هل من حق القارئ ان ينتقد الكاتب، يلعنه، يسبه، يكفره، يدوسون ببطنه، وبطن مقالاته؟ واجيب:
على الكاتب ان يؤمن اولا، بانه لايوجد شيء اسمه نقد بناء أو نقد هدام، وعليه الا يدوخ الناس بمقولة «انا اتقبل النقد البناء فقط»، مع انه ليس من حقه ان يرفض اي نقد، سواء كان هداما او بناء، او خياطا، او خبازا، او نجارا... مدحا كان او ذما، شتما او هتافا، رفعا لمقالته على الاكتاف، او رميا بمقالاته الى اقرب سلة مهملات!
ثانيا، على الكاتب ان يؤمن بان ما يكتبه، لايختلف كثيرا عن بائع البطيخ في الشارع، البعض يمر عليه دون ان ينظر اليه، وآخر يقف ويقلب و«يكاسر» في السعر، وآخر يشتري ويدفع مع ابتسامة ودعاء ودموع، وآخر يمر ويشتمه لانه يشوه الطريق والبلد... مادام عرض بضاعته عليه تحمل ردود الفعل، ولااعتقد ان بائع البطيخ سيختار زبائنه «على كيفه»، ويحدد من يشتري منه، وفقا لتوجهاته السياسية، وارائه، وافكاره، وشهاداته العلمية، ومذهبه، بل الزبون هو من يختار بائعه، سيقول البعض ما هذا التشبيه، هل يعقل ان تشبه الكاتب ببائع بطيخ؟ لهذا استدرك القول واعتذر لبائعي البطيخ لهذا التشبيه، فلم اشاهد بائع بطيخ يبيع ذمة وضميرا، او يمارس الطائفية، والفئوية!
ثالثا، على الكاتب ان يعرف-كبائع البطيخ-ان من يمر على مقالاته، ومن يمر على بطيخه، الجمهور بكافة اشكاله، الذكر والانثى، الكبير والصغير، المثقف والجاهل، والذكي والغبي، والقبيح والوسيم، العاهر والمتعبد، المحافظ والمتحرر، المحترمين والاراذل والاوباش، المتقي والمجرم وبائع المخدرات، رجال الدولة ورجال بلا حول ولا قوة، انه كاتب يمر عليه الجميع...وعليه احترام الجميع، انها الديموقراطية التي تساوي بين الجميع في الرأي، ومن يرفض فلن يبيع بطيخة واحدة!
رابعا، على الكاتب ان يعرف بانه لاشيء يخجل في حصول على نوط شتيمة هنا، وسبة هناك، تهديد هنا، وتكفير هناك، الكاتب يكتب حتى يغير، يغير واقعا او يغير فكرة، ومن الطبيعي ان يعارضه الكثير، فالقليل من العباد من يؤمن بالتغيير، والبعض يعتبر الكاتب اخطر من وباء الخنازير، وانجس من الخنزير، وادنى من شعرة على ظهر خنزير، فقط لانه يكتب ما لا يشتهي، او يخالفه الرأي، او يخالفه في دين او مذهب او اصل... ومستعد ان يفجر فيه انتحاريا، لمجرد ان البطيخ لم يعجبه!
خامسا، على الكاتب ان يعرف باننا «حديثو نعمة» بالديموقراطية، يعني مو شايفين خير، ولذلك نمارسها باسوأ طرقها واشكالها، والناس تتعلم في النهاية، صحيح انهم يتعلمون على رؤوسنا الصلعاء -انا لست اصلع- الديموقراطية والحوار، ومع الزمن سينصلح ويرتقي الذوق، وسينبذ الناس طريقة المراهقين في ابداء الاراء، وتقبل الآخر، ويؤمنون بالتعدد... «وايد» متفائل!
واخيرا على الكاتب ان يتواضع قليلا، فهو كاتب مقال صحافي، وليس«كاتب وحي» حتى يتوضأ الناس قبل قراءة مقالاته!
بعد كل حفلة، شتم، وسب... اردد «اغفر لهم انهم لايعلمون»!
***
اعتذر عن الانقطاع المفاجئ لإرسال مقالاتي يوم الخميس الفائت، لظروف خاصة، مع خالص عشقي!
جعفر رجب
JJaaffar@hotmail.com