أماكن / مراكش الحلم والواقع
جمال الغيطاني
|جمال الغيطاني|
تقع مراكش... عند حافة الواقع والحلم.
تقف عند ناحية يتفرع منها طريقان: الأول، يؤدي إلى الزمن القديم، والثاني، موازٍ له، يؤدي إلى الحاضر.
لاأزال أذكر لحظة وصولي الأول إليها عام تسعة وسبعين وتسعمئة وألف، ثم عودتي إليها بعد عشر سنوات كاملة، ثم إقامتي بها في شهر أبريل الماضي لمدة أسبوع كامل، رأيتها كما لم أرها من قبل، وصحبت أبناءها المحبين العاشقين لها فأطلعوني على أدق أسرارها، وما تكنه خباياها، وإنني لأعجب من شبابنا المتطلع إلى الرحلة، لا يرى في العالم إلا جهة واحدة، الغرب، أوروبا بمدنها، وجبالها، وقراها، بينما يزخر عالمنا العربي الشاسع بجمال فريد، وتنوع لا مثيل له، وإنني لأتوقف طويلا عند مراكش، إحدى أعرق وأجمل مدن العالم.
لنبدأ من الحاضر... الوصول إلى مراكش من المشرق العربي، لابد من الوصول أولا إلى الدار البيضاء، حيث تنزل الطائرة في مطار محمد الخامس الحديث، الذي تم توسيعه وتجديده وإكساب منشآته الطابع «العربي - الأندلسي» الجميل.
تستغرق الرحلة من أقطار الخليج العربي إلى الدار البيضاء ثماني ساعات من الطيران الخالص، وسبع ساعات إذا أقلع المسافر من جدة على سبيل المثال، ومن القاهرة خمس ساعات ونصف الساعة.
من الدار البيضاء إلى مراكش يمكن مواصلة الرحلة بواسطة الطيران المغربي، حيث توجد شبكة خطوط داخلية جيدة، وبالنسبة لمراكش تقلع طائرتان يوميا، الأولى في الثامنة والنصف صباحا، والثانية في العاشرة إلا الربع مساء، والرحلة قصيرة جدا، لا تستغرق إلا خمسا وعشرين دقيقة فقط، تبلغ المسافة ثلاثمئة وخمسين كيلو مترا.
يمكن السفر بالقطار، وتقع محطته الرئيسية في مدينة الدار البيضاء، التي يمكن الوصول إليها بسهولة من المطار، القطارات حديثة جدا، وتسير بالطاقة الكهربية، وهناك حافلات من أحدث طراز تعمل بانتظام، طبعا السفر بالقطار أو السيارة سوف يتيح رؤية الطبيعة المغربية المتنوعة، الجبال متوسطة الارتفاع المكسوة بالخضرة، والسهول الفسيحة.
خلال الطريق يمكن رؤية جبال الأطلس المتوسطة، التي تمتد من شمال المغرب إلى جنوبه، لكننا لن نخترقها، إنما سنقترب من حدودها عند الوصول إلى مراكش... تقع مراكش على حدود الصحراء الكبرى، بل إنها آخر المدن المغربية إلى الجنوب، بعدها تبدأ الصحراء الأفريقية الكبرى، ولذلك تعتبر مراكش- في رأيي- جسرا جغرافيا، وقنطرة ثقافية بين العالم العربي في شمال أفريقيا وشعوب الجنوب، وينعكس ذلك في تكوينها، في فضائها.
أول ما يلفت النظر عند اللحظة الأولى للوصول ذلك اللون الوردي الذي تتدثر به المدينة، جميع المباني وردية، الغني منها والفقير، الرسمي والشعبي، الفنادق، المنشآت العامة، هذا أول ملمح يوحد بين أجزاء المدينة، ويجعل لها ذلك الحضور القوي المتميز.
الملمح الثاني الذي يضفي على المدينة خاصية فريدة لا مثيل لها في أي مدن العالم، وتخلو بعدا غير واقعي، جبال الأطلس التي تبدو عند الأفق، والتي تقع بدايتها على بعد أربعين كيلو مترا من المدينة، وهذا التأثير لا يأتي من الجبال ذاتها ولكن من قمتها الشاهقة المكسوة بالثلوج البيضاء، خصوصاً القمة المسماة بجبل «توبقال» أعلى جبال المغرب.
الثلوج التي تغطي القمم طوال العام تبدو من المدينة التي تقع على حافة الصحراء، والتي تبلغ درجة الحرارة فيها خلال اشهر الصيف أربعين، ومع ذلك لا تغيب الثلوج عن النظر، ثلح وصحراء ونخيل ومدينة كلها حمراء اللون... إنها الحلم ذاته.
فنادقها
وصلنا مراكش، لا قلق إطلاقا من الإقامة، تحتوي مراكش على مستويات مختلفة من الفنادق ودور الإقامة، فيها واحد من أفخم فنادق العالم، ومثله قليل، حيث يتجاوز المستويات المتعارف عليها بأربعة نجوم أو خمسة نجوم، يقع فندق المأمونية داخل أسوار المدينة العتيقة، وهو مجاور للقصر الملكي الشهير المعروف بالباهية، أندلسي الطراز، جدرانه مغطاة بالفسيفساء المغربية الشهيرة «الزليج» وأسقف قاعاته وغرفه من أجود أنواع الخشب المنقوش بالزخارف العربية.
ولأهل مراكش شهرة خاصة في صناعة هذه الأسقف، ويشتهر الفندق بحدائقه الفسيحة الغناء، ويؤمه أشهر أثرياء العالم، ويبلغ سعر الإقامة في الغرفة العادية نحو مئتين وخمسين دولارا، أما الأجنحة الخاصة فلها وضع آخر.
في مراكش الآن العديد من فنادق الخمسة نجوم، لكل منها شخصيته المميزة، خصوصاً فندق النخيل الذي يقع وسط غابة النخيل الشهيرة، وعند زيارتي الأولى كان عدد هذه الفنادق محدودا.
ولكن خلال السنوات الأخيرة شهدت مراكش حركة بناء نشطة، ظهرت خلالها عدة فنادق كبرى، ويبلغ متوسط إقامة الفرد من مئة إلى مئة وخمسين دولارا للفرد الواحد في حجرة مفردة، وبالطبع يقل هذا السعر كثيرا بالنسبة للمجموعات.
هناك فنادق من مستوى النجوم الثلاثة، وفنادق شعبية تطل على الساحة الشهيرة بساحة جامع الفناء، والملاحظ أن معظم السائحين القادمين من أوروبا وأميركا يفضلون الإقامة في تلك الفنادق الشعبية التي تقع على حدود المدينة القديمة أو داخلها.
بل إن الفنادق الكبرى الفخمة التي تقع بعيدا عن المدينة القديمة تحاكي طرق البناء العتيق للإيحاء إلى نزلائها بالجو التاريخي.
ولا يخلو فندق بدءا من المأمونية حتى أصغرها من مطعم متخصص في المطبخ المغربي، وهذا له شهرة عالمية تفوق المطبخ الفرنسي والصيني، ويكفي أن نذكر من أطباقه البسيطة، الفطيرة المغربية الشهيرة المحشوة باللحوم واللوز والزبيب والمغطاة بالسكر الناعم، والطواجن الأندلسية الأصل، حتى اللحم أو الحمام مطهو في زيت الزيتون مع المشمش أو العنب أو القراصيا، أما اللوز فلا يخلو منه طبق، أما الكسكسي فيقدم بطرق مختلفة، ويقدم في نهاية المآدب والأفراح، ولكل مدينة مغربية طريقة متميزة في إعداده.
تقع مراكش... عند حافة الواقع والحلم.
تقف عند ناحية يتفرع منها طريقان: الأول، يؤدي إلى الزمن القديم، والثاني، موازٍ له، يؤدي إلى الحاضر.
لاأزال أذكر لحظة وصولي الأول إليها عام تسعة وسبعين وتسعمئة وألف، ثم عودتي إليها بعد عشر سنوات كاملة، ثم إقامتي بها في شهر أبريل الماضي لمدة أسبوع كامل، رأيتها كما لم أرها من قبل، وصحبت أبناءها المحبين العاشقين لها فأطلعوني على أدق أسرارها، وما تكنه خباياها، وإنني لأعجب من شبابنا المتطلع إلى الرحلة، لا يرى في العالم إلا جهة واحدة، الغرب، أوروبا بمدنها، وجبالها، وقراها، بينما يزخر عالمنا العربي الشاسع بجمال فريد، وتنوع لا مثيل له، وإنني لأتوقف طويلا عند مراكش، إحدى أعرق وأجمل مدن العالم.
لنبدأ من الحاضر... الوصول إلى مراكش من المشرق العربي، لابد من الوصول أولا إلى الدار البيضاء، حيث تنزل الطائرة في مطار محمد الخامس الحديث، الذي تم توسيعه وتجديده وإكساب منشآته الطابع «العربي - الأندلسي» الجميل.
تستغرق الرحلة من أقطار الخليج العربي إلى الدار البيضاء ثماني ساعات من الطيران الخالص، وسبع ساعات إذا أقلع المسافر من جدة على سبيل المثال، ومن القاهرة خمس ساعات ونصف الساعة.
من الدار البيضاء إلى مراكش يمكن مواصلة الرحلة بواسطة الطيران المغربي، حيث توجد شبكة خطوط داخلية جيدة، وبالنسبة لمراكش تقلع طائرتان يوميا، الأولى في الثامنة والنصف صباحا، والثانية في العاشرة إلا الربع مساء، والرحلة قصيرة جدا، لا تستغرق إلا خمسا وعشرين دقيقة فقط، تبلغ المسافة ثلاثمئة وخمسين كيلو مترا.
يمكن السفر بالقطار، وتقع محطته الرئيسية في مدينة الدار البيضاء، التي يمكن الوصول إليها بسهولة من المطار، القطارات حديثة جدا، وتسير بالطاقة الكهربية، وهناك حافلات من أحدث طراز تعمل بانتظام، طبعا السفر بالقطار أو السيارة سوف يتيح رؤية الطبيعة المغربية المتنوعة، الجبال متوسطة الارتفاع المكسوة بالخضرة، والسهول الفسيحة.
خلال الطريق يمكن رؤية جبال الأطلس المتوسطة، التي تمتد من شمال المغرب إلى جنوبه، لكننا لن نخترقها، إنما سنقترب من حدودها عند الوصول إلى مراكش... تقع مراكش على حدود الصحراء الكبرى، بل إنها آخر المدن المغربية إلى الجنوب، بعدها تبدأ الصحراء الأفريقية الكبرى، ولذلك تعتبر مراكش- في رأيي- جسرا جغرافيا، وقنطرة ثقافية بين العالم العربي في شمال أفريقيا وشعوب الجنوب، وينعكس ذلك في تكوينها، في فضائها.
أول ما يلفت النظر عند اللحظة الأولى للوصول ذلك اللون الوردي الذي تتدثر به المدينة، جميع المباني وردية، الغني منها والفقير، الرسمي والشعبي، الفنادق، المنشآت العامة، هذا أول ملمح يوحد بين أجزاء المدينة، ويجعل لها ذلك الحضور القوي المتميز.
الملمح الثاني الذي يضفي على المدينة خاصية فريدة لا مثيل لها في أي مدن العالم، وتخلو بعدا غير واقعي، جبال الأطلس التي تبدو عند الأفق، والتي تقع بدايتها على بعد أربعين كيلو مترا من المدينة، وهذا التأثير لا يأتي من الجبال ذاتها ولكن من قمتها الشاهقة المكسوة بالثلوج البيضاء، خصوصاً القمة المسماة بجبل «توبقال» أعلى جبال المغرب.
الثلوج التي تغطي القمم طوال العام تبدو من المدينة التي تقع على حافة الصحراء، والتي تبلغ درجة الحرارة فيها خلال اشهر الصيف أربعين، ومع ذلك لا تغيب الثلوج عن النظر، ثلح وصحراء ونخيل ومدينة كلها حمراء اللون... إنها الحلم ذاته.
فنادقها
وصلنا مراكش، لا قلق إطلاقا من الإقامة، تحتوي مراكش على مستويات مختلفة من الفنادق ودور الإقامة، فيها واحد من أفخم فنادق العالم، ومثله قليل، حيث يتجاوز المستويات المتعارف عليها بأربعة نجوم أو خمسة نجوم، يقع فندق المأمونية داخل أسوار المدينة العتيقة، وهو مجاور للقصر الملكي الشهير المعروف بالباهية، أندلسي الطراز، جدرانه مغطاة بالفسيفساء المغربية الشهيرة «الزليج» وأسقف قاعاته وغرفه من أجود أنواع الخشب المنقوش بالزخارف العربية.
ولأهل مراكش شهرة خاصة في صناعة هذه الأسقف، ويشتهر الفندق بحدائقه الفسيحة الغناء، ويؤمه أشهر أثرياء العالم، ويبلغ سعر الإقامة في الغرفة العادية نحو مئتين وخمسين دولارا، أما الأجنحة الخاصة فلها وضع آخر.
في مراكش الآن العديد من فنادق الخمسة نجوم، لكل منها شخصيته المميزة، خصوصاً فندق النخيل الذي يقع وسط غابة النخيل الشهيرة، وعند زيارتي الأولى كان عدد هذه الفنادق محدودا.
ولكن خلال السنوات الأخيرة شهدت مراكش حركة بناء نشطة، ظهرت خلالها عدة فنادق كبرى، ويبلغ متوسط إقامة الفرد من مئة إلى مئة وخمسين دولارا للفرد الواحد في حجرة مفردة، وبالطبع يقل هذا السعر كثيرا بالنسبة للمجموعات.
هناك فنادق من مستوى النجوم الثلاثة، وفنادق شعبية تطل على الساحة الشهيرة بساحة جامع الفناء، والملاحظ أن معظم السائحين القادمين من أوروبا وأميركا يفضلون الإقامة في تلك الفنادق الشعبية التي تقع على حدود المدينة القديمة أو داخلها.
بل إن الفنادق الكبرى الفخمة التي تقع بعيدا عن المدينة القديمة تحاكي طرق البناء العتيق للإيحاء إلى نزلائها بالجو التاريخي.
ولا يخلو فندق بدءا من المأمونية حتى أصغرها من مطعم متخصص في المطبخ المغربي، وهذا له شهرة عالمية تفوق المطبخ الفرنسي والصيني، ويكفي أن نذكر من أطباقه البسيطة، الفطيرة المغربية الشهيرة المحشوة باللحوم واللوز والزبيب والمغطاة بالسكر الناعم، والطواجن الأندلسية الأصل، حتى اللحم أو الحمام مطهو في زيت الزيتون مع المشمش أو العنب أو القراصيا، أما اللوز فلا يخلو منه طبق، أما الكسكسي فيقدم بطرق مختلفة، ويقدم في نهاية المآدب والأفراح، ولكل مدينة مغربية طريقة متميزة في إعداده.