خيرالله خيرالله / وليد جنبلاط والمعطيات المختلفة في لبنان

تصغير
تكبير
عاجلاً أم آجلاً سيشكل النائب سعد الحريري حكومته الأولى ولكن استناداً إلى معطيات مختلفة. سيجد اللبنانيون في نهاية المطاف صيغة للتفاهم فيما بينهم، وسيجد كل طرف معني بالسياسة اللبنانية أن عليه القبول بوضع جديد يتمثل في خروج وليد جنبلاط من حركة الرابع عشر من آذار. خرج جنبلاط من الرابع عشر من آذار. هذا واقع لا مفر بعد الآن من التعاطي معه. خرج وليد جنبلاط من الحركة الاستقلالية بصفة كونه زعيماً درزياً بعدما دخلها في العام 2005 بصفة كونه زعيماً وطنياً. هذا الواقع الذي بات يفرض نفسه على لبنان لا يمنع من طرح سؤال في غاية البساطة على الزعيم الدرزي هو الآتي: ماذا سيقول وليد جنبلاط اليوم لرفيق الحريري، ماذا سيقول لسمير قصير، أو لجبران تويني، أو لجورج حاوي، رفيق والده الشهيد. وماذا سيقول أخيراً لكمال جنبلاط نفسه؟
في غضون أسابيع قليلة، وضع السيد جنبلاط اللمسات الأخيرة على عملية تموضعه، وتحول من شخصية ذات دور وطني إلى صاحب دور صغير محصور في وظيفة إيجاد غطاء محلي لسلاح «حزب الله» الذي لا يخدم سوى تكريس لبنان «ساحة» للنزاعات الإقليمية. انها المتاجرة بلبنان واللبنانيين لا أكثر ولا أقلّ بهدف تغطية العجز العربي عن المواجهة مع إسرائيل. من يريد بالفعل خدمة لبنان لا يغطي السلاح غير الشرعي المفترض أن يبحث الزعماء اللبنانيون في مصيره على طاولة الحوار.
كان في استطاعة وليد جنبلاط أن يقول انه غيّر رأيه في موضوع سلاح «حزب الله» الإيراني، وأنه في حاجة إلى مصالحة مع النظام السوري. الجميع يعلم أن الزعيم الدرزي يخشى هذا السلاح، خصوصاً بعدما تبين أن لا وظيفة له سوى أن يكون موجهاً إلى صدور اللبنانيين من جهة، وتأكيد أن بيروت ومناطق أخرى من لبنان ليست سوى مستعمرات إيرانية من جهة أخرى، تماماً كما حال الجزر الإماراتية الثلاث في الخليج التي احتلتها إيران في العام 1971. لم يتغير شيء في السلوك الإيراني. لا يزال النظام في طهران يتصرف بالطريقة ذاتها التي كان يتصرف بها الشاه الراحل. تغيّر النظام ولم يتغيّر السلوك.

أن يغيّر وليد جنبلاط رأيه أمر مبرر. عليه، من وجهة نظره، أن يحافظ على الطائفة الدرزية بصفة كونه رأس العشيرة. انه يعرف تماماً أن عليه تفادي جعل الدروز يدفعون ثمن أي صدام يأخذ طابعاً سنياً- شيعياً على غرار ما حصل في السابع من مايو 2008. في حال حصول مثل هذا الصدام، يخشى جنبلاط أن يتحول الدروز إلى كبش فداء. أولوية الأولويات لدى أي زعيم عشيرة تتمثل في حماية العشيرة. عدد الدروز في لبنان نحو ثلاثمئة ألف وهم يقيمون في قرى تشغل مناطق مهمة ذات طابع استراتيجي من لبنان خصوصاً في قلب الجبل. وتمثل القرى والمناطق الدرزية عائقاً أمام تمدد «حزب الله» الساعي إلى ربط مناطق سيطرته ببعضها البعض عن طريق شبكة طرقات آمنة بالنسبة إليه تخترق مناطق وقرى مسيحية، أو عن طريق توسيع البقعة الجغرافية للضاحية الجنوبية لبيروت في اتجاه الشويفات الدرزية. يضاف إلى ذلك كله اعتماد الحزب إقامة مستوطنات، على الطريقة الإسرائيلية، في هذه المنطقة أو تلك، كما يحصل في محيط جزين مثلاً، بهدف تغيير تركيبة توزيع السكان على المناطق اللبنانية بما يخدم أهدافه البعيدة المدى التي تصب في مصلحة إيران... هذا في حال بقي النظام الإيراني على حاله في ضوء التطورات التي يشهدها البلد منذ الانتخابات الرئاسية التي جرت في الثاني عشر من يونيو الماضي.
من حق وليد جنبلاط أن يخاف وأن يبحث مجدداً عن غطاء سوري. ومن حقه أن يخاف أكثر بعدما وجد من يقنعه بأن المحكمة الدولية التي تنظر في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه ستعتمد في قرارها الظني ما يشبه التحقيق الذي نشرته مجلة «دير شبيغل» الألمانية قبل بضعة أسابيع. ورد في التحقيق أن «حزب الله» يتحمل مسؤولية اغتيال الحريري ورفاقه. هل هذا صحيح أم لا؟ ليس في استطاعة أي مواطن عادي الإجابة عن السؤال، نظراً إلى أن التحقيق الدولي سري... إلى إشعار آخر. لكن وليد جنبلاط يبدو مقتنعاً بأن القرار الظني الذي سيرفعه المدعي العام الدولي إلى المحكمة سيكون نسخة عن تحقيق «دير شبيغل». ما العمل عندئذ، هل من سبيل لتفادي فتنة سنية- شيعية تذكر بما شهده ويشهده العراق منذ العام 2003؟
ليس أمام وليد جنبلاط سوى السعي إلى تحييد الطائفة الدرزية في مواجهة مفترضة يظن أنها شبه أكيدة، علماً أن لا شيء يؤكد ذلك. من حقه أخذ احتياطاته، والتضحية بحلفائه، وهزّ صدقيته، والتمتع بشماتة أعدائه وتعليقاتهم الساخرة على اهتدائه إلى ما يرونه صواباً. ما لا يحق لوليد جنبلاط هو الحديث عن تاريخ لا علاقة له سوى بالهزائم والافتخار به، انه تاريخ عمره ما يزيد على نصف قرن لم تؤد الأحداث التي شهدها سوى إلى سكوت الجبهات العربية وسكونها والتحول إلى لبنان بغية الانتصار عليه. مرة أخرى، إن الانتصار على لبنان ليس بديلاً من الانتصار على إسرائيل، انه بديل من امتلاك ما يكفي من الشجاعة للاعتراف بالهزيمة. فلبنان «الساحة» ليس سوى عنوان لسلسلة من الهزائم العربية يفتخر بها وليد جنبلاط، والذين لم تعد لديهم وظيفة سوى تغطية احتفاظ «حزب الله» بسلاحه... في انتظار هزيمة جديدة تلحق بالوطن الصغير، هزيمة يصفق لها العرب وغير العرب طويلاً ويسمونها انتصاراً مدوياً ما دام الضحايا من أبناء الشعب اللبناني... وما دامت القرى والمدن والمنشآت المدمرة لبنانية صرف!
خيرالله خيرالله
كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي