كلما حصلت مشكلة سياسية في الكويت سارعت أطراف حكومية ونيابية إلى تحميل الإعلام جزءا كبيرا من المسؤولية الامر الذي يذكرني بالقصة التالية:
يحكى أن قردا اغتاظ من اسد وكيف ان الاخير كسول يحصل على كل ما يريد من خلال الآخرين ويخيف بقية الحيوانات، فأراد ان يعبر عن غيظه بأن تقدم منه فجأة وصفعه بيده على رقبته وأطلق ساقيه للريح.
لحق به الأسد وهو في غاية الحنق أملا في مسكه وافتراسه. القرد يجري والأسد خلفه يتبعه الى أن تعب القرد قرب مقهى فجلس على أحد كراسيه وارتدى نظارة سوداء وامسك بصحيفة. وصل الاسد ولف لفتين امام القرد ثم سأله: «يا أخ هل شاهدت قردا يجري؟» فرد القرد من دون أن ينظر اليه: «تقصد الذي صفعك على رقبتك؟»، فقال الاسد: «الله يخرب بيت الصحف أمداهم ينشروا الخبر».
لذلك، واستجابة لدعوات ابتعاد الصحف عن التعاطي مع الشأن العام بالشكل الذي يزعج كثيرين وبما أن الجو صيف والسياسة مرتاحة قليلا، رأيت ان اكتب عن امور لا علاقة لها نهائيا بالشأن المحلي الداخلي... فلم اجد اجمل من قصص كليلة ودمنة.
في قصة الثعلب والطبل، أن ثعلبا وصل الى مكان فيه طبل معلق على شجرة، وكلما هبت الريح على أغصان تلك الشجرة حرّكتها فضربت الطبل، فسُمع له صوتٌ عظيم باهر. فتوجه الثعلب نحوه لأجل ما سمع من عظيم صوته فلما أتاه وجده ضخــما، واعتقد انه صيد مليء بالشحم واللحم. تسلق الشجرة وهجم على الطبل ممزقا إياه فلما رآه أجوف لا شيء فيه قال: «لا أدري، لعل أفشل الأشياء أجهرها صوتا وأعظمها جثة».
وقرأت قصة اخرى لا علاقة لها البتة ايضا بالشأن المحلي، هي قصة الاسد وابن آوى والحمار. حيث إن أسدا كان يعيش في غابة صغيرة ومعه ابن آوى (حيوان شبيه بالثعلب) يأكل من فضلات طعامه. فأصاب الأسد جرب وضعف شديدان، وحاول استعادة امجاده بالصيد وافتراس الحيوانات الاخرى كي يعيش لكن صحته لم تعد تسعفه، فقال له ابن آوى: «ما بالك يا سيد الأسباع قد تغيرت أحوالك؟» فأجاب: «هذا الجرب قد جهدني وليس له دواء إلا بأكل قلب حمار واذنيه». فرد ابن آوى: «ما أيسر هذا، وقد عرفت بمكان حمار مع قصار (شخص يغسل الثياب) يحمل عليه ثيابه, وأنا آتيك به». ثم توجه إلى الحمار فأتاه وسلم عليه وقال له: «ما لي أراك مهزولا؟» فرد الحمار: «لسوء تدبير صاحبي، فإنه لا يزال يجيع بطني ويثقل ظهري، وما تجتمع هاتان الحالتان على جسم إلا أنحلتاه وأسقمتاه». فقال له: «كيف ترضى المقام معه على هذا ؟» اجاب: «مالي حيلة للهرب منه فلست أتوجه إلى جهة إلا أضر بي إنسان فكدّني وأجاعني».
فقال ابن آوى: «فأنا أدلك على مكان معزول عن الناس لا يمر به إنسان، خصيب المرعى، فيه قطيع من الحمر ترعى آمنة مطمئنة».
قال الحمار: «وما يحبسنا عنها فانطلق بنا إليها».
انطلق ابن آوى بالحمار نحو الأسد ووضعه قرب مكان اقامته ثم تقدم ودخل عليه, فأخبره بمكان الحمار. فخرج إليه وأراد أن يثب عليه فلم يستطع لضعفه وتخلص الحمار منه فأفلت هلعا، فلما رأى ابن آوى أن الأسد لم يقدر على الحمار قال له: «يا سيد الأسباع أعجزت إلى هذه الغاية؟» فرد الاسد: «إن جئتني به مرة أخرى فلن ينجو مني أبدا». فمضى ابن آوى إلى الحمار وقال له: «ما الذي جرى عليك؟ إن أحد الحُمر رآك غريبا فخرج يتلقاك مرحِّباً بك، ولو ثبتَ لآنسك ومضى بك إلى أصحابه».
فلما سمع الحمار ذلك، ولم يكن رأى أسدا قط، صدق ما قاله ابن آوى وأخذ طريقه إلى الأسد. فسبقه ابن آوى إلى الأسد وأعلمه بمكانه وقال له: «استعد له فقد خدعته لك، فلا يدركـنّـك الضعف في هذه النوبة، فإن أفلت فلن يعود معي أبدا والفرص لا تصاب في كل وقت».
تحمس الأسد لتحريض ابن آوى له، وخرج إلى موضع الحمار، فلما بصر به عاجله بوثبة افترسه بها ثم قال: «لقد ذكر الأطباء أنه لا يؤكل إلا بعد الاغتسال والطهور فاحتفظ به حتى أعود فآكل قلبه وأذنيه وأترك لك ما سوى ذلك قوتــاً لك».
فلما ذهب الأسد ليغتسل عمد ابن آوى إلى الحمار فأكل قلبه وأذنيه رجاء أن يتطير الأسد منه فلا يأكل منه شيئا. ثم إن الأسد رجع إلى مكانه فقال لابن آوى: «أين قلب الحمار وأذناه؟» رد ابن آوى: «ألم تعلم أنه لو كان له قلب يعقل به وأذنان يسمع بهما لم يرجع إليك بعدما أفلت ونجا من التهلكة؟».
قصص جميلة مسلية ابتعدنا فيها تماما عن السياسة كي لا يحملنا احد وزر اخطاء الآخرين... اللهم احمنا من سيئي النية والمصطادين في الماء العكر.
جاسم بودي