د. حسن عبدالله عباس / الاقتصاد الإسلامي بين الفكر والممارسة

تصغير
تكبير
حينما نقول الاقتصاد الإسلامي فإننا نتحدث عن ساحة فكرية شاسعة وكبيرة جداً. مساحة كبيرة تتسع للمزيد والمزيد من التشريعات والمؤسسات والقوانين والتشعبات الكثيرة والمعقدة لتتواءم مع المكونات الكثيرة لقطاعات الاقتصاد المختلفة. هذه المقدمة البسيطة أردت من ورائها التعليق على مقالة كتبها الزميل أحمد الصراف يوم السبت الماضي (15 اغسطس) بعنوان «التحايل اللا ربوي» تعرض فيها للبنوك الإسلامية.
مُجمل ما جاء فيها انتقاد للبنوك الإسلامية بأنها عاجزة عن الصمود أمام الأزمة الاقتصادية الحالية. فهو ولأنه رجل تجارة واقتصاد، يرى بأن البنوك الإسلامية اللا ربوية لن تستطيع المعالجة. سأوجز فيما يلي بعض النقاط المهمة في مقالة الزميل مع تعليق بسيط في النهاية.
اعتمد الزميل في نقده للبنوك الإسلامية على دراسة الباحث الاقتصادي سميح مسعود، أهم ما جاء في مقالته النقدية أمرين: أولهما ضآلة حجم الصناعة المصرفية الإسلامية عالمياً من ناحيتين العددية والمالية، فعددها لا يتجاوز 300 وبأصول 800 مليار وهو مبلغ يقل عن موجودات مصرف اوروبي واحد! أما الثاني فبسبب غموض مفاهيم هذه المصارف حول بعض المعاملات المالية الإسلامية.

واضح أن الزميل الصراف انتقى ما يريد أن يقرأ ويسمع. أقصد أن الزميل، وكما هو معروف، اختار لنفسه قراءة ما ينسجم وفكره الليبرالي، ورأى في دراسة سميح مسعود مبتغاه. في المقابل، يمكن للباحث أن يعدد مقالات ودراسات كثيرة تنتقد المصارف الربوية وتؤكد على قدرة المصارف الإسلامية امتصاص الأزمة والصمود أمامها، والمكتبات الاسلامية زاخرة بمثل هذه الدراسات بلا شك. لكن ليس المقام هنا لتعدادها، ولكن كنظرة عامة أقول بأنه توجد الآلاف من هذه الدراسات كتلك التي استند إليها الزميل الصراف.
لكن التعليق الأهم على ما جاء في كلام الزميل أن قلة عدد المصارف ومحدودية مواردها المالية تصلح كدليل إدانة ضد النظام الربوي لا معه. فما لم يقله الزميل الصراف أن القلة العددية والمالية للمصارف الإسلامية تعني أن الأزمة الائتمانية يتحملها النظام الاقتصادي الرأسمالي لوحده، وبالتالي الأزمة المالية هي «أزمة رأسمالية ليبرالية»، وتحويل الإدانة للنظام المصرفي الإسلامي فيه مبالغة كبيرة غير مقبولة.
أما الأمر الثاني والخاص بغموض المفاهيم وعدم اكتمال مبادئ الاقتصاد الإسلامي فذلك صحيح. وللأمانة كنت أتمنى من الزميل أن يركز على هذا الجانب أكثر لأنه رجل اقتصاد ومال، والمناقشة هنا مجدية أكثر وذات فائدة أكبر. بمعنى أن ما ذهب إليه في مقاله هو مناقشة لممارسة اقتصادية أكثر من فكر. فلو أراد أن يثبت لنا فشل النظرية الاقتصادية الإسلامية، فعليه مناقشة ذلك من بوابة الفكر الإسلامي لا التطبيقات. فالفكر الإسلامي وكما قلت سابقاً شاسع وكبير، ومناقشة تطبيق هنا أو هناك لا يبدو علمياً ذا جدوى فشتان ما بين الفكر والممارسة. والمشكلة تبدو لي أكبر وأشمل لأنه يمتد لنظرة الإسلام للحياة، ولهذا تسليط الضوء على جانب من القضية واقتصاص جزء من الدستور الإسلامي للحياة واقتصاره على المصرف الإسلامي من دون أن يشمل ذلك النظرية السياسية والاجتماعية الأشمل والأعم فيه تجن كبير، فهذا الاجتزاء يظلم الإسلام وينتقص من حقيقته الموضوعية. فالموضوع يجب أن يناقش فلسفياً ومن منطلقات أخلاقية كالعدالة والظلم وحقوق الإنسان والمجتمع والولاية والملكية، إلى غير ذلك، حتى نصل في النهاية إلى النظرية الإسلامية في الاقتصاد ومن بعده وتحديداً للمصارف اللا ربوية! فالطريق طويل!
د. حسن عبدالله عباس
كاتب كويتي
hasabba@gmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي