عبدالعزيز عبدالله القناعي / حين نتحدث / مناهج وتأزيم

تصغير
تكبير
تعتبر المناهج الدراسية والتعليمية في كل دولة حجر أساس لتربية وتنشئة الأفراد والأشخاص من خلال العملية التربوية ومدارس الدولة وجامعاتها، وتفرد لها اللجان والمؤتمرات لتطويرها بما يتلاءم مع مستجدات العلم والحضارة، وبما لا يمس عقائد المجتمع ويعمل على تفتيت الوحدة الوطنية وذلك بشكل يحتوي جميع أطياف المجتمع، ويحترم الديانات والثقافات الموجودة فيه.
وفي هذا الشأن ففي استراليا ذلك البلد المتعدد الثقافات والقوميات يندرج تحت هذا اللواء ثقافات عدة انزوت تحت مفهوم المواطنة الاسترالية بعيدا عن التفتيت القومي، وبعيدا عن التعصب لدولهم وثقافاتهم، وأجمعت كل الثقافات على وحدة استراليا وبقائها تحت ظل المملكة المتحدة باستفتاء عام حول هذا الشأن، وحتى قومية الابوروجنل (Aboriginal Australians) السكان الأصليون لاستراليا القديمة فإنهم قد اندمجوا وتفاعلوا مع الدولة الحديثة، وان كانت حضارتهم معهم يتنقلون بها ويعيشون معها ولكن تجدهم من أشد المدافعين عن استراليا الحديثة ويندرج هذا المفهوم ايضا مع القوميات الانكليزية، والأوروبية، والصينية المهاجرة إلى هذه القارة الكبيرة. وخلال دراستي لمرحلة الماجستير في هذا البلد الرائع لم أجد أي تداعيات أو خلافات بين المواطنين كلهم وبين الدولة وما توفره من مناهج دراسية إذ انها تشير إلى استراليا بالدولة الحاضنة لجميع أطياف الحضارات، وتحترم وجود جميع الأديان والطوائف المختلفة ويعمل الجميع وفق هذه المنظومة وباحترام تام لجميع المذاهب والعقائد بما فيها الديانة الإسلامية، بل لطالما تتم داخل قاعات الدراسة النقاشات والحوارات حول القوميات المختلفة وما يتميز به كل مذهب ودين، ولكن بعد هذا تكون الدولة مسيحية وتطبق فيها تعاليم ومناهج المسيح، ولم نر أي تدخل لرجال الديانات الأخرى بفرض دياناتهم ومعتقداتهم على مناهج الدولة وتعليمها.
وفي الكويت حيث نرى التجاذبات السياسية قد بدأت منذ الآن حول موضوع تغيير المناهج الدراسية، وبشكل أساسي فيما يخص الجانب الشيعي حيث يشتكي الاخوة من ان بعض المناهج تمس عقيدتهم ومذهبهم بالسوء ويجب العمل على تغييرها ويعتبر هذا الموضوع من المواضيع القديمة والمثارة حاليا بشكل كبير، وذلك بعد أن حصل نواب الشيعة في انتخابات مجلس الأمة السابقة على أصوات تؤهلهم للمطالبة بتغييرات يرونها ضرورية حماية لهم ولعقيدتهم.
وقد عالجت الأخت الفاضلة الدكتورة موضي الحمود وزيرة التربية والتعليم العالي هذا الأمر بأن أحالت طلب أحد النواب بخصوص هذا الشأن إلى لجان فنية وعلمية لدراسة الموضوع وابداء الرأي حول ما تتضمنه المناهج التعليمية بدولة الكويت من ادعاء المساس بعقيدة الاخوة الشيعة.
ونظرا لحساسية الموضوع وتعلقه بالجانب الديني وهو ما يعتبر من المحرمات في الخوض فيه، ونظرا لأن الجميع هنا من سنة وشيعة لا يزالون غير ناضجين بالحوار وتتم معالجة قضايا النقاش والخلاف بينهم عبر بوابة مجلس الأمة، وقد ينتقل الأمر إلى مشروع أزمة بين النواب والحكومة، وقد يحل فيها مجلس الأمة نظرا لتمسك الطرفين بما يعتبرونه من أساسيات مذاهبهم وتفكيرهم، فيجب علينا الآن وبكل هدوء انتظار ما ستسفر عنه نتائج اللجان المشكلة من قبل وزارة التربية للبت في هذا الأمر وعدم تصعيد الأمور إلى ما لا تحمد عقباه، دائما وايضا فإن من المطلوب من الجميع عدم تسفيه آراء الغير وتحقيرها بما لا يثير أي انزعاج طائفي قد ينتقل معه إلى أبعاد أخرى لا يرغب بها الكل، ونشدد هنا على دور الصحافة المحلية والفضائيات في التمسك بآداب النقاش والحوار مع الجميع، وعدم استضافة مثيري الفتن ومحبي القلاقل من الطرفين حيث نرى بدايات التجاذب قد بدأت وبشكل مستهجن.
إن الكويت دولة مسلمة ودينها الاسلام والشعب الكويتي شعب مسلم منذ الأزل ولا يزال ويفتخر بهويته الإسلامية، ويعمل لصون الثقافة والحضارة العالمية، ويجب أن نبتعد عن كل ما يسيء إلى الطعن بمذاهب الآخرين ونعمل بيد واحدة لتطوير مفاهيمنا والابتعاد عن الحالة التأزيمية التي نراها قد بدأت في الأفق ولا تستحق منا الكويت التمزيق والجدال لمواضيع تحل وفق التفاهم والنقاش وبصفاء النية حول الآخرين، وأخيراً فإن ما يعنينا هنا هو المستقبل لأجيالنا وكيف تعيش وفق اختلاف مشاربنا وطوائفنا المختلفة ضمن أسرة كويتية واحدة.
عبدالعزيز عبدالله القناعي
azizalqenaei@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي