برلمان الستات / من هدى شعراوي إلى معصومة ورولا وأسيل وسلوى... نجاحات ومطبات برلمانية
توجان الفيصل... أول سيدة تقتحم البرلمان الهاشمي / 13

توجان الفيصل

توجان الفيصل تعرض مستنداتها






|القاهرة - من نعمات مجدي|
اقتحمت المرأة العربية عموما والمصرية على وجه الخصوص مجال العمل السياسي، وخاصة «النيابي» أو «البرلماني» مبكرا تحت قبة البرلمان... حيث منحت حق الانتخاب والتصويت في العام 1957، وكانت انطلاقة نضال المرأة المصرية، التي بدأت منذ العقود الأخيرة في القرن التاسع عشر في الظهور بقوة على ساحة العمل العام، بالرغم من الصعوبات الضخمة التي واجهت النساء المصريات في الخروج من محيطهن الضيق المتمثل في البيت... إلى محيط أوسع متمثل في العمل العام، إلا أن «حواء المصرية»، ومن بعدها العربية نجحت في فرض رؤيتها الجديدة، وأصبحت فاعلة في هذا المجتمع في لحظات تاريخية متعددة.
وشكلت ثورة العام 1919 في «المحروسة»... لحظة تقترب من أن تكون فاصلة في التاريخ المصري المعاصر لما أنجزته لاحقا من تحولات جذرية على المستويين السياسي والاجتماعي، وكان دور المرأة مشهودا بقوة بداية من هدى شعراوي... «النصيرة الأولى» لسعد زغلول وزوجته صفية زغلول «أم المصريين»، وهي أول امرأة قادت مظاهرات النساء عام 1919، بل وشجعت النساء المصريات للمشاركة في الحركات الوطنية بكل شيء من جمع التبرعات والإسعاف والإعداد للمظاهرات.
واستشهد العديد من النساء في هذه الفترة طلبا للاستقلال، وبدأت تعلو الأصوات النسائية، مطالبة بدور حقيقي للمرأة بالمشاركة سياسيا، وكانت مع الزعيمة هدى شعراوي بعض السيدات في مقدمتهن: نبوية موسى، وسيزا نبراوي ومنيرة ثابت التي خصصت مجلة بالكامل، وهي «الأمل» للدفاع عن حقوق المرأة.
وفي فترة الأربعينات قامت جمعية الاتحاد النسائي المصري برئاسة هدى شعراوي بوضع كتيب تضمن بعض مطالب المرأة، ومن أهمها ضرورة تعديل قانون الانتخاب بإشراك النساء مع الرجال في حق الانتخاب، وكذلك أن تمنح المرأة جميع الحقوق السياسية وعضوية المجالس المحلية والنيابية أسوة بالرجل.
وقد وجه هذا الكتيب إلى كل من رئيسي مجلسي الشيوخ والنواب والرأي العام المصري.
وعندما قامت ثورة 23 يوليو العام 1952 تحرر الشعب من الظلم والاحتلال، ومنحت المرأة حقوقها الاجتماعية والسياسية كاملة، وصدر أول دستور في مصر في يناير العام 1956، وتضمن مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق السياسية، وأصبح للمرأة حق الترشيح والانتخاب حيث أجريت أول انتخابات برلمانية للمرأة العام 1957، وقد دخلت الانتخابات بنصف مليون صوت نسائي للمرة الأولى.
وكانت أمام المرأة في هذه الانتخابات بعض المواجهات الصعبة التي لابد من اجتيازها، ومنها التقاليد الشرقية في المجتمع المصري التي لاتزال تقيد حركة المرأة إلى حد كبير على المستوى العام، وخاصة في المحيط السياسي، ومع هذا صدر في مصر أخيراً قرار بإضافة «كوتة برلمانية» للمرأة في البرلمان المصري.
ولا يتوقف الأمر عند المرأة في مصر، ولكن يتخطاها إلى دول أخرى نجحت الوجوه النسائية في أن تفرض نفسها على مجالسها النيابية، في الأردن والإمارات ودول شمال أفريقيا «العربية»، وحتى توجت تجربة المرأة مع الانتخابات البرلمانية، بنجاح 4 نائبات كويتيات في دخول قاعة مجلس الأمة، وبقوة.
تجربة النائبات... عموما في وطننا العربي على امتداده... تحمل نجاحات وأيضا إخفاقات، وكما فيها من وثبات، أيضا فيها عثرات ومطبات، ولكنهن أثبتن حضورهن... وهذا ما تتابعه في السطور التالية:
إنها توجان الفيصل... أول امرأة تقتحم برلمان المملكة الأردنية الهاشمية العام 1993. تسحرك بما تملك من ثقافة وشجاعة وتمرد ورفض لكل ما يمس بكرامة الإنسان وحريته، مناضلة عنيدة شرسة انتدبت نفسها لعبور الخصم الصعب بإرادة لا تقهر تفور في حناياها نار العروبة لتحرق الظلم والفقر والجهل والاستبداد والاستعمار، دائما ما تعلق طموحاتها إلى المدى الأبعد وإلى قمم النضال مبشرة بفجر جديد من الحرية والعدل والديموقراطية والمساواة.
و«توجان»... هي إحدى العلامات البارزة في مسيرة البرلمانيات العربيات، وهي ظاهرة فريدة في تاريخ نضال المرأة مع الحواجز والقوانين التي تحول دون بلوغها مراكز سياسية لها وزنها، إنها تشكل ظاهرة فريدة فتوجان الفيصل، هي الأكثر حدة في صفوف المعارضة بالرغم من عدم انتمائها الحزبي.
نجمة الانتخابات
كانت نجمة انتخابات الأردن في العام 1993 وأول امرأة أردنية تقتحم برلمان المملكة الأردنية لتعود فتخرج من البرلمان في انتخابات 1997 متهمة جهات عديدة بمحاربتها وبالتزوير لإسقاطها لأنهم خافوا كلمة الحق والمواجهة الصادقة فعملوا على إبعادها، هذه المرأة تحملت الصعوبات فجاءت إلينا كنشر الأزاهير، كندى الفجر وكدفء الشمس لتلون حياة الأمة العربية بالعدل والديموقراطية والحب والجمال، ولتوقظ الأمة العربية من سباتها لتواجه المؤمرات الصهيونية والعولمة الدولية.
استطاعت توجان الفيصل بالرغم من المحاربة لأفكارها وتوجهاتها النقدية أن تخوض معركة سياسية شرسة وتفوز بتأييد شعبي قل نظيره، مع توجان الفيصل لا نستطيع أن نمر بسهولة ونعبر إنها تستوقف وتشير إلى ألوف التساؤلات. فلنتعرف على شخصيتها الفذة ونضالها ومواقفها القومية العربية المشرفة.
الحركة النسائية
قبل أن نخوض في تاريخ توجان الفيصل تلك البرلمانية المناضلة علينا أن نذكر أولا بدايات الحركة النسائية في الأردن التي بدأت متأخرة في بداية القرن الماضي كما هو حال غيرهن من النساء العربيات نتيجة الأوضاع السياسية التي سادت المنطقة في تلك الفترة حيث ظهرت الحركة النسائية في بداية الأمر كحركة خيرية تطوعية.
فالوضع السياسي الذي عانت منه البلاد والذي نجمت عنه أوضاع وظروف اقتصادية واجتماعية صعبة حدد مسار الحركة النسائية التي بدأت بين صفوف نساء الأسر من الطبقات المتوسطة وفوق المتوسطة وتحديدا بين المتعلمات منهن اللواتي حاولن تقديم المساعدات اللازمة والمعونات لأفراد الشعب الذين عانوا من القهر والظلم والفقر، فكانت تلك بدايات التحرك النسائي.
ولم يكن العمل النسائي آنذاك قد أخذ شكلا مستمرا وإنما كان يرتبط بالأحداث والظروف وما تمليه من حاجات، وفي الأربعينات من القرن الماضي ظهر العمل النسائي نتيجة للظروف التي عاشتها الأردن وفلسطين كل على حدة.
فلقد مرت الحركة النسائية في الأردن بعدة مراحل... كانت البدايات الأولى تعرف بمرحلة ما قبل عام 1937 حيث تأثرت الأردن بالأحداث السياسية في بداية ذلك القرن. إذ شهد العديد من الهجرات السورية ولجوء عدد كبير من الفلسطينيين إليه ولأن الحياة كانت ذات طبيعة عشائرية قبلية تفرض على الفرد ضرورة التعاون مع الأفراد والجماعات، فقد كانت العلاقة بين الجماعات المختلفة تحمل مضمون العمل الجماعي المرتبط أساسا، ولكن ليس كليا بالبنى الاجتماعية التقليدية.
لذلك لم يكن غريبا أن يبدأ العمل الجماعي التطوعي بالظهور من خلال جمعيات أسست من منطلقات عدة، فمن منطلق قوى أسست في الأردن العام 1912 أول جمعية هي «دور الإحسان» كانت عبارة عن جمعية مكرسة لخدمة الطائفة الأرثوذكسية فقط وكانت تتلقى مساعدات خارجية من الجمعيات الأرثوذكسية الأخرى.
حيث كان الناس يتكتلون وفقا للروابط فيما بينهم وعلى هذا الأساس فقد توالى تأسيس جمعيات مختلفة منها جمعية «النهضة الأرثوذكسية» وجمعيات «المقاصد الحجازية» العام 11931 و«الإخاء الشركسية» والتي قامت من منطلق فتوى تتفق وطبيعة التجمعات في البناء الاجتماعي لتلك الفترة، كما ظهرت جمعيات أخرى ذات طابع سياسي منها «عصبة الشباب الأردني» وفي العام 1937 ظهرت جمعية «الحرية الحمراء».
تنظيمات عامة
وفي هذه المرحلة عملت النساء في تنظيمات عامة غير نسائية بقصد تقديم الإحسان، ولم تكن قضايا المرأة ظاهرة في نشاطاتها لكن التنظيمات الفئوية وظهور مشكلة المرأة في المجتمع، مهدا الطريق إلى ظهور تنظيمات نسائية هدفها معالجة وضع المرأة في المجتمع، وساعدت عوامل سياسية اجتماعية كالتعليم والاتصال بالمجتمعات الأخرى على إحداث تغييرات واضحة في الحركة النسائية تمثلت بداياتها في المرحلة التالية التي بدأت في العام 1937.
حيث شكلت هذه المرحلة النواة القيادية النسائية، وشهدت هذه الفترة تحولات من الاهتمامات الفئوية على صعيد المجتمع بكل فئاته وبقضية المرأة بشكل خاص وقد ظهر ذلك جليا في هذه المرحلة، ومن تبلور الوعي السياسي نتيجة لمجرى الأحداث السياسية التي سادت حينذاك لم يعد العمل الاجتماعي التطوعي يقتصر على الرجال فقط بل تعداه ليشمل صفوف المرأة كشريكة فيه، فبالرغم من الأعراف الاجتماعية السائدة والظروف الصعبة استطاعت المرأة أن تؤدي دورا في المجتمع تمثل مشاركتها في الأعمال الخيرية والعمل من أجل زيادة التقدم والرفاهية للمجتمع.
وقد تبلور ذلك الوعي النسائي من خلال الجهود التي بذلتها المرأة، فقد زاد عدد المتعلمات المشاركات ونظم العمل بشكل أفضل، فتوجهت المرأة بإنشاء أول جمعية نسائية العام 1944 وهي «جمعية التضامن النسائي الأردني» وكانت أهدافها اجتماعية ثقافية كالاهتمام بتقديم المساعدات للفقراء والمحتاجين والاعتناء بالأطفال وإيوائهم وكانت هؤلاء السيدات يجتمعن في بيوتهن لعدم وجود مقر لتلك الجمعية، وقد تزامنت نشأة جمعية التضامن النسائي الأردنية مع المنتدى العربي للرجال وكن يجلسن في الصفوف الخلفية، وقد خصص مقر المنتدى يوم الثلاثاء من كل أسبوع لاستعمال الجمعية النسائية لعدم وجود مقر لها وسمح لها باستعمال مكتبة المنتدى، وكانت عضوات الجمعية هن المسؤولات عن ترتيب تلك المكتبة.
اتحاد نسائي
وفي العام 1945 زارت السيدتان المصريتان هدى شعراوي وأمينة السعيد عمان وقابلتا الأمير «عبدالله بن الحسين» - في ذلك الوقت - وطلبتا منه تأسيس اتحاد نسائي أردني ليكون جزءا من الاتحاد النسائي العربي وقد وافق على ذلك فتأسست جمعية الاتحاد النسائي العام 1945، وكان ذلك قبل إنشاء وزارة للشؤون الاجتماعية في الأردن.
لذلك فقد تم تسجيلها بموجب قانون الجمعيات العام 1936 المنبثق عن قانون الجمعيات المعمول به في فلسطين، وقد اختلفت هذه الجمعية عن سابقتها بأن صاغت أهدافا جديدة للجمعية منها الاهتمام بوضع المرأة الأردنية الاجتماعي ورفع مستواها الثقافي ونشر تقويم القواعد الصحية الخاصة برعاية الأطفال إضافة إلى تقديم المعونات للأمهات الفقيرات.
وفي المرحلة الثانية من العام 1984 وحتى العام 1967 بدأت تظهر التنظيمات النسائية الأهلية بشكل قانوني ونتيجة للأوضاع السياسية السائدة وبخاصة الهزيمة التي مني بها العرب في حرب 1948 وتشريد الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني فقد نشطت سيدات جمعية «الاتحاد النسائي» في تقديم المعونات اللازمة، وتوحدت جهود سيدات عمان مع سيدات فلسطين اللاجئات من أجل الإغاثة.
فعلى سبيل المثال تجمعت سيدات جمعيات الشابات المسيحيات اللواتي لجأن من يافا والقدس، واتخذن من المدرسة الأهلية في عمان مقرا لهن، وقدمن المساعدات اللازمة لإيواء اللاجئين.
وقد قمن بإدارة هذه المدرسة وحولن قسما منها إلى مستشفى حيث ساهم الدكتور يوسف شويحات في ذلك الوقت بتحويل مستشفى الصناعة في عمان إلى مستشفى ولادة وتعاونت سيدات جمعيتي التضامن النسائي والاتحاد النسائي مع الدكتور يوسف شويحات في تأسيس مستشفى في جبل اللوبيدة من أجل تقديم الخدمات للمنكوبين.
نكبة 1948
أفرزت نكبة العام 1948 مشاكل جديدة وأحدثت تغييرات ديموغرافية في الضفة الشرقية لذلك كان لابد من إعادة تنظيم العمل التطوعي بشكل يتلاءم مع الأوضاع والمتطلبات الجديدة ونتيجة لهذا فقد اندمجت في العام 1949 جمعيتا «التضامن النسائي الأردنية» و«الاتحاد النسائي» في جمعية واحدة تحت اسم «الجمعية النسائية الهاشمية».
إلا أنها حلت في العام نفسه، وفي العام 1951 صدر قانون وزارة الشؤون الاجتماعية حيث أسست بموجبه أول وزارة للشؤون الاجتماعية كان من صلاحياتها الإشراف على العمل التطوعي وتنظيمه، وهكذا عملت الوزارة على تحديد أقسامها بشكل يتماشى مع الخدمات التي تقدمها الجمعيات فأنشأت قسما خاصا للنشاط الأهلي، وأسندت إليه مسؤولية تنظيم جهود الجمعيات ووضع الأنظمة والقوانين اللازمة، هكذا بدأ العمل الاجتماعي يأخذ بعدا تنظيميا بإشراف حكومي من خلال علاقته بالوزارة ومن هذه الجمعيات جمعية الشابات المسيحيات العام 1950.
نشأت هذه الجمعية نتيجة لجهود اللاجئين الفلسطينيين الذين حضروا من عكا والقدس وقد وضع نظام هذه الجمعية بناء على النظام الأساسي لجمعية الشابات المسيحيات العالمية تليها جمعية الهلال الأحمر العام 1951 وأخيرا اتحاد المرأة العربية الذي تم تأسيسه في العام 1954 برئاسة المحامية «إملي بشارات» وكان لهذا الاتحاد دور مهم في توعية المرأة سياسيا، وقدم العديد من المذكرات إلى رئيس الوزراء مطالبا بمنح المرأة حقوقها السياسية، وقد أعد مجلس الوزراء في العام 1955 مشروع قانون للانتخاب يعطي للمرأة المتعلمة حق الانتخاب وليس حق الترشيح وقد شمل هذا الاتحاد عدد كبيرا من سيدات المجتمع الأردني.
أما المرحلة الثالثة من «1967 وحتى 1981» فقد شهدت مرحلة الانفصال عن الفكرة التطوعية الخيرية ويمكن القول إن هذه المرحلة شهدت نضجا في العمل حيث أخذت النشاطات بعدا جديدا اتسم بالتنمية وبخاصة بعد عدوان 1967 وما لحق بالأمة من خسائر ونزوح العديد من الفلسطينيين إلى الدول القريبة وخاصة الأردن، ولقد شهد الأردن نضالا سياسيا علنيا نتيجة لارتباطه المباشر بالنضال الفلسطيني وكان للمرأة فيه دور مميز، وفي العام 1970 أسست جمعية النساء العربيات وكانت أهدافها مكافحة الأمية بين النساء ورفع مستوى المرأة ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا وفتح مراكز تأهيل للنساء.
التجمع النسائي الأردني
وفي العام 1974 ألقت مجموعة من السيدات الرائدات اللواتي عرفن العمل النسائي التطوعي من قبل وذلك في إطار التحضير للاحتفال بعام المرأة الدولي المعلن عنه من هيئة الأمم المتحدة العام 1975 وتم تشكيل لجنة تحضيرية لهذا الغرض باسم «التجمع النسائي الوطني في الأردن» الذي حل العام 1957.
وهكذا تم الإعلان عن تأسيسه في 17 نوفمبر العام 1974 كنتظيم شعبي تعرف به رسميا من قبل وزارة الداخلية، وفازت المحامية «إملي بشارات» برئاسة الاتحاد وكان من المفترض أن يعمل هذا الاتحاد على تجميع وتنظيم العمل النسائي، كما كان يتوقع منه أن يمثل الأردن على المستويين القومي والعربي.
أما المرحلة الأخيرة وهي من العام 1981 حتى وقتنا الحاضر فقد شهدت هذه المرحلة بدايات البحث في الشؤون النسوية في ظل وجود تنظيمات وطنية بأشكال مختلفة واتسمت هذه المرحلة بعدة خصائص ساعدت في تقدم تلك التنظيمات للأمام وبوجود بعض العقبات التي عرقلت الإنجازات بل وأعادت بعضها للوراء.
ولقد مثلت هذه المرحلة في بدايتها انفصال الجمعيات النسائية الخيرية الأردنية عن مثيلاتها الفلسطينية، وشهدت هذه المرحلة بدايات التجربة الديمقراطية بكل انعكاساتها على صعيد المطالبة بالمساواة واحترام الرأي والرأي الآخر هذا على المستوى الوطني.
شخصية متجددة
وفي هذه المرحلة ظهرت «توجان الفيصل» نجمة انتخابات الأردن العام 1993 فهي من عائلة شركسية معروفة في مجالات القانون والثقافة والانفتاح، ولا شك أنها تأثرت بهذا المناخ المتحرر ما أعطاها الثقة بالنفس والتطلع إلى ما هو حق ومنطق وعدل، والشركس كما نعلم شعب قوقازي محارب عنيد تواطأ عليه العثمانيون والروس لحمله على الهجرة إلى الأردن والبلاد العربية فسكنوا فيها وأصبحوا من أهلها.
تزوجت توجان من زميل لها في الجامعة وهو طبيب نساء من مواليد القدس من قضاء نابلس لها منه 3 أولاد ونالت الماجستير في الأدب الإنكليزي ثم أدخلت عليه الإعلام كونها تحب الإعلام وتخصصت في علمه، ومما يلفت أن توجان منذ يفاعتها كانت تبدو عليها أعراض التمرد وكانت ترفض الانصياع إلى القوانين: إذا لم تفهمها أو تكون غير مقتنعة بها.
لكنها كانت متفوقة في دراستها، ناجحة في مجالات عدة وخصوصا في الرسم والتمثيل وكتابة المسرحيات وإخراجها «ولم ترسب إلا في مادة الرياضيات وهي ظاهرة تكاد تكون عامة عند متذوقي الأدب والفن.
تخصصت جامعيا في الأدب الإنكليزي لأنها منذ البداية كانت تحب الأدب وتكتب القصة القصيرة والشعر إلى أن أخذتها السياسة إلى مناخات أخرى.
حين تخرجت في العام 1971 بشهادة بكالوريوس، وسلمها الشهادة الملك حسين - رحمه الله - وشجعها والدها المحب للعلم، على السفر لمتابعة دراستها العليا في الخارج، ولكنها بمحض الصدفة، تقدمت إلى مسابقة لمذيعات التلفزيون ففازت والتحقت بعملها فيه كمقدمة برامج، وكان أولها «في المكتبة» لأنها أساسا كانت مولعة بالمطالعة والكتب.
عملها التلفزيوني جعلها على تماس أكثر مع الناس، فحملت الكاميرا ونزلت إلى الشارع للتعايش مع مشاكل الناس عن كثب، وبدأت رحلتها في عالم السياسة.
اقتحمت المرأة العربية عموما والمصرية على وجه الخصوص مجال العمل السياسي، وخاصة «النيابي» أو «البرلماني» مبكرا تحت قبة البرلمان... حيث منحت حق الانتخاب والتصويت في العام 1957، وكانت انطلاقة نضال المرأة المصرية، التي بدأت منذ العقود الأخيرة في القرن التاسع عشر في الظهور بقوة على ساحة العمل العام، بالرغم من الصعوبات الضخمة التي واجهت النساء المصريات في الخروج من محيطهن الضيق المتمثل في البيت... إلى محيط أوسع متمثل في العمل العام، إلا أن «حواء المصرية»، ومن بعدها العربية نجحت في فرض رؤيتها الجديدة، وأصبحت فاعلة في هذا المجتمع في لحظات تاريخية متعددة.
وشكلت ثورة العام 1919 في «المحروسة»... لحظة تقترب من أن تكون فاصلة في التاريخ المصري المعاصر لما أنجزته لاحقا من تحولات جذرية على المستويين السياسي والاجتماعي، وكان دور المرأة مشهودا بقوة بداية من هدى شعراوي... «النصيرة الأولى» لسعد زغلول وزوجته صفية زغلول «أم المصريين»، وهي أول امرأة قادت مظاهرات النساء عام 1919، بل وشجعت النساء المصريات للمشاركة في الحركات الوطنية بكل شيء من جمع التبرعات والإسعاف والإعداد للمظاهرات.
واستشهد العديد من النساء في هذه الفترة طلبا للاستقلال، وبدأت تعلو الأصوات النسائية، مطالبة بدور حقيقي للمرأة بالمشاركة سياسيا، وكانت مع الزعيمة هدى شعراوي بعض السيدات في مقدمتهن: نبوية موسى، وسيزا نبراوي ومنيرة ثابت التي خصصت مجلة بالكامل، وهي «الأمل» للدفاع عن حقوق المرأة.
وفي فترة الأربعينات قامت جمعية الاتحاد النسائي المصري برئاسة هدى شعراوي بوضع كتيب تضمن بعض مطالب المرأة، ومن أهمها ضرورة تعديل قانون الانتخاب بإشراك النساء مع الرجال في حق الانتخاب، وكذلك أن تمنح المرأة جميع الحقوق السياسية وعضوية المجالس المحلية والنيابية أسوة بالرجل.
وقد وجه هذا الكتيب إلى كل من رئيسي مجلسي الشيوخ والنواب والرأي العام المصري.
وعندما قامت ثورة 23 يوليو العام 1952 تحرر الشعب من الظلم والاحتلال، ومنحت المرأة حقوقها الاجتماعية والسياسية كاملة، وصدر أول دستور في مصر في يناير العام 1956، وتضمن مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق السياسية، وأصبح للمرأة حق الترشيح والانتخاب حيث أجريت أول انتخابات برلمانية للمرأة العام 1957، وقد دخلت الانتخابات بنصف مليون صوت نسائي للمرة الأولى.
وكانت أمام المرأة في هذه الانتخابات بعض المواجهات الصعبة التي لابد من اجتيازها، ومنها التقاليد الشرقية في المجتمع المصري التي لاتزال تقيد حركة المرأة إلى حد كبير على المستوى العام، وخاصة في المحيط السياسي، ومع هذا صدر في مصر أخيراً قرار بإضافة «كوتة برلمانية» للمرأة في البرلمان المصري.
ولا يتوقف الأمر عند المرأة في مصر، ولكن يتخطاها إلى دول أخرى نجحت الوجوه النسائية في أن تفرض نفسها على مجالسها النيابية، في الأردن والإمارات ودول شمال أفريقيا «العربية»، وحتى توجت تجربة المرأة مع الانتخابات البرلمانية، بنجاح 4 نائبات كويتيات في دخول قاعة مجلس الأمة، وبقوة.
تجربة النائبات... عموما في وطننا العربي على امتداده... تحمل نجاحات وأيضا إخفاقات، وكما فيها من وثبات، أيضا فيها عثرات ومطبات، ولكنهن أثبتن حضورهن... وهذا ما تتابعه في السطور التالية:
إنها توجان الفيصل... أول امرأة تقتحم برلمان المملكة الأردنية الهاشمية العام 1993. تسحرك بما تملك من ثقافة وشجاعة وتمرد ورفض لكل ما يمس بكرامة الإنسان وحريته، مناضلة عنيدة شرسة انتدبت نفسها لعبور الخصم الصعب بإرادة لا تقهر تفور في حناياها نار العروبة لتحرق الظلم والفقر والجهل والاستبداد والاستعمار، دائما ما تعلق طموحاتها إلى المدى الأبعد وإلى قمم النضال مبشرة بفجر جديد من الحرية والعدل والديموقراطية والمساواة.
و«توجان»... هي إحدى العلامات البارزة في مسيرة البرلمانيات العربيات، وهي ظاهرة فريدة في تاريخ نضال المرأة مع الحواجز والقوانين التي تحول دون بلوغها مراكز سياسية لها وزنها، إنها تشكل ظاهرة فريدة فتوجان الفيصل، هي الأكثر حدة في صفوف المعارضة بالرغم من عدم انتمائها الحزبي.
نجمة الانتخابات
كانت نجمة انتخابات الأردن في العام 1993 وأول امرأة أردنية تقتحم برلمان المملكة الأردنية لتعود فتخرج من البرلمان في انتخابات 1997 متهمة جهات عديدة بمحاربتها وبالتزوير لإسقاطها لأنهم خافوا كلمة الحق والمواجهة الصادقة فعملوا على إبعادها، هذه المرأة تحملت الصعوبات فجاءت إلينا كنشر الأزاهير، كندى الفجر وكدفء الشمس لتلون حياة الأمة العربية بالعدل والديموقراطية والحب والجمال، ولتوقظ الأمة العربية من سباتها لتواجه المؤمرات الصهيونية والعولمة الدولية.
استطاعت توجان الفيصل بالرغم من المحاربة لأفكارها وتوجهاتها النقدية أن تخوض معركة سياسية شرسة وتفوز بتأييد شعبي قل نظيره، مع توجان الفيصل لا نستطيع أن نمر بسهولة ونعبر إنها تستوقف وتشير إلى ألوف التساؤلات. فلنتعرف على شخصيتها الفذة ونضالها ومواقفها القومية العربية المشرفة.
الحركة النسائية
قبل أن نخوض في تاريخ توجان الفيصل تلك البرلمانية المناضلة علينا أن نذكر أولا بدايات الحركة النسائية في الأردن التي بدأت متأخرة في بداية القرن الماضي كما هو حال غيرهن من النساء العربيات نتيجة الأوضاع السياسية التي سادت المنطقة في تلك الفترة حيث ظهرت الحركة النسائية في بداية الأمر كحركة خيرية تطوعية.
فالوضع السياسي الذي عانت منه البلاد والذي نجمت عنه أوضاع وظروف اقتصادية واجتماعية صعبة حدد مسار الحركة النسائية التي بدأت بين صفوف نساء الأسر من الطبقات المتوسطة وفوق المتوسطة وتحديدا بين المتعلمات منهن اللواتي حاولن تقديم المساعدات اللازمة والمعونات لأفراد الشعب الذين عانوا من القهر والظلم والفقر، فكانت تلك بدايات التحرك النسائي.
ولم يكن العمل النسائي آنذاك قد أخذ شكلا مستمرا وإنما كان يرتبط بالأحداث والظروف وما تمليه من حاجات، وفي الأربعينات من القرن الماضي ظهر العمل النسائي نتيجة للظروف التي عاشتها الأردن وفلسطين كل على حدة.
فلقد مرت الحركة النسائية في الأردن بعدة مراحل... كانت البدايات الأولى تعرف بمرحلة ما قبل عام 1937 حيث تأثرت الأردن بالأحداث السياسية في بداية ذلك القرن. إذ شهد العديد من الهجرات السورية ولجوء عدد كبير من الفلسطينيين إليه ولأن الحياة كانت ذات طبيعة عشائرية قبلية تفرض على الفرد ضرورة التعاون مع الأفراد والجماعات، فقد كانت العلاقة بين الجماعات المختلفة تحمل مضمون العمل الجماعي المرتبط أساسا، ولكن ليس كليا بالبنى الاجتماعية التقليدية.
لذلك لم يكن غريبا أن يبدأ العمل الجماعي التطوعي بالظهور من خلال جمعيات أسست من منطلقات عدة، فمن منطلق قوى أسست في الأردن العام 1912 أول جمعية هي «دور الإحسان» كانت عبارة عن جمعية مكرسة لخدمة الطائفة الأرثوذكسية فقط وكانت تتلقى مساعدات خارجية من الجمعيات الأرثوذكسية الأخرى.
حيث كان الناس يتكتلون وفقا للروابط فيما بينهم وعلى هذا الأساس فقد توالى تأسيس جمعيات مختلفة منها جمعية «النهضة الأرثوذكسية» وجمعيات «المقاصد الحجازية» العام 11931 و«الإخاء الشركسية» والتي قامت من منطلق فتوى تتفق وطبيعة التجمعات في البناء الاجتماعي لتلك الفترة، كما ظهرت جمعيات أخرى ذات طابع سياسي منها «عصبة الشباب الأردني» وفي العام 1937 ظهرت جمعية «الحرية الحمراء».
تنظيمات عامة
وفي هذه المرحلة عملت النساء في تنظيمات عامة غير نسائية بقصد تقديم الإحسان، ولم تكن قضايا المرأة ظاهرة في نشاطاتها لكن التنظيمات الفئوية وظهور مشكلة المرأة في المجتمع، مهدا الطريق إلى ظهور تنظيمات نسائية هدفها معالجة وضع المرأة في المجتمع، وساعدت عوامل سياسية اجتماعية كالتعليم والاتصال بالمجتمعات الأخرى على إحداث تغييرات واضحة في الحركة النسائية تمثلت بداياتها في المرحلة التالية التي بدأت في العام 1937.
حيث شكلت هذه المرحلة النواة القيادية النسائية، وشهدت هذه الفترة تحولات من الاهتمامات الفئوية على صعيد المجتمع بكل فئاته وبقضية المرأة بشكل خاص وقد ظهر ذلك جليا في هذه المرحلة، ومن تبلور الوعي السياسي نتيجة لمجرى الأحداث السياسية التي سادت حينذاك لم يعد العمل الاجتماعي التطوعي يقتصر على الرجال فقط بل تعداه ليشمل صفوف المرأة كشريكة فيه، فبالرغم من الأعراف الاجتماعية السائدة والظروف الصعبة استطاعت المرأة أن تؤدي دورا في المجتمع تمثل مشاركتها في الأعمال الخيرية والعمل من أجل زيادة التقدم والرفاهية للمجتمع.
وقد تبلور ذلك الوعي النسائي من خلال الجهود التي بذلتها المرأة، فقد زاد عدد المتعلمات المشاركات ونظم العمل بشكل أفضل، فتوجهت المرأة بإنشاء أول جمعية نسائية العام 1944 وهي «جمعية التضامن النسائي الأردني» وكانت أهدافها اجتماعية ثقافية كالاهتمام بتقديم المساعدات للفقراء والمحتاجين والاعتناء بالأطفال وإيوائهم وكانت هؤلاء السيدات يجتمعن في بيوتهن لعدم وجود مقر لتلك الجمعية، وقد تزامنت نشأة جمعية التضامن النسائي الأردنية مع المنتدى العربي للرجال وكن يجلسن في الصفوف الخلفية، وقد خصص مقر المنتدى يوم الثلاثاء من كل أسبوع لاستعمال الجمعية النسائية لعدم وجود مقر لها وسمح لها باستعمال مكتبة المنتدى، وكانت عضوات الجمعية هن المسؤولات عن ترتيب تلك المكتبة.
اتحاد نسائي
وفي العام 1945 زارت السيدتان المصريتان هدى شعراوي وأمينة السعيد عمان وقابلتا الأمير «عبدالله بن الحسين» - في ذلك الوقت - وطلبتا منه تأسيس اتحاد نسائي أردني ليكون جزءا من الاتحاد النسائي العربي وقد وافق على ذلك فتأسست جمعية الاتحاد النسائي العام 1945، وكان ذلك قبل إنشاء وزارة للشؤون الاجتماعية في الأردن.
لذلك فقد تم تسجيلها بموجب قانون الجمعيات العام 1936 المنبثق عن قانون الجمعيات المعمول به في فلسطين، وقد اختلفت هذه الجمعية عن سابقتها بأن صاغت أهدافا جديدة للجمعية منها الاهتمام بوضع المرأة الأردنية الاجتماعي ورفع مستواها الثقافي ونشر تقويم القواعد الصحية الخاصة برعاية الأطفال إضافة إلى تقديم المعونات للأمهات الفقيرات.
وفي المرحلة الثانية من العام 1984 وحتى العام 1967 بدأت تظهر التنظيمات النسائية الأهلية بشكل قانوني ونتيجة للأوضاع السياسية السائدة وبخاصة الهزيمة التي مني بها العرب في حرب 1948 وتشريد الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني فقد نشطت سيدات جمعية «الاتحاد النسائي» في تقديم المعونات اللازمة، وتوحدت جهود سيدات عمان مع سيدات فلسطين اللاجئات من أجل الإغاثة.
فعلى سبيل المثال تجمعت سيدات جمعيات الشابات المسيحيات اللواتي لجأن من يافا والقدس، واتخذن من المدرسة الأهلية في عمان مقرا لهن، وقدمن المساعدات اللازمة لإيواء اللاجئين.
وقد قمن بإدارة هذه المدرسة وحولن قسما منها إلى مستشفى حيث ساهم الدكتور يوسف شويحات في ذلك الوقت بتحويل مستشفى الصناعة في عمان إلى مستشفى ولادة وتعاونت سيدات جمعيتي التضامن النسائي والاتحاد النسائي مع الدكتور يوسف شويحات في تأسيس مستشفى في جبل اللوبيدة من أجل تقديم الخدمات للمنكوبين.
نكبة 1948
أفرزت نكبة العام 1948 مشاكل جديدة وأحدثت تغييرات ديموغرافية في الضفة الشرقية لذلك كان لابد من إعادة تنظيم العمل التطوعي بشكل يتلاءم مع الأوضاع والمتطلبات الجديدة ونتيجة لهذا فقد اندمجت في العام 1949 جمعيتا «التضامن النسائي الأردنية» و«الاتحاد النسائي» في جمعية واحدة تحت اسم «الجمعية النسائية الهاشمية».
إلا أنها حلت في العام نفسه، وفي العام 1951 صدر قانون وزارة الشؤون الاجتماعية حيث أسست بموجبه أول وزارة للشؤون الاجتماعية كان من صلاحياتها الإشراف على العمل التطوعي وتنظيمه، وهكذا عملت الوزارة على تحديد أقسامها بشكل يتماشى مع الخدمات التي تقدمها الجمعيات فأنشأت قسما خاصا للنشاط الأهلي، وأسندت إليه مسؤولية تنظيم جهود الجمعيات ووضع الأنظمة والقوانين اللازمة، هكذا بدأ العمل الاجتماعي يأخذ بعدا تنظيميا بإشراف حكومي من خلال علاقته بالوزارة ومن هذه الجمعيات جمعية الشابات المسيحيات العام 1950.
نشأت هذه الجمعية نتيجة لجهود اللاجئين الفلسطينيين الذين حضروا من عكا والقدس وقد وضع نظام هذه الجمعية بناء على النظام الأساسي لجمعية الشابات المسيحيات العالمية تليها جمعية الهلال الأحمر العام 1951 وأخيرا اتحاد المرأة العربية الذي تم تأسيسه في العام 1954 برئاسة المحامية «إملي بشارات» وكان لهذا الاتحاد دور مهم في توعية المرأة سياسيا، وقدم العديد من المذكرات إلى رئيس الوزراء مطالبا بمنح المرأة حقوقها السياسية، وقد أعد مجلس الوزراء في العام 1955 مشروع قانون للانتخاب يعطي للمرأة المتعلمة حق الانتخاب وليس حق الترشيح وقد شمل هذا الاتحاد عدد كبيرا من سيدات المجتمع الأردني.
أما المرحلة الثالثة من «1967 وحتى 1981» فقد شهدت مرحلة الانفصال عن الفكرة التطوعية الخيرية ويمكن القول إن هذه المرحلة شهدت نضجا في العمل حيث أخذت النشاطات بعدا جديدا اتسم بالتنمية وبخاصة بعد عدوان 1967 وما لحق بالأمة من خسائر ونزوح العديد من الفلسطينيين إلى الدول القريبة وخاصة الأردن، ولقد شهد الأردن نضالا سياسيا علنيا نتيجة لارتباطه المباشر بالنضال الفلسطيني وكان للمرأة فيه دور مميز، وفي العام 1970 أسست جمعية النساء العربيات وكانت أهدافها مكافحة الأمية بين النساء ورفع مستوى المرأة ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا وفتح مراكز تأهيل للنساء.
التجمع النسائي الأردني
وفي العام 1974 ألقت مجموعة من السيدات الرائدات اللواتي عرفن العمل النسائي التطوعي من قبل وذلك في إطار التحضير للاحتفال بعام المرأة الدولي المعلن عنه من هيئة الأمم المتحدة العام 1975 وتم تشكيل لجنة تحضيرية لهذا الغرض باسم «التجمع النسائي الوطني في الأردن» الذي حل العام 1957.
وهكذا تم الإعلان عن تأسيسه في 17 نوفمبر العام 1974 كنتظيم شعبي تعرف به رسميا من قبل وزارة الداخلية، وفازت المحامية «إملي بشارات» برئاسة الاتحاد وكان من المفترض أن يعمل هذا الاتحاد على تجميع وتنظيم العمل النسائي، كما كان يتوقع منه أن يمثل الأردن على المستويين القومي والعربي.
أما المرحلة الأخيرة وهي من العام 1981 حتى وقتنا الحاضر فقد شهدت هذه المرحلة بدايات البحث في الشؤون النسوية في ظل وجود تنظيمات وطنية بأشكال مختلفة واتسمت هذه المرحلة بعدة خصائص ساعدت في تقدم تلك التنظيمات للأمام وبوجود بعض العقبات التي عرقلت الإنجازات بل وأعادت بعضها للوراء.
ولقد مثلت هذه المرحلة في بدايتها انفصال الجمعيات النسائية الخيرية الأردنية عن مثيلاتها الفلسطينية، وشهدت هذه المرحلة بدايات التجربة الديمقراطية بكل انعكاساتها على صعيد المطالبة بالمساواة واحترام الرأي والرأي الآخر هذا على المستوى الوطني.
شخصية متجددة
وفي هذه المرحلة ظهرت «توجان الفيصل» نجمة انتخابات الأردن العام 1993 فهي من عائلة شركسية معروفة في مجالات القانون والثقافة والانفتاح، ولا شك أنها تأثرت بهذا المناخ المتحرر ما أعطاها الثقة بالنفس والتطلع إلى ما هو حق ومنطق وعدل، والشركس كما نعلم شعب قوقازي محارب عنيد تواطأ عليه العثمانيون والروس لحمله على الهجرة إلى الأردن والبلاد العربية فسكنوا فيها وأصبحوا من أهلها.
تزوجت توجان من زميل لها في الجامعة وهو طبيب نساء من مواليد القدس من قضاء نابلس لها منه 3 أولاد ونالت الماجستير في الأدب الإنكليزي ثم أدخلت عليه الإعلام كونها تحب الإعلام وتخصصت في علمه، ومما يلفت أن توجان منذ يفاعتها كانت تبدو عليها أعراض التمرد وكانت ترفض الانصياع إلى القوانين: إذا لم تفهمها أو تكون غير مقتنعة بها.
لكنها كانت متفوقة في دراستها، ناجحة في مجالات عدة وخصوصا في الرسم والتمثيل وكتابة المسرحيات وإخراجها «ولم ترسب إلا في مادة الرياضيات وهي ظاهرة تكاد تكون عامة عند متذوقي الأدب والفن.
تخصصت جامعيا في الأدب الإنكليزي لأنها منذ البداية كانت تحب الأدب وتكتب القصة القصيرة والشعر إلى أن أخذتها السياسة إلى مناخات أخرى.
حين تخرجت في العام 1971 بشهادة بكالوريوس، وسلمها الشهادة الملك حسين - رحمه الله - وشجعها والدها المحب للعلم، على السفر لمتابعة دراستها العليا في الخارج، ولكنها بمحض الصدفة، تقدمت إلى مسابقة لمذيعات التلفزيون ففازت والتحقت بعملها فيه كمقدمة برامج، وكان أولها «في المكتبة» لأنها أساسا كانت مولعة بالمطالعة والكتب.
عملها التلفزيوني جعلها على تماس أكثر مع الناس، فحملت الكاميرا ونزلت إلى الشارع للتعايش مع مشاكل الناس عن كثب، وبدأت رحلتها في عالم السياسة.