ممدوح إسماعيل / «حماس» تقتل السلفيين!

تصغير
تكبير
عندما كنت أتأهب لصلاة مغرب يوم الجمعة الماضي فوجئت بخبر عاجل على قناة «الجزيرة» يقول: قوات «حماس» تقتل ثلاثة من السلفيين في رفح. فقلت في نفسي هذا وقت الغروب، وقت تتداخل فيه الظلمة مع النهار، وصليت المغرب.
ثم توالت الأخبار المأسوية بعد ذلك لتجسد لنا على أرض رفح صورة قاتمة لقتال ودماء بين طرفين مسلمين، ووصل عدد القتلى إلى أكثر من عشرين، والجرحى أكثر من سبعين.
وبحثت في وسائل الإعلام لمعرفة سبب ما حدث... فكان هناك شبه إجماع على أن الشيخ الطبيب عبداللطيف موسى تزعم جماعة من الشباب في مسجد ابن تيمية في رفح تسمى «جند أنصار الله»، وأنه يوم الجمعة المشهود تجمع أنصاره مسلحين في المسجد، وأنه أعلن من على المنبر انتقاده لسلطة «حماس»، وأعلن عن قيام إمارة إسلامية في رفح، وقد رفضت السلطة الأمنية لحكومة «حماس» هذا الإعلان، واعتبرته تمرداً. إلى هنا والخبر شبه مجمع عليه، ثم بعد ذلك تناقضت جميع الأخبار حتى من داخل غزة وحركة «حماس» حول كيفية بدء القتال، من البادئ، ومن فجّر نفسه، ومن فجّر منزل الشيخ زعيم الجماعة.

وتدخل الإعلام الموجه في تحوير وتغليف كل خبر حول الواقعة المأسوية، حتى وصل إعلام «جماعة الإخوان» إلى وصف جماعة «جند أنصار الله» بالتكفريين، وبأنهم خوارج. ولكن بترشيح وتشريح الأخبار أستطيع أن أقول الآتي:
- إن الشيخ عبداللطيف موسى من السلفيين، وكانت له علاقة بالسلفيين بمصر حتى قدم له أحد شيوخهم، سيد العفاني، مقدمة كتابه «اللؤلؤ والمرجان... في عقيدة أهل الإيمان»، وهو كتاب يحمل فكراً سلفياً واضحاً لا لبس فيه.
- إن الخلاف في بدايته كان خلافاً بين توجهات فكرية داخل السلفيين، وبين فكر «جماعة الإخوان» وتطبيقاته «الحمساوية» في فلسطين.
- إن إعلان الشيخ عن إمارة إسلامية في رفح وتمرده على «حماس» إعلان غير مقبول من نواحٍ عديدة، وهو انحراف طارئ على فكره، فما هي أسبابه؟ لا تزال المعلومات غير متاحة، وإن كان إعلام «الإخوان» يشوه الرجل باتصاله بسلطة رام الله، ولكنه اتهام لا دليل عليه وغير مستساغ.
- إن القتال بدأ بعد حصار قوات سلطة «حماس» لمسجد ابن تيمية، وإن الشيخ عبداللطيف أعلن أنه لن يبدأ القتال، ما يعني أن قوات «حماس» أطلقت النار في البداية، ثم توقف إطلاق النار لتتدخل قوى فلسطينية عديدة، ثم تدخل القائد «الحمساوي» محمد الشمالي لمحاولة التفاوض، فانطلقت رصاصات قوى الأمن لتحول المسجد وما حوله إلى ساحة دمار وخراب.
ومع انطلاق الرصاص والقتل انطلقت صيحات الفرح من العدو الصهيوني المحتل في تل أبيب، وبلا شك فرحت سلطة رام الله، وفرح كل من يريدون إنهاء المقاومة الفلسطينية وتضييع فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني.
- النتيجة... سلطة «حماس» تعلن إنهاء تمرد تكفيري، وكثير من مواقع الإنترنت تضج بالدعاء على سلطة «حماس»، بل وتكفرها وتتهمها بأنها قدمت دماء السلفيين قربانا للأميركيين.
الحقيقة أن ما حدث فتنة اختلط فيها الحق بالباطل... فـ «حماس» ليست الخلافة الإسلامية، ولا إسماعيل هنية «أبوبكر الصديق»، هم مسلمون نحسبهم صالحين ضحوا تضحيات لا مثيل لها من أجل الأقصى والقدس وفلسطين، ولكنهم بشر يجتهدون ويخطأون، وكثير من قياداتهم الحكيمة قضوا نحبهم، والقيادات الموجودة محاصرة مضطهدة عليها أعباء تنوء بها الجبال، لذلك تغيب عنهم الحكمة في بعض الأحيان لتوتر أعصابهم. وكم من مرة حدث اشتباك مسلح في غزة وسفكت دماء لأسباب عديدة متنوعة للخروج على النظام، وكانت سلطة الأمن «الحمساوية» سريعة في إطلاق الرصاص.
ولكن كان في الإمكان تفادي القتل في أحوال كثيرة، وآخرها ما حدث في رفح فقد تعمدت سلطة «حماس» إخفاء المعلومات حول كيفية ما حدث من قتل، وذلك كما تحسب للمصلحة العليا، ولكن هذا المنطق هو منطق الاستبداد في كل مكان، البطش والقتل لسفك الدماء ثم التبريرات الفكرية بأنها جماعة تكفيرية تبرير غير مقبول، وللأسف الشديد يزيد من هوة الخلاف والغضب بين «الإخوان» وجماعات من السلفيين منتشرة في كل مكان، فـ«جماعة الإخوان» في مصر تردد الكلام نفسه، وهذا ليس من الحكمة ولا من مصلحة الإسلام مطلقاً، بل يعطي مبرراً لجميع أعداء الإسلام لقتل المسلمين.
وهل غاب عن سلطة «حماس» ما حدث من الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف من اقتحام المسجد الأحمر وقتل من فيه تحت تبرير أنهم تكفيريون ولمصلحة النظام العام. بلا شك هناك فرق بين «حماس» ومشرف، وبين باكستان وغزة، ولكن الواقعتين فقط متماثلتان.
لا يعني هذا مطلقاً تبرير خروج جماعة عبداللطيف موسى على حركة «حماس»، أو إعلانه إمارة إسلامية وهمية، فمهما كانت قوته فهي محدودة لا تتعدى على ما أعتقد كيلو مترا، فكان من الممكن بالعقل والسياسة والفكر محاصرته والتضييق عليه.
وليس شرطا أن يستسلم تماماً للخليفة الحاكم في غزة، بل من الحكمة الناجحة التضييق عليه وعلى جماعته، ووأد فتنتهم بالفكر والسياسة وليس بالقتل، فقد أشعلت «حماس»، حتى ولو كانت مجتهدة ومحقة، نار فتنة بمقتل الشيخ عبداللطيف موسى.
ثم هل نسيت «حماس» أن منطقها وتبريرها اليوم هو منطق «فتح» نفسه عندما كانت تحكم غزة بواسطة عصابة دحلان، وقاتلت «حماس» وحركات المقاومة بالتبرير نفسه؟
ويبقى أنني أتمنى من حركة «حماس»، التي أحبها ويحبها جميع العرب والمسلمين، ويحزنني أخطاؤها، أن تراجع نفسها في سياسة الحزم في القتل لأنها سياسة المستبدين في كل زمان ومكان، وهي عنوان للظلم الذي نرفضه ولا نقبله منها.
وأخيراً أطالب سلطة «حماس»، وقياداتها، وشيوخها، بلجنة تحقيق محايدة من علماء وقانونيين من خارج غزة للتحقيق والحكم فيما حدث في رفح، وأدى إلى مقتل وجرح ما يزيد على مئة فلسطيني.
ممدوح إسماعيل
محامٍ وكاتب
Elsharia5@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي