ياسر قطيشات / الأحواز... القضية المنسية في أجندة الشرق الأوسط
5 أغسطس 2009
12:00 ص
1778
جاءت التطورات السياسية في منطقة الخليج العربي بعد احتلال العراق والتلويح الأميركي باستخدام القوة ضد إيران باعتبارها الطرف الثاني على قائمة «دول محور الشر» الأميركية سابقاً، بالتزامن مع انتفاضة العرب في الأحواز (أو الأهواز) في عام 2003 م، إثر الاعتداءات المهينة التي تعرض لها العرب هناك على يد الشرطة الإيرانية التي أباحت لنفسها حجب الحياة والحرية عن الأقلية العربية في الأحواز بعد تواصلهم الإعلامي مع أشقائهم العرب في المنطقة، وانفتاحهم على الفضائيات العربية والدولية التي بدأت تتعرف شيئاً فشيئاً على قضيتهم.
ومجمل تلك التطورات، إضافة إلى فشل مؤتمرات القمة العربية في وضع حلول علاجية للمشاكل العالقة بين العرب وإيران، تؤكد من جديد على عمق الهوة القائمة في الحوار العربي الإيراني حيال العديد من القضايا العالقة بينهما بدءاً من قضية الجزر الإماراتية التي تحتلها إيران (جزيرة طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى)، ومروراً بقضية عربستان (الأحواز) الغائبة عن ساحة النظام الإقليمي العربي والشرق الأوسط برمته، وصولاً إلى خطر التسلح الإيراني في المنطقة الذي يشكل عامل تهديد قائم لدول الخليج العربي، رغم ما تشهده المنطقة من تغيرات استراتيجية عميقة تبعد احتمال أي تصادم إيراني خليجي في ظل الهيمنة الأميركية على أجندة توازن القوى في الخليج العربي.
وقد مثّل المناخ السائد في العلاقات العربية - الإيرانية، عاملاً في إثارة ملحة حول سر غياب قضية عربستان (الأحواز) عن دائرة الاهتمام العربي والدولي، خصوصاً أن الأوضاع السياسية والأمنية والاجتماعية في الإقليم كانت وما زالت مضطربة نتيجة لعوامل عدة أهمها التفاعلات الصراعية بين إيران والعراق، والمقاومة المتواصلة التي يبديها شعب عربستان، الذي يعد أكبر الشعوب العربية في الخليج العربي بعد الشعبين العراقي والسعودي، حيث يزيد تعدادهُ على عشرة ملايين نسمة، في وجه السياسات الإيرانية الهادفة إلى طمس هويته الثقافية والقومية.
وبدأت قصة معاناة الإقليم في العشرين من إبريل عام 1925 م عندما قامت إيران الشاه باحتلال إقليم الأحواز (عربستان)، بعد أن تم استدراج الشيخ خزعل الكعبي حاكم الإقليم إلى فخ نصب له من قبل قائد الجيش الإيراني الجنرال زهدي من أجل إجراء مباحثات، إلا أن الجنرال زهدي قام باعتقال الشيخ خزعل وتم إيداعه سجون طهران مع مجموعة من مرافقيه حتى عام 1936 حيث تم اغتياله هناك.
ومنذ احتلال الأحواز وحتى اليوم كانت، ومازالت، قضية عربستان أو الأحواز القضية العربية والإقليمية والدولية المغيّبة عن خارطة الشرق الأوسط تارة للطمس الثقافي والقومي الذي تُمارسه إيران ضد هذا الإقليم والعرب القاطنين فيه، وتارة للتجاهل الإعلامي العربي والدولي لهذا الإقليم العربي، وتارة للظروف الإقليمية والعربية التي كانت منشغلة في قضايا أخرى على حساب هذه القضية المهمة في إطار النظام الإقليمي العربي.
ومنذ اليوم الأول للاحتلال قامت الثورات الأحوازية في مواجهة المحتل الإيراني الذي مارس سياسة الأرض المحروقة التي كان يتبعها الاستعمار في ذلك الوقت، فقاموا بتدمير القرى والمدن العربية الأحوازية وتم إعدام الشباب الأحوازي دون أي محاكمة أو فرصة للدفاع عن أنفسهم من أجل إرهاب باقي الأهالي. وحتى الآثار لم تنج من التدمير والتخريب من أجل طمس هوية الأحواز العربية وإنهاء ارتباطها التاريخي بعروبتها وربطها بالتاريخ الفارسي. ولم تكتف الحكومات الإيرانية بذلك بل سعت لعملية التهجير للقبائل العربية المقيمة في الأحواز إلى مناطق الشمال الإيراني واستجلاب سكان هذه المناطق إلى الأحواز وإسكانهم فيها، كما مارست سياسة التجويع للشباب الأحوازي نتيجة انعدام فرص العمل ومن أجل إجباره على الهجرة نحو الداخل الإيراني، أو الهجرة خارج البلاد وفقدهم لهويتهم العربية من خلال ارتباطهم بمعيشتهم وهمومهم الخاصة.
ويمكن القول ان أسباب نكبة الأحواز تتمثل في عاملين: الأول، داخلي والثاني، خارجي.
أما العامل الداخلي: فيتمثل في ضعف بنية أبناء الأحواز بما أصابهم من فقر وجهل ومرض، وانخفاض مستوى المعيشة، وانعدام الوعي السياسي والاجتماعي في زمن إمارة البوكاسب الكعبية، وعدم الشعور بالمسؤولية نتيجة النفوذ الأجنبي من جهة، والحيف الذي لحقهم من حكم الشيخ خزعل وحاشيته من جهة أخرى.
أما العوامل الخارجية: فقد تضافرت في عوامل عدة للإطاحة بإمارة الأحواز العربية، ومن أهم هذه العوامل:
- ظهور النفط في الأحواز سنة 1908 م.
- وصول الشيوعيين بقيادة لينين الى السلطة في روسيا عام 1917، ما شكل تهديدا لمصالح الغرب في الأحواز ومنطقة الخليج العربي.
- ظهور رضا خان بهلوي في السلطة في فارس والذي يمثل العنصرية الفارسية المعادية للقومية العربية.
- تأييد الإنكليز الصريح للاحتلال الفارسي لقطر الأحواز.
- الموقف المتفرج الذي وقفه الحكام العرب من إمارة الأحواز (عربستان) بسبب السيطرة البريطانية.
وتكتسب قضية الأحواز العربي اليوم، بعد تفاقم الصراع الدائر على أرض العراق المحتل، أهمية خاصة لدى المحتل الإيراني، فالمؤسسات الإيرانية تشارك بشكل مباشر في احتلال العراق، وتساهم إلى جانب قوات الغزو الأميركية والبريطانية في محاربة الشعب العراقي، كما تقوم إيران عبر بعض القوى العراقية الشعوبية في تدمير مقدرات وإمكانات الدولة العراقية وإبادة سكانه، وتعمل وعملاؤها العراقيون على تمزيق هذا البلد العربي وتقسيمه لدويلات لإفشال أي جهود ممكنة لتوحده من جديد، وبالتالي إضعاف مقاومة الشعب الاحوازي على الجانب الآخر من ساحل الخليج من تحقيق حلم الاستقلال والانفصال عن بلاد فارس.
فالأحواز الوطن العربي التوأم للعراق المحتل أصبح من أهم ساحات الصراع العربي الإيراني، ومن خلال شعبه وأرضه يقرر مستقبل تلك العلاقات المزمنة والمتوترة باستمرار، ويجب على الدول العربية أن تدرك حقيقة أن تحقيق استقلال العراق التام، وحل قضية الأحواز العربية بشكل كامل، وإعادة الجزر الإماراتية المحتلة، وتحجيم دور التدخل الإيراني في الشؤون العربية، هي السبل الكفيلة لحوار عربي إيراني يؤسس لتحالف استراتيجي بينهما.
خلاصة القول مما سبق، ان التاريخ السياسي لعربستان تاريخ حافل برفض الخضوع أو الاعتراف بالحكم الإيراني عليه، لإدراك العرب الأحواز حقهم التاريخي والثقافي والقومي في عروبة هذا الإقليم، وحقهم في تقرير المصير والاستقلال عن الجمهورية الإيرانية التي لم تختلف في عنفها وسلوكها البشع مع العرب هناك عن نظام الشاه الذي أباح لنظامه البائد القتل والتنكيل والسحل بأبناء عربستان دون وجه حق، ولعل ما يطلبه أهل عربستان هو فقط الوقوف والتضامن معهم كأضعف الإيمان، وإن لم يكن من باب العروبة والقومية، فمن باب الشعور الإنساني البحت على الأقل.
ياسر قطيشات
كاتب أردني. وهذا المقال بالتعاون مع «مشروع منبر الحرية»
www.minbaralhurriyya.org
ومجمل تلك التطورات، إضافة إلى فشل مؤتمرات القمة العربية في وضع حلول علاجية للمشاكل العالقة بين العرب وإيران، تؤكد من جديد على عمق الهوة القائمة في الحوار العربي الإيراني حيال العديد من القضايا العالقة بينهما بدءاً من قضية الجزر الإماراتية التي تحتلها إيران (جزيرة طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى)، ومروراً بقضية عربستان (الأحواز) الغائبة عن ساحة النظام الإقليمي العربي والشرق الأوسط برمته، وصولاً إلى خطر التسلح الإيراني في المنطقة الذي يشكل عامل تهديد قائم لدول الخليج العربي، رغم ما تشهده المنطقة من تغيرات استراتيجية عميقة تبعد احتمال أي تصادم إيراني خليجي في ظل الهيمنة الأميركية على أجندة توازن القوى في الخليج العربي.
وقد مثّل المناخ السائد في العلاقات العربية - الإيرانية، عاملاً في إثارة ملحة حول سر غياب قضية عربستان (الأحواز) عن دائرة الاهتمام العربي والدولي، خصوصاً أن الأوضاع السياسية والأمنية والاجتماعية في الإقليم كانت وما زالت مضطربة نتيجة لعوامل عدة أهمها التفاعلات الصراعية بين إيران والعراق، والمقاومة المتواصلة التي يبديها شعب عربستان، الذي يعد أكبر الشعوب العربية في الخليج العربي بعد الشعبين العراقي والسعودي، حيث يزيد تعدادهُ على عشرة ملايين نسمة، في وجه السياسات الإيرانية الهادفة إلى طمس هويته الثقافية والقومية.
منذ 14 ساعة
منذ 14 ساعة
وبدأت قصة معاناة الإقليم في العشرين من إبريل عام 1925 م عندما قامت إيران الشاه باحتلال إقليم الأحواز (عربستان)، بعد أن تم استدراج الشيخ خزعل الكعبي حاكم الإقليم إلى فخ نصب له من قبل قائد الجيش الإيراني الجنرال زهدي من أجل إجراء مباحثات، إلا أن الجنرال زهدي قام باعتقال الشيخ خزعل وتم إيداعه سجون طهران مع مجموعة من مرافقيه حتى عام 1936 حيث تم اغتياله هناك.
ومنذ احتلال الأحواز وحتى اليوم كانت، ومازالت، قضية عربستان أو الأحواز القضية العربية والإقليمية والدولية المغيّبة عن خارطة الشرق الأوسط تارة للطمس الثقافي والقومي الذي تُمارسه إيران ضد هذا الإقليم والعرب القاطنين فيه، وتارة للتجاهل الإعلامي العربي والدولي لهذا الإقليم العربي، وتارة للظروف الإقليمية والعربية التي كانت منشغلة في قضايا أخرى على حساب هذه القضية المهمة في إطار النظام الإقليمي العربي.
ومنذ اليوم الأول للاحتلال قامت الثورات الأحوازية في مواجهة المحتل الإيراني الذي مارس سياسة الأرض المحروقة التي كان يتبعها الاستعمار في ذلك الوقت، فقاموا بتدمير القرى والمدن العربية الأحوازية وتم إعدام الشباب الأحوازي دون أي محاكمة أو فرصة للدفاع عن أنفسهم من أجل إرهاب باقي الأهالي. وحتى الآثار لم تنج من التدمير والتخريب من أجل طمس هوية الأحواز العربية وإنهاء ارتباطها التاريخي بعروبتها وربطها بالتاريخ الفارسي. ولم تكتف الحكومات الإيرانية بذلك بل سعت لعملية التهجير للقبائل العربية المقيمة في الأحواز إلى مناطق الشمال الإيراني واستجلاب سكان هذه المناطق إلى الأحواز وإسكانهم فيها، كما مارست سياسة التجويع للشباب الأحوازي نتيجة انعدام فرص العمل ومن أجل إجباره على الهجرة نحو الداخل الإيراني، أو الهجرة خارج البلاد وفقدهم لهويتهم العربية من خلال ارتباطهم بمعيشتهم وهمومهم الخاصة.
ويمكن القول ان أسباب نكبة الأحواز تتمثل في عاملين: الأول، داخلي والثاني، خارجي.
أما العامل الداخلي: فيتمثل في ضعف بنية أبناء الأحواز بما أصابهم من فقر وجهل ومرض، وانخفاض مستوى المعيشة، وانعدام الوعي السياسي والاجتماعي في زمن إمارة البوكاسب الكعبية، وعدم الشعور بالمسؤولية نتيجة النفوذ الأجنبي من جهة، والحيف الذي لحقهم من حكم الشيخ خزعل وحاشيته من جهة أخرى.
أما العوامل الخارجية: فقد تضافرت في عوامل عدة للإطاحة بإمارة الأحواز العربية، ومن أهم هذه العوامل:
- ظهور النفط في الأحواز سنة 1908 م.
- وصول الشيوعيين بقيادة لينين الى السلطة في روسيا عام 1917، ما شكل تهديدا لمصالح الغرب في الأحواز ومنطقة الخليج العربي.
- ظهور رضا خان بهلوي في السلطة في فارس والذي يمثل العنصرية الفارسية المعادية للقومية العربية.
- تأييد الإنكليز الصريح للاحتلال الفارسي لقطر الأحواز.
- الموقف المتفرج الذي وقفه الحكام العرب من إمارة الأحواز (عربستان) بسبب السيطرة البريطانية.
وتكتسب قضية الأحواز العربي اليوم، بعد تفاقم الصراع الدائر على أرض العراق المحتل، أهمية خاصة لدى المحتل الإيراني، فالمؤسسات الإيرانية تشارك بشكل مباشر في احتلال العراق، وتساهم إلى جانب قوات الغزو الأميركية والبريطانية في محاربة الشعب العراقي، كما تقوم إيران عبر بعض القوى العراقية الشعوبية في تدمير مقدرات وإمكانات الدولة العراقية وإبادة سكانه، وتعمل وعملاؤها العراقيون على تمزيق هذا البلد العربي وتقسيمه لدويلات لإفشال أي جهود ممكنة لتوحده من جديد، وبالتالي إضعاف مقاومة الشعب الاحوازي على الجانب الآخر من ساحل الخليج من تحقيق حلم الاستقلال والانفصال عن بلاد فارس.
فالأحواز الوطن العربي التوأم للعراق المحتل أصبح من أهم ساحات الصراع العربي الإيراني، ومن خلال شعبه وأرضه يقرر مستقبل تلك العلاقات المزمنة والمتوترة باستمرار، ويجب على الدول العربية أن تدرك حقيقة أن تحقيق استقلال العراق التام، وحل قضية الأحواز العربية بشكل كامل، وإعادة الجزر الإماراتية المحتلة، وتحجيم دور التدخل الإيراني في الشؤون العربية، هي السبل الكفيلة لحوار عربي إيراني يؤسس لتحالف استراتيجي بينهما.
خلاصة القول مما سبق، ان التاريخ السياسي لعربستان تاريخ حافل برفض الخضوع أو الاعتراف بالحكم الإيراني عليه، لإدراك العرب الأحواز حقهم التاريخي والثقافي والقومي في عروبة هذا الإقليم، وحقهم في تقرير المصير والاستقلال عن الجمهورية الإيرانية التي لم تختلف في عنفها وسلوكها البشع مع العرب هناك عن نظام الشاه الذي أباح لنظامه البائد القتل والتنكيل والسحل بأبناء عربستان دون وجه حق، ولعل ما يطلبه أهل عربستان هو فقط الوقوف والتضامن معهم كأضعف الإيمان، وإن لم يكن من باب العروبة والقومية، فمن باب الشعور الإنساني البحت على الأقل.
ياسر قطيشات
كاتب أردني. وهذا المقال بالتعاون مع «مشروع منبر الحرية»
www.minbaralhurriyya.org
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي