تقرير / ميشا وردة: جمعية «السبيل» تنشط في سبيلها المكتبات العامة اللبنانية



تأسست المكتبة الوطنية في لبنان في العام 1921 حين وهب المؤرخ الفيكونت فيليب دو طرزي مجموعته الشخصية المؤلفة مما يزيد على 200 الف مؤلف وثلاثة آلاف مخطوطة قيّمة، بالاضافة الى الاعداد الاولى من الدوريات المنشورة في المنطقة التي تعتبر وثائق بالغة الاهمية بالنسبة الى تاريخ الصحافة العربية والشرق اوسطية. وشكلت هبته نواة «مكتبة بيروت الكبرى». وفي العام 1924 صدر قانون الايداع التجاري، الذي يفرض على جميع الناشرين ايداع نسختين من كل ما ينشر او يعاد نشره، مما وفر للمكتبة مصدر اثراء لتعزيز مكانتها، فتحولت تدريجياً مركزاً مهماً يجتذب الباحثين والاكاديميين والطلاب. لكن ذلك العصر الذهبي انطفأ مع قسوة العام 1975 عند اندلاع الحرب اللبنانية التي استمرت 15 عاماً. عشية ذاك التاريخ كانت المكتبة تحتوي على اكثر من 200 الف وثيقة مطبوعة او مخطوطة ومجموعة قيّمة من الوثائق التاريخية، وفي العام 1979 تجمّد نشاط المكتبة بعدما اصدرت الحكومة اللبنانية مرسوماً قضى بتجميد نشاطات المكتبة، ونقلت محتوياتها الى مبنى الاونيسكو، ومن ثم الى سن الفيل حيث تم تخزينها في ظروف سيئة، وانتهت في مستودعات الجامعة اللبنانية في الحدث، من بعدها الى مقرها الموقت في المنطقة الحرة من مرفأ بيروت، حتى نقلت الى مبنى الحقوق في الجامعة اللبنانية في الصنائع مقرها النهائي، عملاً بالمرسوم الصادر عن مجلس الوزراء.
وفي يناير من العام 2003، انطلق مشروع اعادة تأهيل المكتبة الوطنية، الذي شارف الانتهاء وتقرّر افتتاحها بعد وصول هبة من دولة قطر، الا ان الظروف السياسية الاخيرة التي شهدها لبنان والحالة الامنية المتدهورة ادّت الى تأخير افتتاح المكتبة الوطنية.
ومع اعلان بيروت عاصمة للكتاب للعام 2009 ثمة مفارقة هي غياب المكتبة الوطنية، الا ان العمل يتم من قبل جمعية «السبيل» لانشاء شبكة مكتبات عامة في لبنان تتوزع في مختلف المناطق اللبنانية من دون اي تفرقة طائفية او مناطقية، وتحضّر لمشاريع ثقافية متنقلة بين كافة المناطق اللبنانية من خلال مشروع مكتبات متنقلة في باص.
«الراي» التقت رئيسة جمعية «السبيل» ميشا وردة وأعدّت التقرير التالي حول عمل الجمعية وأهدافها ونشاطاتها المستقبلية:
•علاقة جمعية السبيل بالمكتبات اللبنانية وتنظيمها قديمة. كيف بدأت؟
- بعد الحرب اللبنانية، وتلبية لحاجات الجماعة ومتطلبات التطور التكنولوجي ومجتمع المعلومات، وفي غياب تقليد المطالعة العامة والمبادرات الرسمية على الصعيد التربوي، ولمواجهة الحاجة لخلق بيانات للجميع بهدف الوصول الى المعرفة والثقافة، نظمت «جمعية السبيل ـ اصدقاء المكتبات العامة» اول مؤتمر حول المطالعة العامة في ديسمبر من العام 1999 في بيروت.
وولدت خلال هذا المؤتمر شبكة المكتبات العامة في لبنان وأعطت لنفسها مهمة رئيسية وهي تطوير وتوجيه المكتبات العامة في لبنان، وتتلخّص مهمة الجمعية بتطوير وتوجيه المكتبات العامة بحسب مبادئ شرعه الاونيسكو الصادرة عام 1994، واكتسبت شبكة المكتبات العامة تدريجياً هيكلية مركزية تسمح لها بالتعاون والتبادل من خلال ترابطها مع جمعية السبيل.
•ما المهام الرئيسية التي تقوم بها الجمعية؟
- تقوم الجمعية بتنمية شبكة المكتبات العامة وتلتزم الجمعية بتطوير شبكة المكتبات العامة من خلال تركيز عملها حول اربعة محاور رئيسية ابرزها المساعدة على اقتناء الكتب والتدريب حيث تنظم الجمعية دورات تدريبية تخصص لتنمية قدرات ومعارف الجمعيات التي تدير وتنشط المكتبات.
وتتوجه هذه الدورات ايضاً الى المعلمين بهدف مساعدتهم على استخدام المكتبة والادوات المساعدة في الوصول الى المعرفة واثراء الثقافة وتمكين الاولاد من البحث العلمي وتنظم الجمعية نشاطات مشتركة بين جميع المكتبات حول مواضيع المطالعة العامة، والمواطنية وحقوق الانسان ومبادئ الخدمات العامة.
وتمارس الجمعية دورها كمستشارة وخبيرة لدى المكتبات الناشبة او تلك التي تكون بحاجة الى المساعدة في مجالات الادارة والنشاطات حول المكتبات.
وتعمل الجمعية على التعاون والتبادل بين القارئ والمكتبة من خلال الاستفادة اكبر قدر ممكن من الكتب.
•كيف حصل التطور من فكرة الى مشروع الى شبكة؟
- المشروع بدأ من خلال عمل جمعية السبيل خلال نشاطات معرض بيروت للكتاب العربي والدولي، حيث قامت الجمعية بتجميع الكتب والاحتفاظ بها وتوثيقها، وتم الاتصال ببلدية بيروت لتوضيح الهدف من انشاء المكتبات العامة في لبنان، وان تكون مكتبات مجانية تلتزم بان تفتح ابوابها امام الجميع، دون اي تفرقة عنصرية او عرقية او جنسية او عمرية، وتسمح للطالب بالاعارة الى المنزل، وتتعهد الجمعية بأن تكون المكتبة التي تنشئ المشروع مجانية او تتطلب من القارئ اشتراكاً رمزياً، لا يتعدى العشرين الف ليرة، ولا تمارس اي نوع من الرقابة الذاتية.
•هل من دعم اجنبي للعمل المكتبي؟
- تتلقى جمعية السبيل الدعم من قبل المجلس الاقليمي الفرنسي لدعم الثقافة الذي دخل في السابق بمعاهدة مع بلدية بيروت بهدف تمويل كل المشاريع الثقافية وتطوير المكتبات في بيروت وساهمت بلدية بيروت في تقديم المكان، فقامت جمعية السبيل بعملية ترميم المكان وتجهيزه بالمفروشات اللازمة والكتب، وبدأت الانطلاقة لافتتاح اول مكتبة في العام 2001، وشهدت المكتبة العامة في منطقة الباشورة في مبنى الاطفائية الطابق الثالث اقبالاً كثيفاً، وتعاونت مع المدارس الرسمية حتى بلغ عددها حوالي 23 مدرسة رسمية جوار منطقة الباشورة، وغالبيتها مدارس لا تمتلك مكتبات مدرسية. وموّلت المؤسسة الالمانية للكتاب هانريش بول نشاطات الجمعية، فتناولت ندوات حول حقوق المرأة والعمالة الاجنبية وتلتها امسيات موسيقية كلاسيكية عربية للفنان الياس سحّاب وكلاسيكية غربية للفنان بشير صفير بالاضافة الى قراءات شعرية، ونشاطات اسبوعية من سينما حيث يتم عرض فيلم واحد كل شهر وموسيقى وشعر.
وكل عمل او نشاط تنظمه الجمعية يموّل من خلال دعم جهات ثقافية معينة من فرنسا والمانيا (REGIONIL DE FRANCE - HEINRICH BOLL FONDATION).
•ما نشاطاتكم أيضاً؟
- تتوزع شبكة مكتبات السبيل في مختلف المناطق اللبنانية وهناك مناطق بحاجة الى دعم اكثر من مناطق اخرى، فتقوم الجمعية بتزويد المكتبات بعدد اكبر من الكتب وتأمين الحاسوب الالكتروني وتزويده بشبكة الانترنت لمساعدة الطلاب في اعداد الابحاث المدرسية، او البحث عن جامعات عالمية او وظائف مطلوبة.
وفي العام 2004 تم افتتاح مكتبة جديدة وهي الثانية بعد الباشورة، في منطقة الجعيتاوي في حديقة اليسوعية وهي تتسم بطابع اثري فيستمتع القارئ بالجلوس على المقاعد الخشبية في الحديقة حيث تحوطه الاشجار والمعمار التراثي ويستمتع بزقزقة العصافير ورائحة الورود وهو يتصفح الكتاب.
وستبصر النور قريباً مكتبة عامة ثالثة بالاشتراك مع بلدية بيروت في مركز مونو (بعد مكتبتي الباشورة والجعيتاوي) ويجري درس اعادة احياء ثلاث مكتبات عامة في الجنوب.
وقامت الجمعية بدراسات اجتماعية للمناطق اللبنانية حول حاجتها للتنمية المكتبية، حيث سيتم افتتاح مكتبات في مختلف المناطق اللبنانية (الطريق الجديدة، عائشة بكار، سن الفيل) في شهر مارس 2008.
وتستمر الجمعية في خدمة المكتبات المدرسية من خلال تعزيز العمل التوثيقي الذي بدأته السنة الماضية مع ثماني مدارس ويستكمل هذا العام مع 16 مدرسة رسمية وعشر مكتبات عامة في بيروت والمناطق.
•هل من مشاريع مستقبلية؟
- تحضّر جمعية السبيل مشروع «مكتبات متنقلة في باص BIBLIOBUS» تصل الى قرى الجنوب والضاحية الجنوبية وتقوم الفكرة من خلال المكتبات المتنقلة، على نشر باصات في عدد من المناطق اللبنانية، ويحوي كل منها ثلاثة آلاف كتاب، ينطلق سائقها كل صباح من مركزه الرئيسي ويجوب القرى والمدارس، حيث تقام النشاطات على الشارع من قراءة القصص للاطفال، وتعار وتقدم احياناً. وموّلت البعثة الثقافية الفرنسية في لبنان المشروع حيث قدمت الباص الاول وهو التابع للجنة دير القمر الثقافية وتنتظر الجمعية الباص الثاني ولم يتم تحديد عدد الباصات وموعد بدء المشروع لان الامر مرتبط بالتمويل.
وقدمت لجنة اليونيسكو المرأب حيث ستركن الباصات في الليل وتنطلق منها صباحاً، وفيما يأخذ الطالب الكتاب من منطقة معينة يعود الباص بعد اسبوعين ليستعيد الكتاب بعد ان يكون قد وزّع الكتب على بقية المناطق اللبنانية.
•ما شروط الانتساب الى شبكة السبيل؟
- حددت جمعية السبيل شروط الانتساب الى شبكتها، وذلك في ان تتوافر المساحة لاقامة المكتبة، وان يتوافر ثلاثون مقعداً على الاقل وثماني طاولات وتأمين الاعارة خارج المكتبة وتوفير مساحة خاصة للاطفال.