تقرير / كُتَّابٌ ووزراء ينضمون الى جوقة المتطرفين

حملة عداء على أعلى مستوى للإسلام والمسلمين في بريطانيا

تصغير
تكبير
|لندن - من إلياس نصرالله|
تتجمع في سماء الدول الأوروبية غيوم قاتمة تنذر بحملة جديدة معادية للإسلام والمسلمين من الصعب فهم دوافعها ومراميها ولا يمكن بأي حال من الأحوال مهما كان الإنسان موضوعياً إلا أن يصفها بأنها حملة جاهلية مريضة وحاقدة تنطوي على تعصب أعمى، إذ كيف يمكن إعطاء تفسير مغاير لخروج الروائي الإنكليزي سباستيان فولكس بتصريحاته الأخيرة التي اتهم فيها القرآن الكريم بأنه كتاب «غير أخلاقي»، و«مثير للكآبة» و«أحادي النظرة» و«خالٍ من أي خطة جديدة للحياة».
لم يطلق فولكس، الذي اشتهر بمجموعة روايات تاريخية حققت مبيعات واسعة، هذه التصريحات في غرفة جانبية أو في جلسة مع أصدقائه، بل أطلقها من خلال إحدى أوسع وسائل الإعلام انتشاراً ورصانة في العالم وهي صحيفة «صنداي تايمز» الأحد الماضي، خلال لقاء خاص لمناسبة صدور روايته الجديدة «أسبوع في ديسمبر»، التي من المقرر أن تنزل إلى الأسواق في مطلع سبتمبر المقبل والتي من المتوقع أن تحقق مبيعات عالية جداً، مثل رواياته السابقة التي وضعته في مصاف الكتاب الأكثر شعبية وشهرة في بريطانيا والدول الأخرى الناطقة باللغة الإنكليزية. وسمحت الصحيفة لنفسها بنشر تصريحات فولكس وأفكاره المسيئة للإسلام والمسلمين، رغم أنها أشارت إلى أن «انتقاد القرآن يعتبر كفراً من جانب المسلمين».

ويبدو واضحاً للعيان، أن فولكس بنى رؤيته حول الإسلام والقرآن من خلال النظر للديانة الإسلامية من منظار النشاطات الإرهابية الأصولية التي اجتاحت العالم في العقدين الأخيرين. ففولكس يأخذ مليار و200 مليون مسلم مسالم في العالم بجريرة حفنة من الإرهابيين، ويُرجع سبب لجوء هذه الحفنة القليلة من الناس إلى الإرهاب إلى القرآن الكريم وتعاليم الديانة الإسلامية السمحة، من دون أن ينتبه إلى أن مئات الملايين من المسلمين المسالمين والذين يمقتون الإرهاب يتبعون التعاليم نفسها من دون الوقوع في فخ الإرهاب، متجاهلاً حقيقة أنه لو صحت تقديراته لكان في العالم ليس حفنة قليلة من الإرهابيين الأصوليين فقط، بل مليار و200 مليون إرهابي.
ووفقاً لـ «صنداي تايمز»، تدور رواية «أسبوع في ديسمبر» حول لندن في العصر الحديث، والشخصيات الرئيسية في الرواية هم مدير صندوق للرعاية الصحية، وناقد أدبي، وإرهابي أصولي مولود في غلاسكو. وأبلغ فولكس الصحيفة أنه خلال البحث الذي أجراه حول الخلفية الشخصية للإرهابي الأصولي، وجد أن القرآن الكريم «مخيب للأمل من الناحية الأدبية». فمن غير المعقول أن يخرج كاتب من وزن فولكس بمثل هذه التصريحات من دون أن يأخذ في الاعتبار الجو العام الذي تمر به بريطانيا والدول الغربية عامة، حيث تجري في الشارع حملة معادية للإسلام والمسلمين تسببت في صدامات دموية محدودة حتى الآن وقد تتسبب بصدامات دموية أوسع في المستقبل. ولا يمكن بأي شكل من الأشكال لفولكس أو غيره أو حتى لوسائل الإعلام الاختباء خلف حرية التعبير عن الرأي عندما تسمح لنفسها في مثل هذه الأجواء بنشر مثل هذه التصريحات.
وتزامنت تصريحات فولكس مع إصدار وزارة الداخلية البريطانية أمراً عاجلاً السبت الماضي، يُمنع بموجبه منعاً باتاً إجراء مسيرات احتجاج على معارضة المسلمين في لوتون شمال لندن للحرب في أفغانستان والعراق وتضامناً مع الجنود البريطانيين في أفغانستان كان من المقرر أن تقوم بها في المدينة روابط الدفاع الوطني المتعصبة عرقياً في بريطانيا ضد الأقليات الأجنبية، خوفاً من وقوع صدامات بين المتظاهرين البيض وسكان لوتون من المسلمين الذين يشكلون نسبة كبيرة من مواطني المدينة. وكانت مدينة برمنغهام شهدت صدامات دموية على الخلفية نفسها خلال أغسطس الجاري، برز فيها وقوف عدد من الحركات اليسارية المعادية للتطرف دفاعاً عن المسلمين واشتباك أعضائها بالأيدي مع المتطرفين، وتدخلت الشرطة واستعملت القوة لفرض النظام في المدينة واعتقلت ما لا يقل عن 35 متظاهراً ومواطناً ممن شاركوا في الاشتباكات التي شلت الحركة في وسط المدينة. ووفقاً لوسائل الإعلام تقدمت فروع رابطة الدفاع الوطني بطلبات للشرطة لإجراء مسيرات شبيهة في مدن بريطانية أخرى حيث توجد تجمعات سكانية عرقية مختلفة وجاليات إسلامية كبيرة، لكن الشرطة لم توافق على طلبات فروع الرابطة.
وسلطت وسائل الإعلام الضوء على التحرك الذي يقوم به المتعصبون الإنكليز، حيث يتضح أنهم ليسوا، كما حاول البعض تصويرهم، كمجموعة من الرعاع الذين تعجّ بهم ملاعب كرة القدم، بل هم «مجموعة من الإنكليز ذوي خلفيات اجتماعية مختلفة تضم رجالاً ونساء ورجال أعمال إلى جانب الرعاع».
فمن غير المعقول ألا ينتبه فولكس إلى أن تصريحاته تتزامن مع ظهور حركة جديدة إنكليزية متطرفة تحمل اسم «اتحاد غير المنظمين» أعلن قائدها أن الهدف من إطلاقها «الدفاع عن روح بريطانيا ضد التطرف الإسلامي وضد العدو الداخلي»، فأفكاره حول الإسلام هي غذاء روحي وفكري لا مثيل له بالنسبة لهؤلاء المتطرفين. والمؤسف أنه يُنظر إلى ظهور الحركة الجديدة بقلق في الأوساط السياسية، ليس لأنها تتبنى مواقف سياسية تقوم على العداء إلى الإسلام والمسلمين، بل لأنها تستهدف بالأساس جمهور محبي كرة القدم في بريطانيا، أي اللعبة التي تحظى بشعبية واسعة منقطعة النظير. فاجتذاب قطاع كبير من جمهور مشجعي كرة القدم إلى هذه الحركة يعني ظهور حزب سياسي جديد وإضعاف قوة الأحزاب السياسية الأخرى. فالخوف من هذه الحركة وشبيهاتها ناتج عن مصلحة حزبية ضيقة ولا علاقة لها بالعداء للأديان والأعراق الأخرى.
فكاتب مثل فولكس لا يقدر أن يدفن رأسه في الرمال ويتحدث عن الإسلام والقرآن الكريم بهذه اللهجة من دون أن يرى ما يدور حوله. فالتظاهرات والصدامات والاعتداءات على المسلمين في بريطانيا مسألة تكاد تكون شبه يومية والتقارير حولها تملأ وسائل الإعلام. ففي الأسبوع الماضي فقط أثار وزير الدولة البريطاني للشؤون الزراعية جيم فيتزباتريك، ضجة واسعة عندما خرج غاضباً وفي شكل تظاهري مثير للانتباه من حفل زفاف دعي إليه مع زوجته في دائرته الانتخابية لدى عائلة مسلمة في أحد أحياء شرق لندن، لا لسبب سوى أنه اكتشف أن الرجال لا يجلسون مع النساء في الحفل. فقامت القيامة في حفل الزفاف وتراكض ذوو العريس والعروس وغيرهم من المدعوين لتطييب خاطر الوزير، لكنهم فشلوا في تهدئة ثورة غضبه. وأصرّ فيتزباتريك على مغادرة المكان والإدلاء لاحقاً بتصريحات لوسائل الإعلام، أعلن فيها مقته للتقاليد الإسلامية التي يجري بموجبها الفصل بين الرجال والنساء. فيحق لنا أن نتساءل: إن كان «ربّ البيت» الوزير يتصرف بهذا الشكل، فكيف إذا سيكون تصرُّف الرعاع؟
ووزير الزراعة ليس أول وزير يتصرف بهذا الشكل، فقبله أثار وزير العدل جاك سترو ضجة أوسع قبل بضعة أشهر عندما رفض استقبال مواطنة في دائرته الانتخابية لأنها كانت تضع النقاب، وأصرّ على ضرورة نزعه كشرط أساسي لاستقبالها، ضارباً عرض الحائط بالقانون الذي يُلزمه استقبال الناخبين في دائرته والاستماع لشكواهم من دون تمييز على أساس الجنس أو العرق أو الدين.
ولفت الانتباه تعليق تيم آرشر، ممثل حزب المحافظين المعارض الذي ينافس فيتزباتريك على مقعد الدائرة ذاتها في منطقة «تاوار هاملتس» التي تشتهر بجمهورها المتطرف المعادي للجاليات الأجنبية والتي نجحت فيها رابطة الدفاع البريطانية المتطرفة في إيصال ممثل عنها للمجلس البلدي للدائرة، إذ لم ينتقد مضمون تصرف الوزير المعادي للإسلام، لكنه قال «لست قادراً على ضبط نفسي ومضطراً للقول ان فيتزباتريك يلعب بالتأكيد على ورقة التفرقة العرقية ليحمي نفسه في الانتخابات المقبلة. أعتقد أن هذه استراتيجية يائسة». فالهم الأساسي بالنسبة للمنافس المحافظ هو الحصول على الأصوات، وليس خطورة التصرف الذي قام به الوزير.
من المؤكد أن كُتاباً مثل فولكس ووزراء مثل فيتزباتريك وسترو ينسفون بأقوالهم وتصرفاتهم كل المحاولات التي تتظاهر الحكومة في القيام بها لمحاربة التطرف في المجتمع البريطاني والعمل على زيادة التسامح بين فئاته وتماسكه كوسيلة ناجعة لمكافحة الإرهاب الذي خبرته بريطانيا جيداً ومازال خطره يتهددها بشدة وفقاً لتقارير خبراء الأجهزة الأمنية. ويبدو أنه لا مناص أمام الشعوب والدول الإسلامية إلا أن تتوجه بالاحتجاج على هذه التصرفات في شكل رسمي، قبل أن يستفحل الأمر.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي