الحديث عن المعايير والجودة هو أولوية الوزيرة الجديدة للهرم المقلوب فهي في كل تصريح صحافي أو تغطية لاجتماعاتها تؤكد على هذا الجانب في التعليم، فحينما علقت على قرار إلغاء الاعتراف بالجامعات الفلبينية والهندية والمصرية التي لا تتوافق مع المعايير العالمية والجودة في المخرجات أكدت عليه، وحينما اجتمعت بمجلس إدارة جمعية المعلمين أكدت هذا الجانب أيضاً، وأنها ستركز على هذين المحورين في فترة توزيرها، ونحن نضع أيدينا في يد الوزيرة ونقول إن يد الله مع الجماعة، والتأكيد على المعايير والجودة في التعليم شعار قديم طالما تغنى به وزراء التربية المتعاقبون، ولكن الميدان قدره أن يكون بلا معايير وبلا جودة تُذكر.
طالما الحديث عن المعايير والجودة شعار الوزيرة الدكتورة موضي الحمود، ومن باب الأمانة العلمية والأدبية والأخلاقية، فنحن كمربين وموجهين فنيين نؤكد للوزيرة أن هذين المحورين طالهما العبث كثيراً، فالتعليم كان يسير على البركة وعلى سياسة «مش حالك»، فلا قيمة لمعايير عالمية ولا قيمة لجودة في التعليم. ونحن نشير ها هنا إلى نظام الثانوي الموحد الذي بدأت أول مخرجاته هذا العام بتخريج الدفعة الأولى للصف الثاني عشر. وحتى تكون الوزيرة بالصورة عن كل ما هو مسيء لمخرجات وسمعة وزارة التربية وبالتأكيد سمعة الكويت في أعلى منظمة تعليمية عالمية وهي «اليونسكو» نضع أمام الوزيرة هذه الملاحظات التي أساءت وستدمر هذه المخرجات، إلا إذا كانت الوزارة والوزيرة تقبل بنجاح مصطنع ووهمي لا نجاحاً حقيقياً يقيس مستوى وجودة التعليم في الكويت:
1 - أول الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها وزارة التربية للتخلص من عقدة النظام العام القديم (نظام الفصلين) هو إلغاء «الكنترول» العام الموحد الذي كان يجمع المناطق التعليمية كلها في «كنترول» واحد وإدارة واحدة، لأن هذا النظام الجديد الذي جعل لكل منطقة تعليمية «كنترولاً» خاصاً بها شجع بعض ضعاف النفوس من مدراء المناطق للضغط على رؤساء هذه «الكنترولات» للتراخي في عمليات التصحيح ورفع نسب النجاح في مناطقها، حتى تفوز هذه المناطق بحظوة ورضى لدى الوزارة بأن نسب النجاح فيها مرتفعة.
2 - استقلال هذه المناطق بـ «كنترولات» منفردة شجع كذلك بعض ضعاف النفوس من المسؤولين على تسريب الاختبارات، لأن رقابة الوزارة رفعت يدها عن رقابة هذه الاختبارات وأوكلتها إلى المناطق التي بدورها تشجع فيها بعض ضعاف النفوس وظهرت بعض الاختبارات المسربة قبل الاختبارات، ناهيك عن الاختبارات المسربة التي تسربت من دون ضجة إعلامية، وما خفي كان أعظم.
3 - حتى عمليات التصحيح في المناطق التعليمية لم تكن على مستوى عالٍ من التنظيم الذي كان موجوداً في ما مضى في «الكنترول» الموحد، فالحال الآن أشبه بـ «كنترولات» صغيرة في المدارس، فلا اهتمام من ناحية تواجد المصححين أو مراقبتهم وتوجيههم، فأصبحت العملية مخترقة تنظيمياً، مما جعل تصحيح كثير من الاختبارات «سلق بيض» من دون مراعاة معايير وأنظمة التصحيح.
4 - طالما أن «الكنترول» أصبح منعزلاً لكل منطقة تعليمية «كنترولها» الخاص بها، فعملية سير الاختبارات في المناطق التعليمية ومدارسها تخضع إلى عوامل تجميل صورة مدراء المناطق التعليمية، فتتساهل المدارس في عمليات المراقبة على الاختبارات، بل إن بعض المدارس تقوم لجان الاختبارات بإملاء الإجابات النموذجية للطلاب من أجل رفع نسب النجاح فيها، والتي بدورها تنعكس على صورة مدير ومديرة المنطقة التعليمية.
5 - «الكنترول» الموحد إيجابياته كثيرة، وإلغاؤه أبرز آفات كثيرة لعل هذا من أهمها. ومن أجل أن تكون الوزيرة بالصورة، وحتى لا تنخدع بتقارير مدراء المناطق التعليمية بأن «كل شيء تمام يا فندم»، وأن النتائج والنسب مرتفعة للنجاح ومنخفضة للراسبين، فهذه التقارير لا تعدو إلا كونها بعيدة عن الواقع الحقيقي لمخرجات النظام الموحد وسلبياته، فالوزيرة رغم كونها أكاديمية، وهي ليست ببعيدة عن مهنة التعليم، إلا أن طبخة النظام الموحد ولوائحه تم إعدادها في عهود الوزراء والوزيرة السابقة، فإما أنها تتقبل هذا الواقع بسلبياته وإما أنها تضع بصماتها لغربلة هذا النظام الجديد الذي بانت علامات فشله من أولى دفعاته هذا العام.
عامر الفالح
[email protected]