من وحي الشارع / مسرحية «خا لو كلونيا»

تصغير
تكبير
|ثريا البقصمي|
طالما راودتني أمنية، في أن يمنح ركاب الطائرات إلى جانب تعليمات الأمن والسلامة إرشادات تضمن راحة الركاب وسلامة أعصابهم، وممكن أن تندرج تحت مسمى «اتكيت السفر»، مثل أن يكف الركاب عن الثرثرة بصوت عال، ويراعون النظافة في ملابسهم واستحمامهم، لكي لا يوزعوا عفونتهم هدايا تذكارية على المسافرين، ويمنع منعاً باتاً ركل المقاعد والسعال في وجه الراكب المجاور، ولثقيلي الوزن وفائضي الشحم ألا يلقوا بوزنهم الزائد على الراكب الجار لتطحن ضلوعه وتكتم أنفاسه.
وفي حال السفر ليلاً، مراعاة عدم الإزعاج، لأن محاولة النوم في مقعد ضيق، يابس كعظام الجمل، يعتبر قمة العذاب.
وفي إحدى الرحلات الليلية للطائرة البريطانية الآتية من لندن والمحملة بطيور الصيف المهاجرة العائدة لأرض الوطن، عاش ركابها فصول مسرحية حيّة أبطالها عائلة مكونة من ثمانية أفراد، بدأ الفصل الأول عندما اكتشفوا أن مقاعدهم غير متجاورة، فانطلقت صيحات الاحتجاج وبدأتها «الماما» المعضلة، العريضة، المتعافية، وهي تضع يدها في خصرها مهددة:
- لن أجلس قبل أن أحل هذه المشكلة.
أشارت الى الراكب الذي بجانبها وهو بريطاني:
- كيف سأتفاهم مع هذا «العنجليزي» إذا أردت الذهاب للحمام؟!
المضيفة البريطانية كان لها دور في هذه المسرحية، فقد طلبت من الأم الجلوس لأن الطائرة في حال إقلاع، وقدمت طلباً للراكب «العنجليزي» بتبديل مقعده لهدف لم شمل العائلة المنكوبة، لكنه رفض بعد أن ركبه عناد تيس اسكتلندي، بحجة أنه حجز هذا الكرسي «اللقطة» قبل شهر عبر الإنترنت.
المسرحية استمرت في تصاعدها الدرامي عندما بدأ «صبيان» العائلة في مناداة زعيمهم والملقب بـ «خالو» ليحاصروه بطلباتهم الملّحة، واختلطت أصواتهم المتنافرة على طول وعرض الطائرة، ووصلات النداء كانت كالتالي: «خالو» عندك كلونيا، «خالو» جوعان عندك كاكاو، «خالو» عطشان.
الزعيم «خالو» كاد أن يدوس الركاب وهو يبحث عن حقيبته اليدوية ليخمد ثورة اليهال، ويحقق مطالبهم.
والفصل الثاني من المسرحية رفع ستارها الساعة الثالثة صباحاً والكل يغط في سبات عميق، عندما ارتفع صراخ الأم التي وقفت على طولها وهي تخاطب الركاب النائمين:
- «أبي أصلي» اشلون أصلي، وين القبلة؟
أحد الركاب أجابها وهو نصف نائم:
- يا حجية الحين مو وقت صلاة، طيرتي النوم من عيني.
الخال الذي استيقظ كباقي الركاب، سحب من حقيبته كيس بطاطس «شيبسي» من الحجم العائلي، وأخذ يقرمشه، وقدم دعوة لبقية أفراد العائلة ليشاركوه وليمته، وكان بدوره يصرخ ليصل صوته لعائلته المطشرة «يا يهال منو يبي شيبسي، تبون كاكاو؟!.
الركاب المجاورون للخال من شدة القهر دخلوا في حال ضحك هستيرية حتى دمعت عيونهم، والخال بادرهم بسؤال إنساني:
- «ليش تبكون عسى ما شر»؟
الفصل الثالث للمسرحية بدأ عندما طلب الخال فنجان شاي ساخن، لكنه لم يشربه! لأن ابن الأخت «الحواس» والذي يجلس خلفه مباشرةً، لكز المضيفة في ذراعها فطارت الصينية والشاي الساخن انسكب على صلعة الخال، الذي أخذ «يعاوي» من الصدمة، ورغم أنه ابتل وغرق في الشاي، إلاّ أنه لأسباب مجهولة قرر نزع حذائه ومن ثم جواربه، ليمنح الراكب المجاور له مساحة من العفونة، والذي بدوره خاطبه بأدب جم:
- «خالو عندك كلونيا»؟...
* كاتبة وفنانة تشكيلية
g_gallery1@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي