مرة أخرى... رائحة الفلافل

تصغير
تكبير
لم ترسم حتى الآن أي خطة أميركية، ولم يطلق أي تصريح مفصل، ولم تكتب أي وثيقة. إذا كانت هناك سياسة أميركية فهي مثابة «مؤشرات دالة»، مثلما هي الحال قبل تسونامي. هكذا مثلاً، يمكن الاستنتاج من خطاب أوباما بأنه مستعد لأن يمنح «حماس» الفرصة للانضمام إلى المسيرة السياسية إذا ما اعترفت بإسرائيل، ليس كدولة يهودية بل مجرد كدولة. العلاقات بين الولايات المتحدة وسورية قد تغيرت منذ الآن، موظفون كبار وسناتوريون زاروا دمشق وحتى الإعلان عن تعيين سفير أميركي بعد أربعة أعوام من غيابه. دولة فلسطينية هي المحور الذي تدور حوله سياسة أوباما وإن لم يفصل ما هي طبيعة تلك الدولة، وفقط في موضوع واحد واضح الموقف الأميركي: لا لمزيد من المستوطنات بعد اليوم.
لا لمزيد من المستوطنات بعد اليوم، وماذا؟ سفير في سورية، وماذا بعد؟ أو لن يعرضوا علينا خطة كاملة يمكننا أن نعارضها، على الأقل أن نطلق عليها 87 تحفظاً؟ يبدو أن هذه بالضبط هي الخطة. قطعة إثر قطعة سيتعين على إسرائيل أن تتعقب الولايات المتحدة والدول العربية. تنازل وبعده تنازل، كي لا يبدو الثمن مبالغاً فيه، فيما تنثر في الطريق الهدايا أيضاً. مثلاً، في الأسبوع الماضي قرر وزراء خارجية الجامعة العربية تشجيع إسرائيل على التقدم. وهم مستعدون خلافاً لموقفهم السابق، منحها بادرات تطبيع حتى قبل الانسحاب الكامل. سورية أيضاً بدأت تدفع: فقد أظهرت نية طيبة ليس فقط حين لم تعارض مبادرة وزراء الخارجية بل وبالأساس في أنها تدفع «حماس» نحو المصالحة وإقامة حكومة مع «فتح».
سورية، مثل إسرائيل أو الفلسطينيين، لا تمنح الهدايا بالمجان. لقاء احياء العلاقات تدفع للولايات المتحدة بالعملة الصعبة على الحدود مع العراق، وفي عدم تدخلها في الانتخابات في لبنان، الأمر الذي منح الانتصار لكتلة سعد الحريري. كما أنها ستطالب بالدفع الكامل مقابل السلام الكامل مع إسرائيل. وها هو، في الموضوع السوري أيضاً لا توجد خطة أميركية مفصلة. الأوراق في الماضي وإن كانت تطوف بين الحين والآخر، أفكار الحديقة الوطنية التي يتجول فيها الإسرائيليون والسوريون متكاتفين، والأحلام عن بسطات الفلافل في دمشق ليست جديدة. غير أن المشكلة ليست في تفاصيل الحلم، بل في الدفعات.
الأسبوع الماضي عاد بشار الاسد ليصرح بأن ليس في إسرائيل شريك للسلام. ولا يأتي التصريح للجمهور الإسرائيلي كي يحرك حكومته. الأسد يتوجه إلى واشنطن كمن يقول: «خذوا هذا الرافض وابدأوا بهزه». من ناحيته يوجد استعداد للسلام، ولكن الزبون يرفض أن يدفع. وها هو بالذات في هذه الجبهة، السهلة نسبياً، واشنطن لا تسارع. ولكن السبب الأهم هو تلك السياسة الأميركية «قطعة أخرى وشبر آخر». سياسة تؤمن بأن من يريد تجميد المستوطنات سيجد صعوبة في أن يجتاز مسيرة سياسية تفترض تفكيك المستوطنات في الجولان.
غير أن هنا بالذات يمكن أن يظهر العائق الأكبر لهذه السياسة الجديدة. وكأنه لا يمكن صنع السلام في جبهتين. وكأن ما يمكن عمله في الحرب، احتلال دولتين... ثلاث دول، لا يمكن عمله في السلام.
صناعة السلام ليست علاجاً مريراً يفترض ابتلاعه بالتنقيط. مباحثات السلام متعددة الأطراف، سبق أن تمت في الماضي والانطباع هو أنه حتى من دون خطة جد تفصيلية يستعد الشرق الأوسط لفرصة أخرى لمسيرة السلام. غير أن هذه المرة ستجد إسرائيل صعوبة شديدة في أن تشير الى السوريين أو إلى الفلسطينيين كمن ليسوا «ناضجين» بعد للسلام. الفرن الأميركي نجح في «انضاج» بسرعة كافية الطرف العربي، وعلى إسرائيل من جانبها أن تسارع إلى الرد بعملة مشابهة. ليس التنافس على لقب الرافض مطلوب الآن بل مبادرة سياسية إسرائيلية، ليست المساومة على عدد الطوابق المسموح ببنائها في افرات بل تصريح مبادئ عن تجميد الاستيطان، ليس فحصاً لمدى جدية النظام السوري بل إعادة تشكيل لجان المفاوضات، تجنيد تركيا لتحديد المكان، وتصريح مبادئ بشأن الانسحاب من الجولان. لا يوجد سبيل آخر لتحريك المسيرة الكاملة، الشاملة تلك التي من شأنها أن تحدث التحول في الشرق الأوسط.
تسفي بارئيل
«هآرتس»
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي