية، والمنتخبات الرياضية، والفنية؟
أخيراً... تحية إجلال وتقدير واحترام ننحني بها للأعضاء المؤسسين للحملة الشعبية لدعم أسر ضحايا ومصابي كارثة حريق الجهراء، لأذكر منهم الشاعرة سعدية مفرح، الدكتورة رنا العبدالرزاق، الدكتور مصلح العتيبي والزميل داهم القحطاني، ومن لم أتشرف بمعرفته بعد، ومن آمن بالبعد المعرفي والمدني في قوله تعالى: «والأرض وضعها للأنام» صدق الله العظيم. والعاقبة لمن يعقل ويتدبر.
فهد توفيق الهندال
إعلامي وكاتب كويتي
[email protected]