أخذ محافظ موسكو في نهايات القرن التاسع عشر يترجى أحد رجال الأعمال من أجل التبرع لمشروعات جديدة في العاصمة، وكان الرد: إذا أردت أن ترى لون نقودي عليك الانحناء أمامي ثلاث مرات. ولم يكن هناك مانع لدى المحافظ في أن ينحني أمام رجل الأعمال للحصول على مليون روبل. ولكنه تقدم بهذا الاقتراح الغريب: وكم تدفع لو انحنيت أمامك بكامل ملابسي الرسمية مزينة بالنياشين، وبدا الأمر مغرياً لرجل الأعمال الذي صاح فخوراً: ثلاثة ملايين روبل.
سؤال لا يزال يؤرق الغيورين على ما تبقى من اللحمة الوطنية ومكوناتها: ما العلاقة بين المال والسلطة والإعلام؟
نسمع ونقرأ كغيرنا أن المال السياسي دخل المجال الإعلامي وأفسد فضاءه، كما أفسد النسق الاجتماعي من قبل خلال الانتخابات الماضية.
والمتابع لبعض الوسائل الإعلامية يدرك حجم التلوث الذي تثيره منهجيتها وخططها في الجو الكويتي العام السياسي منه والاجتماعي على حد سواء.
يظهر ذلك جلياً من خلال أساليب الطعن والهمز واللمز الذي تنتهجه هذه الوسائل، والتي تطرب محبي الإثارة والتصفيق من مراهقي السياسة والمتطفلين على الإعلام النزيه، ويزداد الأمر سوءاً عندما يصل الطعن بهوية ووطنية عباد الله. ويصل الإسفاف مداه عندما يتم الطعن في نواب الأمة وممثليها الدستوريين.
اللغط المنتشر هذه الأيام في بعض وسائل الإعلام لا ينبغي أن نصفه بالإعلام الفاسد على وجه التعميم. وهذا من باب الإنصاف. فهناك أمناء للكلمة ممن يحترمون مهنتهم وهم كثر والحمد لله، كما أن متطفلي الإعلام ومحبي الإثارة والراقصين على جراح الآخرين بحثاً عن الشهرة أو المال الحرام على حساب الحقيقة وصدق الخبر سيلفظهم الشارع وسيمجهم العقل العام ولو بعد حين.
سؤال يتردد كثيراً مفاده: هل صحيح أن الخلاف والنزاع لا يبدأ إلا بعد النصر والنجاح؟ لأن نزاع المصالح يأخذ عند ذلك بالظهور.
لكن هذا النزاع الدائر اليوم وفقاً للسؤال المطروح يصبح وهماً. ذلك أنه لا نصر ولا نجاح في ظل المشكلات الراهنة، ومنها مشكلة البدون والتجنيس، ومشكلة الصحة وتردي مستواها، فضلاً عن الوضع المعيشي العام في البلد، وقضايا المال العام وما أكثرها!
إذن لماذا هذا النزاع طالما أننا نعيش حالة الفوضى وعدم الاستقرار؟
الذين يريدون الوصول إلى الشهرة والثراء غير المشروع يذكرونني بالممثل الكوميدي نجيب الريحاني في أحد أفلامه عندما برر السير في هذا الطريق بقوله «لازم نطاطي نطاطي نطاطي عشان نعلى ونعلى ونعلى»... فهو يبرر طأطأة الرأس وانحناء الظهر حتى يتقدم ويعلو ويسابق الآخرين من دون التفات للقيم والأعراف العامة.
التسيب المقيت جعل أدعياء الإعلام، ومثيري الفتن المطأطئين خدمة لأغراض السادة المفسدين والمضحين بدم الوطن والأمة، وإغراق البلد في صراعات وهمية عناصرها بعض نواب الأمة، وتجار، وغيرهم، فأين وزارة الإعلام من دورها الرقابي على المؤسسات أو الشركات المرخص لها كافة، سواء كانت صحيفة أو أي وسيلة إعلامية أخرى؟
د. مبارك الذروة
أكاديمي وكاتب كويتي
maltherwa@yahoo.com