د.عبداللطيف الصريخ / زاوية مستقيمة / الملك لير في مواجهة تمثال الحرية

تصغير
تكبير
ألقيت عصاي في آخر محطة في الخط الأحمر لمترو الأنفاق في المدينة الساحرة مانهاتن، حيث منطقة ساوث فيري المقابلة للجزيرة التي يوجد بها تمثال الحرية، المهم أني جلست أتأمل البحر، والناس بين صائد للسمك، وبين مزاول لرياضة المشي والجري، وآخرون يتحدثون، أما أنا فأخذني الخيال بعيداً وأنا أطالع تمثال الحرية!
أقولها بصراحة انني شعرت بالغبن، وأحسست بدمعة حائرة تدور في عيني، تريد أن تنزل ولكنني مارست طقوس القهر والاستعباد لأمنعها حتى لا يراها الناس، ولكنها خرجت رغماً عن أنفي، ورغم أنف القهر والتسلط الذي يزاوله الكثيرون في عالمنا، أقول قولي هذا وأنا من بلد يتمتع أهله وكتابه وصحافيوه بهامش كبير من الحريات على كل المستويات.
تمثال الحرية رمز لقيمة سامية، وعظمته ليست بسبب روعة بنائه فقط، رغم أنه كذلك، بل برمزيته لمعنى عظيم يجب أن يستقر في نفوس البشر، إنها الحرية التي طالما قاتل من أجلها الرازحون تحت الاحتلال والاستبداد، وضحوا من أجلها بالغالي والنفيس، ولكن ما الفائدة إذا خرج المتسلط الأجنبي، وخلّف من ورائه مستبدا من أبناء البلد.
لو كان الأمر يقف عند هذا الحد لقبلنا به، ولكن أن تختفي قيمة الحرية في نفوس الناس، وفي تعاملاتهم، في الدوائر الحكومية، في البيوت، بين الزوج وزوجته، بين الأب وابنه، بين الأخ واخته، عندئذ تكون الطامة، ويتجذر الاستعباد في قالب جميل من الحرية!
فجأة وبدون مقدمات... وأثناء تأملي تمثال الحرية! وإذا بصرخة قوية تأتي من اليمين هناك حيث يتجمهر الناس، وإذا بفرقة مسرح متنقل تؤدي مسرحية «الملك لير»، والتي تطرح مفهوم كسر قيود الاستعباد وأهمية الحرية، فرقة بكامل طاقمها وتجهيزاتها، والمتابعون لها فاقوا 200 شخص، النص كان مكتوباً باحتراف، والأداء يفوق (أجدعها) فرقة مسرح لدينا، والعجيب أنهم تنقلوا بنا من مكان إلى آخر في الحديقة بشكل انسيابي، يدعوك للدهشة والمتعة.
إنها الحرية يا سادة... عندما تتواجد في العقول تجد الإبداع في أبهى صوره.
في الأفق
قال أحمد شوقي:
وللحرية الحمراء باب
بكل يد مضرجة يدق


د.عبداللطيف الصريخ

مستشار في التنمية البشرية
alsuraikh@yahoo.com



الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي