خيرالله خيرالله / نعم هناك «فتح» بعد مؤتمر «فتح»

تصغير
تكبير
هل من «فتح» بعد مؤتمر «فتح»؟ كان مجرد انعقاد المؤتمر السادس للحركة في موعده المقرر وعلى الأرض الفلسطينية، وليس في أي مكان آخر، دليلاً على أن «فتح» قادرة على التغلب على الصعوبات واستعادة حيويتها وشبابها. أكثر من ذلك، أكدت «فتح»، عبر الثورة البيضاء التي شهدها المؤتمر السادس، أنها ستبقى وفية لآمال الشعب الفلسطيني وطموحاته، وأنها ستبقى وفية لشهدائها ولدمائهم. ستبقى وفية لياسرعرفات، وصلاح خلف، وخليل الوزير، أمير الشهداء... وكل أولئك الذين ناضلوا من أجل القرار الفلسطيني المستقل. ستبقى وفية لكل قيادييها الذين ناضلوا من أجل الاستقلال، من بين هؤلاء: أبو يوسف النجار، وكمال عدوان، وأبو حسن سلامة، وماجد أبو شرار وصولاً إلى سعد صايل، وعاطف بسيسو، وهايل عبد الحميد، وآلاف آخرين.
نعم، عادت «فتح»، لكنها «فتح» جديدة. تشكيل اللجنة المركزية الجديدة للحركة يعطي فكرة عن مدى استعداد الحركة للقيام بعملية مراجعة حقيقية في العمق تمكنها من تصحيح أخطاء الماضي. امتلك عدد لا بأس به من المشاركين في المؤتمر ما يكفي من الشجاعة لتسمية الأشياء بأسمائها بعيداً عن الشعارات الفارغة. والأهم من ذلك كله، أن المؤتمر استطاع تفادي السقوط في لعبة تصفية الحسابات ذات الطابع الشخصي، والانتقال إلى العمل من أجل تجاوز أخطاء الماضي، وتأكيد الحاجة إلى ترتيب البيت الداخلي أوّلاً. لا مستقبل للقضية الفلسطينية ولا قدرة لدى السلطة الوطنية على مواجهة الاحتلال من دون تأمين محيط آمن للمواطن الفلسطيني في كل بلدة وقرية ومدينة.
ما الذي مكن المشاركين في المؤتمر، الذين زاد عددهم على ألفين وثلاثمئة، من استيعاب مخاطر المرحلة التي تمرّ بها القضية الفلسطينية؟ هناك قبل كل شيء الإنسان الفلسطيني المسيس الذي يفرق بين الأسود والأبيض والذي لم تعد تنطلي عليه الشعارات مهما كانت رنانة. وهناك واقع جديد كان لابدّ من التعاطي معه. للمرة الأولى منذ انطلاقة «فتح» مطلع العام 1965، هناك من يريد أخذ مكان «فتح» فلسطينياً. في الماضي، كانت الفصائل الفلسطينية تدخل في مماحكات مع «فتح» واضعة سقفاً محدداً لمطالبها بغية تحقيق مكسب هنا وآخر هناك ولكن تحت مظلة «فتح». في العام 2009 عندما دخل الإعداد للمؤتمر السادس لـ«فتح» منحى جدياً، صار مطروحاً، في ضوء ما حصل في غزة منتصف العام 2007، مستقبل «فتح»... هل الحركة قادرة على الاستمرار، أم عليها ترك الساحة لـ «حماس» والإعلان عن أن مشروعها السياسي بات جزءاً من التاريخ.

كانت المسألة مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى «فتح». ولهذا السبب، ابتعد معظم المشاركين في المؤتمر عن المسائل الشخصية من نوع تحميل هذا الطرف أو ذاك مسؤولية خسارة الانتخابات التشريعية في العام 2006، أو نجاح «حماس» في الاستيلاء على غزة. تبين أن «فتح» ككل تتحمل مسؤولية الأخطاء الجسيمة التي حصلت في الأعوام العشرة الأخيرة وحتى في المرحلة التي تلت عودة ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، إلى أرض فلسطين في العام 1994 نتيجة توقيع اتفاق «أوسلو» في حديقة البيت الأبيض في العام 1993.
ما الذي يمكن توقعه من القيادة الجديدة لـ«فتح»؟ لابد من الإشارة أولاً إلى أن هذه القيادة التي قد لا تبدو متجانسة، إنما تعكس عملياً وجود قناعة لدى الفلسطيني العادي بأنه يستحيل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة من دون مقاومة. والمقاومة تعني التصدي لفوضى السلاح وجعل الضفة الغربية أرضاً يقبل عليها الفلسطيني بدل أن تكون أرضاً طاردة لأهلها كما يريد الاحتلال الإسرائيلي ويسعى إلى ذلك. والمقاومة تعني العمل من أجل الاستفادة من الفرصة المتاحة حالياً والمتمثلة في إصرار إدارة الرئيس أوباما على قيام الدولة الفلسطينية المستقلة في حدود العام 1967 مع تعديلات طفيفة يمكن أن تطرأ عليها من خلال المفاوضات، والحاجة إلى رابط بين الضفة الغربية وقطاع غزة. والمقاومة تعني ترك حكومة الدكتور سلام فيّاض تعمل بشكل طبيعي بعيداً عن التجاذبات السياسية - السياسية وتدخلات هذه الشخصية أو تلك من «فتح». ربما قد يكون أهم ما أسفر عنه المؤتمر السادس للحركة تكريس الدور الجديد لـ «فتح» بصفة كونها الحركة التي تدعم السلطة الوطنية الفلسطينية. هناك تمييز بين «فتح» والسلطة الوطنية على الرغم من أن هذه السلطة هي برئاسة «أبو مازن» الذي هو في الوقت ذاته رئيس «فتح». تمثل السلطة الوطنية العنوان الصالح الوحيد لمن يريد التفاوض في شأن التسوية. مرجع السلطة الوطنية هو «منظمة التحرير الفلسطينية» وليس «فتح» التي ليست في حاجة إلى الاعتراف بإسرائيل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
أراح مؤتمر «فتح» الوضع الفلسطيني إلى حد كبير. ستمكّن اللجنة المركزية الجديدة رئيس السلطة الوطنية من اتخاذ مواقف أكثر جرأة تستند إلى العقلانية قبل أي شيء آخر. سيتحسن من دون شك الأداء الحكومي الفلسطيني، وسيتعزز الأمن في الضفة الغربية بما يؤكد أن كل الاستراتيجية الإسرائيلية القائمة على فكرة أن لا شريك فلسطينياً يمكن التفاوض معه هي بمثابة استراتيجية ساقطة. هناك عدد لا بأس به من القياديين «الفتحاويين» يعرف الإسرائيليين جيداً وسبق له أن فاوضهم في الغرف المغلقة أو عن طريق المواجهة المسلحة. ما قد يكون أهم من ذلك كله أنه بدأت تتولد قناعة لدى الفلسطيني العادي المقيم في أرض فلسطين أن لا بديل من التمسك بالأرض، وأن لا جدوى من إطلاق الشعارات غير القابلة للتحقيق. كلما استطاعت قوات الأمن الفلسطينية تثبيت الأمن في الضفة الغربية، كلما اقترب اليوم الذي ستبصر فيه الدولة الفلسطينية المستقلة النور.
خيرالله خيرالله
كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي