وهم الأمن المطلق

تصغير
تكبير



يقول قانون باركنسون إنه كلما كانت المادة التي يبحثونها في جلسة الادارة هامشية اكثر، وأقل أهمية من ناحية الميزانية وأكثر فهماً للجميع – مثل نفقة قسم الشاي – كان بحثها أطول وأكثر حماسة. لو عاش الأستاذ باركنسون في القدس فمن المؤكد أنه كان سيضيف مادة الى القانون: «عندما تظهر المادة المبحوثة تحت عنوان (شؤون الأمن)، فتجب مضاعفة المعادلة التي أقررتها بعشرة اضعاف ومضاعفة ميزانية القرار».

811 مليون شيكل في الأعوام الخمسة القريبة. هذا هو القرار الذي اتخذ منذ أيام في جلسة واحدة للحكومة، وهذا هو المبلغ – الابتدائي لأن المبلغ في هذه الشؤون ابتدائي دائما – الذي سينفق في الأعوام القريبة على نظام «القبة الحديدية»، وهي الخطة الدفاعية بالصواريخ المضادة للصواريخ للمدى القصير. حتى لقد قصر وزير الدفاع الذي تحدث قبل نحو من نصف عام عن «مدة ثلاثة أعوام الى خمسة أعوام» سيكون لإسرائيل في نهايتها نظام دفاع «متعدد الطبقات» في مواجهة السلاح المائل المسار، قصر زمن المدة: الى عامين ونصف العام. أي السقف الأدنى للجدول الزمني المتفائل جدا الذي تحدث عنه مع دخوله عمله.

في جدل من هذا النوع يتمتع جانب واحد دائماً بامتياز المعرفة: لو فهمت شيئا ما في التكنولوجيا، يقول لمعارضه لكنت تعلم أن كل شيء ممكن. يصبح امتياز المعرفة التكنولوجية مطلقا عندما تكون الامور ما تزال بمنزلة فحص أولي، وافكار على الورق لا يعلم أحد كيف ستبدو في الواقع. حتى أن اكثر العلماء تفاؤلاً في رفائيل لا يستطيع ان يقول اليوم سوى انه يعتقد ان الأمر سينجح. من يستطيع الجدل في هذه الظروف.

لا يوجد لكثيرين من أولئك الذين يشكون في «القبة الحديدية» ومن المحقق انه لا يوجد لي معلومات كافية. ليس لنا إلا ان نقتبس مما يقول المنافسون: إذا كان يوجد شيء من الحقيقة في ما زعم مؤيدو نظام الليزر «نائوتيلوس» المضاد لـ «القبة الحديدية» والعكس، فواها على الوقت وعلى المال. وفوق ذلك بقي أيضاً المنطق السليم الذي يقول انه حتى لو اصبحت «القبة الحديدية»، بفضل العقل المحموم والقدرات المثبتة لاناس رفائيل، «نظام الدفاع الأفضل في العالم» (وهو الاسم الذي يلصق صباح مساء بالمنتوجات الامنية التي تنتجها اسرائيل، ويحدث إيماناً سحرياً بقدراتها نهايته مرة وانظروا إلى ما حدث لدبابات الميركافا في حرب لبنان الثانية)، آنذاك أيضاً أشك ان تحل تماما أو حتى بقدر كبير خطر السلاح المائل المسار من المناطق. ومن المؤكد انها لن تغير معناه التكتيكي والاستراتيجي.

من المعتاد في الجيش الاسرائيلي التحدث عن الإرهاب بـ «مصطلحات الأعداد الكبيرة»: عندما تنجح عملية واحدة فمن ذا يذكر كم من العمليات أحبط. في حالة «القبة الحديدية»، ستكون نسب نجاح إصابات الصواريخ وقنابل الرجم على حسب اكثر التقديرات تفاؤلاً أكبر كثيراً من نسب نجاح المخربين المنتحرين. كان يصعب على اساس كهذا تجنيد مليار شيكل لخمسة أعوام من مستثمر ليس هو حكومة إسرائيل، في جلوسها كلجنة سن الميزانيات للشؤون الأمنية.

ليس الإعلان بـ«القبة الحديدة» سوى خطوة يأس لمجتمع يصر على التمسك بما سماه الأستاذ عمانوئيل فيلد الراحل ذات مرة «وهم الأمن المطلق»، وحكومة بدلاً من أن تواجه الواقع باستقامة، تعطي مواطنيها الأدولان على هيئة وعود بحل سحري تكنولوجي يبقينا أصحاء وأغنياء أيضاً. بعد ذلك سيبينون لنا انه لا يوجد البتة نجاح كامل، وسيحدثوننا كم قدم البحث للصناعة الإسرائيلية عموماً، وسيعدوننا بشيء جديد بعد عامين ونصف العام. ما بقينا نبتلع قانون باركنسون هذا فلا سبب يدعو السلطة الى عدم الاستمرار في السلوك حسبه.


عوفر شيلح


كاتب دائم في الصحيفة

«معاريف»

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي