إشراقات النقد 3 / رواية المرأة الكويتية... أفق متعددة من المحلية إلى العالمية (3)

تصغير
تكبير
|سعاد العنزي|
بنفس هذا الهم تنطلق رواية «ارتطام لم يسمع له دوي» لبثينة العيسى، التي عالجت قضايا حداثية وإشكاليات معاصرة، هي مدار انشغال المفكرين ومثقفي العالم في اطروحاتهم ونظرياتهم الفكرية والمعرفية، هل العالم يسير وفق اتفاق أم اختلاف؟ هل نحن أمام اصطدام أم انسجام، الأنا العربية، ومشددة على الأنا الكويتية، والهوية الكويتية، وحب الوطن، وحمل همه ووضع الساردة لحب الوطن بقلبها وهي في السويد، تواجه أنات مؤلمة، وضربات مدوية في قلبها، عندما اكتشفت ذاتها وذوات عربية أخرى، فاقدة لكثير من القوة المعرفية والتقدم المعلوماتي، بسبب انعدام الرؤية التربوية والتعليمية، في غالبية الأنظمة العربية، من هنا تتضح رؤية الروائية في عملها الروائي في كشف الوضعية العربية أمام الآخر الغربي بحس فني عال، وبأحداث تخيلية، فيها رمزية و إسقاطات، تعالج الراهن ليس من خلال المباشرة، بل من خلال نسيج فني يرقى عن الرؤية الأيديولوجية السافرة.
وهذا ما فعله الروائي أحمد إبراهيم الفقيه في روايته: «سأهبك مدينة أخرى» في تصوير شخصية بطله خليل العالم وهو : «يعاني أزمة الاغتراب في ذاته، .. وهو يقارن بين مكونات عالمه العربي في أطره المختلفة ومنظومة علاقاته المتعددة ، وبشبكة رؤاه ، وبين العالم الغربي المنفتح على مختلف الأطياف دون كبت أو عقد، أو خوف أو شعور بالنقص».
وهو نفسه ما قامت به فوزية شويش السالم من طواف وتجوال حول العالم كله، لتبرز العديد من القضايا الحضارية الإشكالية، مثل صورة الأنا العربية لدى الآخر، وصورة الآخر لدينا نحن العرب، مثل تعليق الساردة حول رأي العم جورجي عن الكويت:
«حين أدرك أننا من الكويت سألنا ماذا تكون الكويت هذه التي كادت أن تقيم حربا عالمية ثالثة؟
كلمناه كثيرا عنها لكنه لم يقتنع.
أحضر خريطة وأشار لضآلة حجمها بسخرية خفية».
وبعد هذا العرض لأهم الأماكن التي حلقت بها مدارات الحكاية، ألا يحق لنا التساؤل عن قضية مهمة، وهي إشكالية الهوية الكويتية في رواية المرأة الكويتية، من خلال عنصر المكان والبيئة الكويتية ، فهي برزت في بعض من النصوص الروائية بقوة مثل رواية «العصعص» لليلى العثمان، و «خذها لا أريدها»، ورواية «ليلة الجنون» لمنى الشافعي، ورواية « هيفاء تعترف لكم» لخولة القزويني، وملامح الفتاة الكويتية في رواية «ورود ملونة» لعلياء الكاظمي، مع اختفاء ملامح المكان الكويتي والشخصية الكويتية في رواية «عقيدة رقص»، و غياب الهوية العربية بأجمعها من رواية «المرآة مسيرة الشمس» لهديل الحساوي، مما يجعلنا نتساءل عن أمر مهم: ما هي شرائح المجتمع الكويتي، وهل عبرت الروايات عن هموم الشعب الكويتي بصورته وتشكلاته الحالية، هل مشاكل مثل الطلاق والعنوسة، والفقر والبدون، وتقسيمات المجتمع، والطفرة الاقتصادية، والنهضة العمرانية، ظهرت مع النصوص، أم كانت تحاكي طبقة واحدة من الشعب الكويتي، وفئة معينة مع تناسي بقية الفئات، من العرض السابق يتضح ان الروايات تحتاج نظرة أعمق لهموم المواطن الكويتي، وفكره ورؤاه المستقبلية، مع التأكيد على ان ثمة رصداً لبعض الإشكاليات في الروايات- موضع الدراسة- مثلما حدث في قضية البدون في رواية «ارتطام لم يسمع له دوي» لبثينة العيسى. وقضايا الطلاق والتفكك الأسري في رواية «ورود ملونة» لعلياء الكاظمي. وإنه لابد من الالتفات إلى شرائح أخرى في المجتمع لم يتم التطرق إليها، كالفقر، والإعاقة، والقروض، ومظاهر البذخ والترف.
هذا الأمر الذي يفسره د.صلاح صالح، على حسب وجهة نظره إنه يعود إلى:
1 - ضيق الرقعة الجغرافية.
2 - فقر الكويت بالتنوع الجغرافي والطبيعي.
3 - التبرم اللاشعوري بالمكان الصعب.
وهل هذه الأسباب تنطبق على واقع المتون الروائية، وهل جمال الطبيعة في لبنان وسورية، منع الأدباء في تلك المناطق من السفر إلى أميركا ، فشكلوا بذلك «أدب المهجر»؟
وهل منع جمال الطبيعة في سورية الروائي حيدر حيدر من اختيار الجزائر والعراق، أماكن لمدار الحكاية في رواية «وليمة لأعشاب البحر»، ليتماس مع جرح المثقفين العرب الذين التهمتهم نيران الفكر الاشتراكي؟!
الباحثة ترى ان الأمر يعود إلى العديد من الأمور، التي تعكس سعة ومرونة الأفق الروائي الكويتي، الذي لا يقيد نفسه في دائرة المحلية، والحدود الجغرافية.
كما يعود إلى اشتغال المثقف الكويتي، والروائي بوصفه واحدا من المثقفين الكويتيين، بهموم القومية العربية، وصوغهم لمعاناة شعوبهم من دون الالتفات إلى قضية المكان، والهوية والطائفية.
والأمر الآخر يرتكز على أمرين ، الأول: هو أمر قديم متعلق بشخصية الكويتي، الذي يعشق السفر والترحال، ومن الطبيعي أن تختزن صور هذه الرحلات في المخيال الشفاهي، والكتابي أيضا، بالإضافة إلى اننا ونحن نعيش في زمن العولمة، وعالم أصبح قرية كونية واحدة، لا بد أن ترصد الرواية لهذه المرحلة التي تدل على الانفتاح وتعدد الرؤى.
كذلك يجب القول إنه ثمة نقص بوعي الروائيات الكويتيات بقضية الهوية، في زخم القراءة والاطلاع على منابر الفكر العالمي.
وكل ما في القضية اننا نطمح انه عندما تخترق الرواية هذه العوالم الغربية والعربية، أن تضع هوية الكويت وقيم المواطنة زوادة لها في طريق تشكل الرؤية الروائية.
وهذا الأمر ليس حكرا على رواية المرأة الكويتية، بل يتعدى إلى مستوى الرواية في الوطن العربي، هذه القضية من بين من طرحها، سيد بحراوي في بحثه: «خصوصية الرواية العربية» في مهرجان العجيلي الثاني، فهي بوجهة نظره:
* كاتبة وناقدة كويتية
[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي