أشهر التصفيات... والاغتيالات السياسية
بينظير بوتو... ضحية الطموح / 5
قبل الاغتيال بلحظات
اغتيلت وسط أنصارها
تدعو الله
بينظير بوتو
|القاهرة - من حنان عبدالهادي|
تعتبر الاغتيالات السياسية وتصفية الخصوم جسديا قاسما مشتركا بين العرب والغرب - على حد سواء - منذ قرون طويلة وحتى الآن، وكانت تلك العمليات «الإرهابية»، ـ ولاتزال ـ تستهدف شخصيات بارزة ونافذة ورفيعة المستوى، ويمثل إقصاؤها فائدة كبرى لمن يخططون لتصفيتهم، تتمثل في إخفاء أسرار مهمة، أو إفساح الطريق للقفز إلى طموحات لا تتحقق ببقائهم على قيد الحياة.
وعبر التاريخ القديم والمعاصر... شملت عمليات التصفية الجسدية «ملوكا وحكاما ورؤساء حكومات وسياسيين نافذين وناشطين وفلاسفة»، ولأنه يتم التخطيط بعناية ودقة قبل تنفيذها... فإنها تبقى غالبا محاطة بالغموض، كما يبقى الفاعل الرئيسي مجهولا.
وبتعاقب السنين... تتطور عمليات الاغتيالات السياسية، فقديما كانت تتم عن طريق دس السم في الأكل والشرب، أو دفع الضحية من مكان شاهق، أو هدم حائط عليه أثناء نومه... ثم تطورت بعد ذلك بغرض عدم ترك أي دلائل تكشف القاتل، فأصبح كاتم الصوت وتفخيخ السيارات أو المكاتب أو تلغيم الظروف البريدية، وسائل مضمونة للتخلص من الخصوم والمنافسين، مع عدم ترك ما يعتبر أدلة كاشفة للجاني.
وتستعرض «الراي» خلال 15 حلقة... جانبا من أشهر التصفيات والاغتيالات الجسدية سواء في البلدان العربية أو خارجها، ونلقي الضوء على ضحايا تلك العمليات، وملابساتها وتفاصيلها الدقيقة... من خلال روايات شهود عيان والعودة إلى مواقع إلكترونية اهتمت بالشخصيات والعمليات، ومن خلال السير الذاتية لهؤلاء، وكتب اهتمت بهذه النوعية من القضايا.
وقد شغل موضوع الاغتيال السياسي والتصفيات الجسدية تفكير العديد من الباحثين والمفكرين على مر العصور، حيث تحدث عنه علماء الاجتماع والنفس والسياسة ورجال الدين، ووضعوا فيه كثيرا من الكتب التي تعد مراجع في هذا الموضوع.
ويبقى السؤال الأهم: هل يحل الاغتيال السياسي المشاكل السياسية أو يغير الواقع السياسي أو يحقق الاستقرار والهدوء؟ غالبا: «لا».
تعتبر بينظير بوتو... أشهر من تمت تصفيتهم جسديا في السنوات الأخيرة، فقد دفعت حياتها ثمنا لطموحاتها السياسية والتي كانت تصل إلى حد قيادة باكستان.
كانت «بينظير بوتو» - هذه السياسية الباكستانية المعروفة. ترى نفسها وريثة أبيها في السياسة وقيادة حزب الشعب. كانت تريد حكم باكستان، وتدرك أن الطريق إلى ذلك العمل السياسي، وليس العمل المسلح، وتولت قيادة حزب الشعب الباكستاني كزعيمة للمعارضة.
ولدت «بينظير ذوالفقار علي بوتو» العام 1953 في مدينة «كراتشي» بباكستان لعائلة سياسية شهيرة فهي سياسية باكستانية، وابنة سياسي، هو رئيس باكستان السابق «ذو الفقار علي بوتو».
نشأة سياسية
و«بينظير» - بحسب ما جاء في كتاب «اغتيال بنازير بوتو» للكاتبة المصرية نوال مصطفى - كانت الابنة الكبرى لأربعة أبناء لـ «ذو الفقار» من زوجته الثانية «نصرت أصفهاني»، «نصرت بوتو»، الإيرانية من أصل كردي من المذهب الشيعي الإسماعيلي، ونشأت «بينظير» في أسرة سياسية عريقة، فجدها السير «شاه نواز بوتو»، والذي يعتبر شخصية سياسية مشهورة في الهند البريطانية.
الجد «شاه نواز» تولى مناصب رفيعة في الحكومة البريطانية منها مساعد الحاكم الإنكليزي للهند ورئاسة وزراء إقليم «جوناغر» في الهند، وحصل على ألقاب عدة من الحكومة الاستعمارية في الهند منها «خان بهادر» و«السير»، وقد شكل حزبا سياسيا باسم «حزب الشعب السندي».
أما الأب «ذو الفقار علي بوتو» الذي كان يُسمى بين أصدقائه «ذولفي» اختصارا لاسمه، فقد سار على خطى أبيه، بعدما تخرج في كلية «بركلي» بكاليفورنيا وجامعة «أكسفورد» الشهيرة. عاد إلى كراتشي العام 1953،، وعمل بالمحاماة والتدريس لكنه كان يرى مستقبله مرتبطا بالسياسة، وأن الظروف مواتية له لقيادة باكستان آنذاك.
وبمساعدة أصدقاء والده «إسكندر مرزا» و«مين شهيد سهردي» كانت بداية مشاركته في السياسة في وزارة المعادن، ثم وزارة شؤون الأقليات، ثم وزارة التعمير الوطني، ثم وزارة شؤون كشمير في حكومة «إسكندر مرزا»، وتولى وزارة الخارجية في حكومة المشير «محمد أيوب خان»، ثم استقال من وزارة الشؤون الخارجية.
وفي العام 1967 دخل السياسة الباكستانية من أوسع أبوابها، وشكل حزب الشعب الباكستاني، وحصل على الأغلبية في أول انتخابات أُجريت في باكستان في العام 1971 . أما في العام 1977 أُجريت الانتخابات للمرة الثانية، وحصل حزب الشعب على الأغلبية، وشكل الحكومة وتولى «ذو الفقار» رئاستها لكنه اتهم بالتزوير، وحدث انقلاب عسكري بقيادة الجنرال «محمد ضياء الحق».
أما «بينظير بوتو» فقد نشأت وسط هذه الأحداث الساخنة ولما شبّت عن الطوق كانت ترى نفسها أحق الناس بالحكم والسلطة، وأنها وُلدت لتحكم وتقود.
كانت دراستها الإبتدائية والثانوية في مدينة «كراتشي» و«روالبندي» ومدينة «مري» في مدارس تبشيرية، ثم سافرت لأميركا لدراسة السياسة والاقتصاد في جامعتي هارفارد و«RADCLIFF»، وحصلت على شهادة البكالوريوس العام 1973 ثم انتقلت لبريطانيا، ودرست القانون الدولي والديبلوماسية في جامعة أكسفورد العام 1977، وأثناء هذه السنوات نفسها. درست في كلية «مارجريت هال» التابعة لجامعة أكسفورد - فلسفة السياسة.
ابنة القدر
بعد إكمالها الدراسة - بحسب ما ذكرت الكاتبة الصحافية المصرية نوال مصطفى - عادت لباكستان بعد فترة قصيرة من الانقلاب على أبيها، وتزوجت رجل أعمال وعضو البرلمان «آصف علي زارداري»، وأنجبت منه 3 أبناء، ثم اعتقلت وتم نفيها، وعادت مجددا العام 1986 - وقادت المعارضة ضد الأحكام العرفية.
تأثرت «بينظير» بوالدها «ذوالفقار»، وبالحياة الغربية التي عاشت فيها سنوات طويلة من عمرها، أفردت ذلك على صفحات كتاب ألفته العام 1989 عن حياتها الخاصة، والعامة وأسمته «ابنة القدر»، وأنها تعتبر نفسها من دعاة الديموقراطية وحقوق الإنسان، ونادت بدور فعال لمؤسسات المجتمع المدني، وعلى رأسها البرلمانات، ودعت لإصدار عفو عام، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.
كانت «بينظير» غير متحمسة لبعض التيارات السياسية داخل المجتمع الباكستاني، وبخاصة تلك التي لها توجهات إسلامية، ومؤيدة لحركة طالبان، كانت تنكر التوسع، والذي كان سائدا قبل مجيء الرئيس «برويز مشرف» بإنشاء المدارس الإسلامية، واعتبرتها محاضن. تساعد على انتشار الإرهاب، وأيدت تحالف الحكومة مع الولايات المتحدة لحرب الإرهاب.
عاشقة للسلطة
كانت بينظير تحب الحكم والسلطة لأبعد الحدود فالسلطة هي محور حياتها، فعلت الكثير للوصول إليها وهان كل شيء أمام هذا الهدف، إذا اقتضى التدين تظاهرت بالتدين، وإذا كان غير ذلك فعلته، فلا توجد ثوابت في حياتها بل هي كأمثالها من البرجماتيين، تابع للمصلحة، فلا خير محض ولا شر محض.
تحدثت بينظير لإذاعة «BBC» - بالأردو - العام 2003 قائلة: بالرغم من أنني تلقيت التربية السياسية العملية على يد والدي لكنني أدركت مدى قوة الشعب بعدما ذهبت لمؤسسات تعليمية مثل «أكسفورد وهارفارد»، ولم أكن أعرف شيئا عن قوة الشعب.
كانت دراسة «بينظير» قاصرة على القانون الدولي والسياسة والديبلوماسية، وتعلمت من الأب «ذوالفقار» السياسي المحنك، والذي كانت حكومته مستقلة لا يتحكم فيها الجيش، وكيف كان همه هو توفير الخبز واللباس والمسكن للفقراء والكادحين، واستحق أن يكون بطلا شعبيا ولقب بـ «قائد الشعب».
إعداد السلطة
سعى الأب لتربية ابنته تربية سياسية من البداية وحتى آخر لحظات حياته، وكان يعدها لتتولى قيادة حزب الشعب، وتولي الحكم بعده، ومن مظاهر هذا الاهتمام: «كان يصطحب ذو الفقار بينظير معه. في كثير من المحادثات الرسمية الحساسة والخطيرة مثل المحادثات التي جرت بين ذو الفقار الرئيس الباكستاني حينذاك. وبين أنديرا غاندي رئيسة وزراء الهند العام 1972 في شملا «SIMLA».
كما كلفها بأعمال خاصة في فترة حكمه عندما كانت تعود من لندن في فترة الأجازات، وتم تعيينها «موظف لأداء المهمات الخاصة» في وزارة الخارجية الباكستانية العام 1976 بغرض «تدريب هذه النحيلة - لقب أطلقه عليها والدها - وتحضيرها للسلطة».
عندما تم إسقاط حكومة ذو الفقار بانقلاب عسكري وألقي في السجن تمت محاكمته في قضية قتل بعض الشخصيات المهمة الذين قتلوا في فترة حكمه من قبل الحكومة.
في هذه الأثناء كان الأب يرسل إلى ابنته رسائل خاصة يوجهها فيها ويربيها على طريقته، وكتب في المعتقل كتابا أسماه «إن قُتلت». خاطب فيه ابنته خطابا خاصا، ووصفها بما لم يصف أحدا من أولاده، كان يُعلق عليها آمالا كبيرة، كان يعدها كوريثة له بعد إعدامه.
انقلاب
حصل الانقلاب العسكري ضد حكومة ذو الفقار العام 1977 بعد احتجاجات شديدة من قبل أحزاب المعارضة، وقاد الانقلاب الجنرال «محمد ضياء الحق»، الذي رقاه ذوالفقار من غير استحقاق ليتولى قيادة الجيش. وحوكم بتهمة قتل الناشطين السياسيين في فترة حكمه.
صدر الحكم بالإعدام ضد ذوالفقار وأقرت المحكمة العليا الحكم ونفذ فيه الحكم بالإعدام العام 1979 في سجن «روالبندي» المدينة التي أُغتيلت فيها «بينظير» لاحقا.
أما مواقف أسرة «بوتو» فكانت متباينة حيث أراد كل من: «ميرشاه نواز بوتو»، ومير مرتضى بوتو ابنا «ذوالفقار» أن ينتقما لقتل والدهما بعمل مسلح، فأنشآ عصابة مسلحة سُميت «آل ذوالفقار»، ساعدتها الحكومة الشيوعية في أفغانستان حينذاك وساعدتهما لأداء مهمتهما، بسبب تقارب فكر الجهتين ولأن «محمد ضياء الحق» كان يساعد الأحزاب الجهادية في المقاومة ضد التواجد السوفيتي في أفغانستان، وقد تمكنت تلك العصابة بمساعدة الجهات الأجنبية من إسقاط طائرة ضياء وقتل مع مجموعة كبيرة من قيادات الجيش الباكستاني العام 1988 .
أما موقف «بينظير بوتو» فكان مختلفا عن موقف أخويها فقد قطعت صلتها بهما، وكانت تعتبر نفسها وريثة أبيها في السياسة وقيادة حزب الشعب، مفضلة العمل السياسي، وليس العمل المسلح، وتولت قيادة حزب الشعب الباكستاني بالاشتراك مع والدتها «نصرت بوتو»، والتي تعرف عليها «ذوالفقار» في قصر الملك «رضا شاه بهلوي».
معارضة عائلية
عندما عاد أخوها «مير مرتضى بوتو» من المنفى - بحسب ما جاء في فقرات ضمن كتاب «أشهر التصفيات السياسية» للكاتب خالد عبداللاه - بعد مقتل «ضياء الحق» إلى باكستان العام 1993 أُنتخب عضوا في البرلمان الإقليمي لإقليم «السند»، وبدأ يعارضها في قيادة حزب الشعب ويثير لها بعض المشاكل، كما شكل «حزب الشعب الباكستاني - جناح الشهيد بوتو»، وكان يعتبر نفسه الأحق بقيادة حزب أبيه، وكان من أشد المعارضين لزوجها «آصف علي زرداري»، واتهمه بسرقة ووراثة أبيه في «حزب الشعب الباكستاني».
بسبب «مير» انقسمت أسرة «بوتو»، ولما زادت مشاكله قتل في كراتشي قرب قصر السفير، في مواجهة مع البوليس العام 1996، وأُتهم زوج بينظير بقتله، وبقي فترة طويلة في السجن بتلك التهمة، والتي أنكرها دائما.
التودد لأميركا
كان حزب الشعب الباكستاني أول ما نشأ يغلب عليه الميل للنظرية الشيوعية، وكان من قياداته شخصيات معروفة تدعو للشيوعية أمثال «شيخ رشيد» والمعروف بأبي الشيوعية، وكان الحزب يفضل النموذج الصيني للشيوعية، كان ذوالفقار نفسه يرى «ماوتسي تونح» نموذجا يحتذى به.
عندما تغيرت الظروف رأت «بينظير» أن النموذج الليبرالي الغربي هو الأدعى للقبول لدى أميركا والغرب فقد أدركت أن الوصول للسلطة في باكستان والاستمرار فيها يتوقف على رضا أميركا، فحولت قبلة الحزب وغيرت اتجاهه من الشيوعية إلى الليبرالية الغربية، ليقربها من هدف الوصول للسلطة.
عاشت «بينظير» في الخارج دائما، وكانت عودتها لباكستان لممارسة الحكم، فقد خرجت العام 1969 إلى بريطانيا وأميركا، وبقيت حتى العام 1977 - عادت في فترات حكم أبيها لتستمتع بالسلطة، كما تم اعتقالها قُبيل إعدام أبيها العام 1979 وبقيت في المعتقل حتى العام 1984 .
غادرت البلاد إلى بريطانيا، ومن هناك تولت قيادة حزب الشعب الباكستاني وعادت لباكستان العام 1986 لخوض الانتخابات، والتي كان المفترض أن يجريها الجنرال «محمد ضياء الحق» في تلك الفترة، واستقبلت استقبالا حافلا في مدينة «لاهور» حينذاك.
بقيت «بينظير» مرتبطة بالحكم سواء ببقائها في السلطة أو بكونها في قيادة المعارضة العام 1988، غادرت باكستان إلى الإمارات العربية المتحدة، وبقيت مع أولادها بين بريطانيا والإمارات، ولحق بها زوجها بعد ذلك.
حين اقترب موعد الانتخابات. بدأت أميركا والمجتمع الدولي يضغطان على الجنرال «مشرف» لإجراء الانتخابات في ضوء فقدانه شعبيته، في حين كان من مصلحة تلك الجهات أن يتولى السلطة شخص مخلص لهم، وفي الوقت نفسه يتمتع بقاعدة شعبية كبيرة، وهذا الشخص في نظر أميركا هي «بينظير».
انتهازية سياسية
أما عن الانتهازية السياسية - بحسب ما ذكر الكاتب خالد عبداللاه وذكرت أيضا الكاتبة المصرية نوال مصطفى - فقد غازلت «بينظير» السياسة الأميركية، وتحالفت مع الجنرال «مشرف»، ومواقفها دائما من القضايا المختلفة. كانت تابعة لمصلحتها السياسية أولا وأخيرا، يظهر ذلك في مواقفها الأخيرة، فـ «بينظير» شأنها شأن باقي الساسة الباكستانيين. يعتقدون أنه لا يمكن الوصول للحكم والاستمرار فيه إلا بموافقة ورضا أميركا، وكما قال بعض الساسة: من يكون معه ثلاثة سيحكم باكستان «الله وأميركا والجيش».
كان هم «بينظير» لفت نظر السياسة الأميركية لها واستمالتها، وإقناع أميركا بأنها قادرة على القيام بما تريده أميركا وأداؤه بشكل أحسن مما يقوم به الجنرال «مشرف».
أيدت «بينظير» أميركا - في حربها على ما تسميه إرهابا - وأنها تستطيع لعب دور مؤثر في ذلك، كما أيدت العملية العسكرية التي قام بها مشرف ضد مدرسة البنات - جامعة حفصة، «دلال مسجد»، ولم يؤيدها من الساسة الباكستانيين سوى اثنبن «بينظير»، و«ألطاف محمد» قائد الحركة القومية المتحدة، وحليف مشرف في الحكم.
كما وافقت على السماح للجيش الأميركي بإجراء عملياته داخل الأراضي الباكستانية، في حال توافر معلومات استخباراتية بوجود أسامة بن لادن في الأراضي الباكستانية، وقالت بإمكانية إعادة التحقيق في قضية الدكتور «عبدالقدير خان»، والمتهم ببيع أسرار متعلقة بالأسلحة النووية.
حلم لم يتحقق
وبحصولها على الرعاية الأميركية... دخلت بينظير في محادثات مع الجنرال مشرف لتصل بذلك للمشاركة في الحكم وبهذه المحادثات ضربت كل الوعود والاتفاقات التي وقعت عليها وتحظر التعاون العسكري. فقد رأت أن هذه المحادثات والتعاون مع الجيش يسهلان لها مهمة الوصول للحكم.
وقعت «بينظير» وثيقة الديموقراطية مع نواز شريف في اجتماع بينهما العام 2006، وقد قررا في الوثيقة إنهاء تدخل الجيش في السياسة، وعدم التعاون مع الحكومة العسكرية، وضرورة تعاون الحزبين لإعادة الديموقراطية. عن طريق العمل السياسي،، كما تنازلت عن أشياء كثيرة كانت تعتبرها - مبادئ وأصولا - مثل إعادة القضاء كما كان قبل تدخل الجنرال «مشرف»، وإعادة الدستور للحالة التي كان عليها قبل مجيء الجنرال مشرف للسلطة.
وفي 27 من ديسمبر العام 2007 وبعد خروج بينظير بوتو من مؤتمر انتخابي لمناصريها، وقفت لتحية الجماهير المحتشدة، من فتحة سقف سيارتها تم إطلاق النار عليها وقتلت بالرصاص في العنق والصدر، وتبع هذا تفجير انتحاري على بعد «25» مترا، وقد هز المنطقة التي كان يمر بها موكبها لمدينة «روالبندي».
في هذه الأثناء تم الإعلان أنها غادرت الموكب، ثم أعلن زوجها لمحطات محلية أنها أصيبت بجروح بالغة، وأضافت مصادر من حزبها: إنها تخضع لعملية جراحية عاجلة، ثم بعد «20» دقيقة أعلن عن وفاتها، وجاءت التقارير الأولية بإصابتها برصاصة في الرأس وأخرى بالعنق.
أما السلطات الرسمية الباكستانية، تحدثت أن سبب الوفاة ارتطام رأسها بسقف السيارة المصفحة التي كانت تقلها.
تعتبر الاغتيالات السياسية وتصفية الخصوم جسديا قاسما مشتركا بين العرب والغرب - على حد سواء - منذ قرون طويلة وحتى الآن، وكانت تلك العمليات «الإرهابية»، ـ ولاتزال ـ تستهدف شخصيات بارزة ونافذة ورفيعة المستوى، ويمثل إقصاؤها فائدة كبرى لمن يخططون لتصفيتهم، تتمثل في إخفاء أسرار مهمة، أو إفساح الطريق للقفز إلى طموحات لا تتحقق ببقائهم على قيد الحياة.
وعبر التاريخ القديم والمعاصر... شملت عمليات التصفية الجسدية «ملوكا وحكاما ورؤساء حكومات وسياسيين نافذين وناشطين وفلاسفة»، ولأنه يتم التخطيط بعناية ودقة قبل تنفيذها... فإنها تبقى غالبا محاطة بالغموض، كما يبقى الفاعل الرئيسي مجهولا.
وبتعاقب السنين... تتطور عمليات الاغتيالات السياسية، فقديما كانت تتم عن طريق دس السم في الأكل والشرب، أو دفع الضحية من مكان شاهق، أو هدم حائط عليه أثناء نومه... ثم تطورت بعد ذلك بغرض عدم ترك أي دلائل تكشف القاتل، فأصبح كاتم الصوت وتفخيخ السيارات أو المكاتب أو تلغيم الظروف البريدية، وسائل مضمونة للتخلص من الخصوم والمنافسين، مع عدم ترك ما يعتبر أدلة كاشفة للجاني.
وتستعرض «الراي» خلال 15 حلقة... جانبا من أشهر التصفيات والاغتيالات الجسدية سواء في البلدان العربية أو خارجها، ونلقي الضوء على ضحايا تلك العمليات، وملابساتها وتفاصيلها الدقيقة... من خلال روايات شهود عيان والعودة إلى مواقع إلكترونية اهتمت بالشخصيات والعمليات، ومن خلال السير الذاتية لهؤلاء، وكتب اهتمت بهذه النوعية من القضايا.
وقد شغل موضوع الاغتيال السياسي والتصفيات الجسدية تفكير العديد من الباحثين والمفكرين على مر العصور، حيث تحدث عنه علماء الاجتماع والنفس والسياسة ورجال الدين، ووضعوا فيه كثيرا من الكتب التي تعد مراجع في هذا الموضوع.
ويبقى السؤال الأهم: هل يحل الاغتيال السياسي المشاكل السياسية أو يغير الواقع السياسي أو يحقق الاستقرار والهدوء؟ غالبا: «لا».
تعتبر بينظير بوتو... أشهر من تمت تصفيتهم جسديا في السنوات الأخيرة، فقد دفعت حياتها ثمنا لطموحاتها السياسية والتي كانت تصل إلى حد قيادة باكستان.
كانت «بينظير بوتو» - هذه السياسية الباكستانية المعروفة. ترى نفسها وريثة أبيها في السياسة وقيادة حزب الشعب. كانت تريد حكم باكستان، وتدرك أن الطريق إلى ذلك العمل السياسي، وليس العمل المسلح، وتولت قيادة حزب الشعب الباكستاني كزعيمة للمعارضة.
ولدت «بينظير ذوالفقار علي بوتو» العام 1953 في مدينة «كراتشي» بباكستان لعائلة سياسية شهيرة فهي سياسية باكستانية، وابنة سياسي، هو رئيس باكستان السابق «ذو الفقار علي بوتو».
نشأة سياسية
و«بينظير» - بحسب ما جاء في كتاب «اغتيال بنازير بوتو» للكاتبة المصرية نوال مصطفى - كانت الابنة الكبرى لأربعة أبناء لـ «ذو الفقار» من زوجته الثانية «نصرت أصفهاني»، «نصرت بوتو»، الإيرانية من أصل كردي من المذهب الشيعي الإسماعيلي، ونشأت «بينظير» في أسرة سياسية عريقة، فجدها السير «شاه نواز بوتو»، والذي يعتبر شخصية سياسية مشهورة في الهند البريطانية.
الجد «شاه نواز» تولى مناصب رفيعة في الحكومة البريطانية منها مساعد الحاكم الإنكليزي للهند ورئاسة وزراء إقليم «جوناغر» في الهند، وحصل على ألقاب عدة من الحكومة الاستعمارية في الهند منها «خان بهادر» و«السير»، وقد شكل حزبا سياسيا باسم «حزب الشعب السندي».
أما الأب «ذو الفقار علي بوتو» الذي كان يُسمى بين أصدقائه «ذولفي» اختصارا لاسمه، فقد سار على خطى أبيه، بعدما تخرج في كلية «بركلي» بكاليفورنيا وجامعة «أكسفورد» الشهيرة. عاد إلى كراتشي العام 1953،، وعمل بالمحاماة والتدريس لكنه كان يرى مستقبله مرتبطا بالسياسة، وأن الظروف مواتية له لقيادة باكستان آنذاك.
وبمساعدة أصدقاء والده «إسكندر مرزا» و«مين شهيد سهردي» كانت بداية مشاركته في السياسة في وزارة المعادن، ثم وزارة شؤون الأقليات، ثم وزارة التعمير الوطني، ثم وزارة شؤون كشمير في حكومة «إسكندر مرزا»، وتولى وزارة الخارجية في حكومة المشير «محمد أيوب خان»، ثم استقال من وزارة الشؤون الخارجية.
وفي العام 1967 دخل السياسة الباكستانية من أوسع أبوابها، وشكل حزب الشعب الباكستاني، وحصل على الأغلبية في أول انتخابات أُجريت في باكستان في العام 1971 . أما في العام 1977 أُجريت الانتخابات للمرة الثانية، وحصل حزب الشعب على الأغلبية، وشكل الحكومة وتولى «ذو الفقار» رئاستها لكنه اتهم بالتزوير، وحدث انقلاب عسكري بقيادة الجنرال «محمد ضياء الحق».
أما «بينظير بوتو» فقد نشأت وسط هذه الأحداث الساخنة ولما شبّت عن الطوق كانت ترى نفسها أحق الناس بالحكم والسلطة، وأنها وُلدت لتحكم وتقود.
كانت دراستها الإبتدائية والثانوية في مدينة «كراتشي» و«روالبندي» ومدينة «مري» في مدارس تبشيرية، ثم سافرت لأميركا لدراسة السياسة والاقتصاد في جامعتي هارفارد و«RADCLIFF»، وحصلت على شهادة البكالوريوس العام 1973 ثم انتقلت لبريطانيا، ودرست القانون الدولي والديبلوماسية في جامعة أكسفورد العام 1977، وأثناء هذه السنوات نفسها. درست في كلية «مارجريت هال» التابعة لجامعة أكسفورد - فلسفة السياسة.
ابنة القدر
بعد إكمالها الدراسة - بحسب ما ذكرت الكاتبة الصحافية المصرية نوال مصطفى - عادت لباكستان بعد فترة قصيرة من الانقلاب على أبيها، وتزوجت رجل أعمال وعضو البرلمان «آصف علي زارداري»، وأنجبت منه 3 أبناء، ثم اعتقلت وتم نفيها، وعادت مجددا العام 1986 - وقادت المعارضة ضد الأحكام العرفية.
تأثرت «بينظير» بوالدها «ذوالفقار»، وبالحياة الغربية التي عاشت فيها سنوات طويلة من عمرها، أفردت ذلك على صفحات كتاب ألفته العام 1989 عن حياتها الخاصة، والعامة وأسمته «ابنة القدر»، وأنها تعتبر نفسها من دعاة الديموقراطية وحقوق الإنسان، ونادت بدور فعال لمؤسسات المجتمع المدني، وعلى رأسها البرلمانات، ودعت لإصدار عفو عام، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.
كانت «بينظير» غير متحمسة لبعض التيارات السياسية داخل المجتمع الباكستاني، وبخاصة تلك التي لها توجهات إسلامية، ومؤيدة لحركة طالبان، كانت تنكر التوسع، والذي كان سائدا قبل مجيء الرئيس «برويز مشرف» بإنشاء المدارس الإسلامية، واعتبرتها محاضن. تساعد على انتشار الإرهاب، وأيدت تحالف الحكومة مع الولايات المتحدة لحرب الإرهاب.
عاشقة للسلطة
كانت بينظير تحب الحكم والسلطة لأبعد الحدود فالسلطة هي محور حياتها، فعلت الكثير للوصول إليها وهان كل شيء أمام هذا الهدف، إذا اقتضى التدين تظاهرت بالتدين، وإذا كان غير ذلك فعلته، فلا توجد ثوابت في حياتها بل هي كأمثالها من البرجماتيين، تابع للمصلحة، فلا خير محض ولا شر محض.
تحدثت بينظير لإذاعة «BBC» - بالأردو - العام 2003 قائلة: بالرغم من أنني تلقيت التربية السياسية العملية على يد والدي لكنني أدركت مدى قوة الشعب بعدما ذهبت لمؤسسات تعليمية مثل «أكسفورد وهارفارد»، ولم أكن أعرف شيئا عن قوة الشعب.
كانت دراسة «بينظير» قاصرة على القانون الدولي والسياسة والديبلوماسية، وتعلمت من الأب «ذوالفقار» السياسي المحنك، والذي كانت حكومته مستقلة لا يتحكم فيها الجيش، وكيف كان همه هو توفير الخبز واللباس والمسكن للفقراء والكادحين، واستحق أن يكون بطلا شعبيا ولقب بـ «قائد الشعب».
إعداد السلطة
سعى الأب لتربية ابنته تربية سياسية من البداية وحتى آخر لحظات حياته، وكان يعدها لتتولى قيادة حزب الشعب، وتولي الحكم بعده، ومن مظاهر هذا الاهتمام: «كان يصطحب ذو الفقار بينظير معه. في كثير من المحادثات الرسمية الحساسة والخطيرة مثل المحادثات التي جرت بين ذو الفقار الرئيس الباكستاني حينذاك. وبين أنديرا غاندي رئيسة وزراء الهند العام 1972 في شملا «SIMLA».
كما كلفها بأعمال خاصة في فترة حكمه عندما كانت تعود من لندن في فترة الأجازات، وتم تعيينها «موظف لأداء المهمات الخاصة» في وزارة الخارجية الباكستانية العام 1976 بغرض «تدريب هذه النحيلة - لقب أطلقه عليها والدها - وتحضيرها للسلطة».
عندما تم إسقاط حكومة ذو الفقار بانقلاب عسكري وألقي في السجن تمت محاكمته في قضية قتل بعض الشخصيات المهمة الذين قتلوا في فترة حكمه من قبل الحكومة.
في هذه الأثناء كان الأب يرسل إلى ابنته رسائل خاصة يوجهها فيها ويربيها على طريقته، وكتب في المعتقل كتابا أسماه «إن قُتلت». خاطب فيه ابنته خطابا خاصا، ووصفها بما لم يصف أحدا من أولاده، كان يُعلق عليها آمالا كبيرة، كان يعدها كوريثة له بعد إعدامه.
انقلاب
حصل الانقلاب العسكري ضد حكومة ذو الفقار العام 1977 بعد احتجاجات شديدة من قبل أحزاب المعارضة، وقاد الانقلاب الجنرال «محمد ضياء الحق»، الذي رقاه ذوالفقار من غير استحقاق ليتولى قيادة الجيش. وحوكم بتهمة قتل الناشطين السياسيين في فترة حكمه.
صدر الحكم بالإعدام ضد ذوالفقار وأقرت المحكمة العليا الحكم ونفذ فيه الحكم بالإعدام العام 1979 في سجن «روالبندي» المدينة التي أُغتيلت فيها «بينظير» لاحقا.
أما مواقف أسرة «بوتو» فكانت متباينة حيث أراد كل من: «ميرشاه نواز بوتو»، ومير مرتضى بوتو ابنا «ذوالفقار» أن ينتقما لقتل والدهما بعمل مسلح، فأنشآ عصابة مسلحة سُميت «آل ذوالفقار»، ساعدتها الحكومة الشيوعية في أفغانستان حينذاك وساعدتهما لأداء مهمتهما، بسبب تقارب فكر الجهتين ولأن «محمد ضياء الحق» كان يساعد الأحزاب الجهادية في المقاومة ضد التواجد السوفيتي في أفغانستان، وقد تمكنت تلك العصابة بمساعدة الجهات الأجنبية من إسقاط طائرة ضياء وقتل مع مجموعة كبيرة من قيادات الجيش الباكستاني العام 1988 .
أما موقف «بينظير بوتو» فكان مختلفا عن موقف أخويها فقد قطعت صلتها بهما، وكانت تعتبر نفسها وريثة أبيها في السياسة وقيادة حزب الشعب، مفضلة العمل السياسي، وليس العمل المسلح، وتولت قيادة حزب الشعب الباكستاني بالاشتراك مع والدتها «نصرت بوتو»، والتي تعرف عليها «ذوالفقار» في قصر الملك «رضا شاه بهلوي».
معارضة عائلية
عندما عاد أخوها «مير مرتضى بوتو» من المنفى - بحسب ما جاء في فقرات ضمن كتاب «أشهر التصفيات السياسية» للكاتب خالد عبداللاه - بعد مقتل «ضياء الحق» إلى باكستان العام 1993 أُنتخب عضوا في البرلمان الإقليمي لإقليم «السند»، وبدأ يعارضها في قيادة حزب الشعب ويثير لها بعض المشاكل، كما شكل «حزب الشعب الباكستاني - جناح الشهيد بوتو»، وكان يعتبر نفسه الأحق بقيادة حزب أبيه، وكان من أشد المعارضين لزوجها «آصف علي زرداري»، واتهمه بسرقة ووراثة أبيه في «حزب الشعب الباكستاني».
بسبب «مير» انقسمت أسرة «بوتو»، ولما زادت مشاكله قتل في كراتشي قرب قصر السفير، في مواجهة مع البوليس العام 1996، وأُتهم زوج بينظير بقتله، وبقي فترة طويلة في السجن بتلك التهمة، والتي أنكرها دائما.
التودد لأميركا
كان حزب الشعب الباكستاني أول ما نشأ يغلب عليه الميل للنظرية الشيوعية، وكان من قياداته شخصيات معروفة تدعو للشيوعية أمثال «شيخ رشيد» والمعروف بأبي الشيوعية، وكان الحزب يفضل النموذج الصيني للشيوعية، كان ذوالفقار نفسه يرى «ماوتسي تونح» نموذجا يحتذى به.
عندما تغيرت الظروف رأت «بينظير» أن النموذج الليبرالي الغربي هو الأدعى للقبول لدى أميركا والغرب فقد أدركت أن الوصول للسلطة في باكستان والاستمرار فيها يتوقف على رضا أميركا، فحولت قبلة الحزب وغيرت اتجاهه من الشيوعية إلى الليبرالية الغربية، ليقربها من هدف الوصول للسلطة.
عاشت «بينظير» في الخارج دائما، وكانت عودتها لباكستان لممارسة الحكم، فقد خرجت العام 1969 إلى بريطانيا وأميركا، وبقيت حتى العام 1977 - عادت في فترات حكم أبيها لتستمتع بالسلطة، كما تم اعتقالها قُبيل إعدام أبيها العام 1979 وبقيت في المعتقل حتى العام 1984 .
غادرت البلاد إلى بريطانيا، ومن هناك تولت قيادة حزب الشعب الباكستاني وعادت لباكستان العام 1986 لخوض الانتخابات، والتي كان المفترض أن يجريها الجنرال «محمد ضياء الحق» في تلك الفترة، واستقبلت استقبالا حافلا في مدينة «لاهور» حينذاك.
بقيت «بينظير» مرتبطة بالحكم سواء ببقائها في السلطة أو بكونها في قيادة المعارضة العام 1988، غادرت باكستان إلى الإمارات العربية المتحدة، وبقيت مع أولادها بين بريطانيا والإمارات، ولحق بها زوجها بعد ذلك.
حين اقترب موعد الانتخابات. بدأت أميركا والمجتمع الدولي يضغطان على الجنرال «مشرف» لإجراء الانتخابات في ضوء فقدانه شعبيته، في حين كان من مصلحة تلك الجهات أن يتولى السلطة شخص مخلص لهم، وفي الوقت نفسه يتمتع بقاعدة شعبية كبيرة، وهذا الشخص في نظر أميركا هي «بينظير».
انتهازية سياسية
أما عن الانتهازية السياسية - بحسب ما ذكر الكاتب خالد عبداللاه وذكرت أيضا الكاتبة المصرية نوال مصطفى - فقد غازلت «بينظير» السياسة الأميركية، وتحالفت مع الجنرال «مشرف»، ومواقفها دائما من القضايا المختلفة. كانت تابعة لمصلحتها السياسية أولا وأخيرا، يظهر ذلك في مواقفها الأخيرة، فـ «بينظير» شأنها شأن باقي الساسة الباكستانيين. يعتقدون أنه لا يمكن الوصول للحكم والاستمرار فيه إلا بموافقة ورضا أميركا، وكما قال بعض الساسة: من يكون معه ثلاثة سيحكم باكستان «الله وأميركا والجيش».
كان هم «بينظير» لفت نظر السياسة الأميركية لها واستمالتها، وإقناع أميركا بأنها قادرة على القيام بما تريده أميركا وأداؤه بشكل أحسن مما يقوم به الجنرال «مشرف».
أيدت «بينظير» أميركا - في حربها على ما تسميه إرهابا - وأنها تستطيع لعب دور مؤثر في ذلك، كما أيدت العملية العسكرية التي قام بها مشرف ضد مدرسة البنات - جامعة حفصة، «دلال مسجد»، ولم يؤيدها من الساسة الباكستانيين سوى اثنبن «بينظير»، و«ألطاف محمد» قائد الحركة القومية المتحدة، وحليف مشرف في الحكم.
كما وافقت على السماح للجيش الأميركي بإجراء عملياته داخل الأراضي الباكستانية، في حال توافر معلومات استخباراتية بوجود أسامة بن لادن في الأراضي الباكستانية، وقالت بإمكانية إعادة التحقيق في قضية الدكتور «عبدالقدير خان»، والمتهم ببيع أسرار متعلقة بالأسلحة النووية.
حلم لم يتحقق
وبحصولها على الرعاية الأميركية... دخلت بينظير في محادثات مع الجنرال مشرف لتصل بذلك للمشاركة في الحكم وبهذه المحادثات ضربت كل الوعود والاتفاقات التي وقعت عليها وتحظر التعاون العسكري. فقد رأت أن هذه المحادثات والتعاون مع الجيش يسهلان لها مهمة الوصول للحكم.
وقعت «بينظير» وثيقة الديموقراطية مع نواز شريف في اجتماع بينهما العام 2006، وقد قررا في الوثيقة إنهاء تدخل الجيش في السياسة، وعدم التعاون مع الحكومة العسكرية، وضرورة تعاون الحزبين لإعادة الديموقراطية. عن طريق العمل السياسي،، كما تنازلت عن أشياء كثيرة كانت تعتبرها - مبادئ وأصولا - مثل إعادة القضاء كما كان قبل تدخل الجنرال «مشرف»، وإعادة الدستور للحالة التي كان عليها قبل مجيء الجنرال مشرف للسلطة.
وفي 27 من ديسمبر العام 2007 وبعد خروج بينظير بوتو من مؤتمر انتخابي لمناصريها، وقفت لتحية الجماهير المحتشدة، من فتحة سقف سيارتها تم إطلاق النار عليها وقتلت بالرصاص في العنق والصدر، وتبع هذا تفجير انتحاري على بعد «25» مترا، وقد هز المنطقة التي كان يمر بها موكبها لمدينة «روالبندي».
في هذه الأثناء تم الإعلان أنها غادرت الموكب، ثم أعلن زوجها لمحطات محلية أنها أصيبت بجروح بالغة، وأضافت مصادر من حزبها: إنها تخضع لعملية جراحية عاجلة، ثم بعد «20» دقيقة أعلن عن وفاتها، وجاءت التقارير الأولية بإصابتها برصاصة في الرأس وأخرى بالعنق.
أما السلطات الرسمية الباكستانية، تحدثت أن سبب الوفاة ارتطام رأسها بسقف السيارة المصفحة التي كانت تقلها.