عبدالعزيز عبدالله القناعي / إشكالية التوافق الفكري

تصغير
تكبير
تتصاعد حدة المواجهة ما بين التيار العلمي ممثلاً بالتيار الليبرالي بجميع أطيافه المختلفة من معتدلين ومتشددين، وما بين التيار الديني وأيضاً بكل طوائفه واختلافاته المذهبية وذلك على الساحة المحلية، ويتشرب المواطن الكويتي هذا الصراع، إما مؤيداً أو معارضاً أو موافقاً، ولكن بأضعف الإيمان، وتفرز هذه المواجهات تنافساً على الساحة السياسية والاجتماعية، وأحياناً الاقتصادية نراها بوضوح كل يوم، وعلى مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة وأحياناً في الشارع الكويتي.
يلعب التيار الليبرالي على وتر الحريات الشخصية، والدفاع عن حقوق الإنسان وفي هذا الشأن يوجد رأيان بما يحصل فالرأي المؤيد يرى ان الحريات يجب أن تفتح على مصراعيها حتى يتكون لدى المواطن الكويتي الشعور بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، ويتحمل ما يمارسه من حقوق وواجبات بشرط ألا يتعدى على حرية الآخرين، وفي الرأي المعارض فإنه ينتقد حين يكون التيار الليبرالي هو صاحب القرار والسلطة فإنه يحجم ويصغر من آراء الآخرين حتى لا يواجه بالنقص والضعف، وايضا من المآخذ على أصحاب التيار الليبرالي عدم قدرتهم على استقطاب كوادر جديدة من الشباب من الفئتين، واقتصار جهودهم على ما هو متوافر وعدم وجود قاعدة كبيرة لمبادئهم وأفكارهم بمختلف الرقع الجغرافية للكويت، واقتصارها على بعض الفئات الاجتماعية وهذا ما يعرقل انتشارهم إلى العمق الاجتماعي لمختلف طبقات وفئات الكويتيين، وايضا في الجانب السياسي فإننا نرى وعلى صعيد البرلمان عدم قدرة أعضائهم وممثليهم على اتخاذ القرارات التي تؤيد الليبرالية من فصل الدين عن الدولة، وزيادة مساحة الحريات الشخصية علما انهم الآن وفي هذا المجلس يملكون عددا لا بأس به من المؤيدين والمتعاطفين معهم خارج البرلمان بسبب الأحداث السياسية الأخيرة والتي أثرت على التيار الديني بشكل كبير وتراجعهم بنسب كبيرة من خلال الأصوات الانتخابية، أو من خلال الشارع الكويتي ولعبت بعض الفضائيات خصوصا في هذا المجال دورا بارزا في ابتعاد الشارع الكويتي عن ممثلي التيار الديني نظرا لمواقفهم السياسية.
ومن ناحية أخرى، يعارض التيار العلماني من جهة، مقابلة الدينيين أو المتأسلمين نظرا لاستفادتهم من هذا الاختلاف، وتعاطف جمع من الشارع الكويتي مع ممثلي التيار الديني خصوصا بعض الفئات الاجتماعية من قبل فئتي المجتمع السنة والشيعة لما يلعبه الدين من دغدغة لمشاعرهم، وتمسكهم به كخيار مصيري واعتقادي.
وهذا التيار الديني المعارض للتيار العلماني أو الليبرالي يقابله هجوم عليهم من قبل أصحاب الفكر الليبرالي، ويعتبرون أن الدين والسلطة الإسلامية هي السبب في تخلف ورجعية أفكارنا وتأخر شبابنا عن العلم والتفوق ويأخذ هذا الصراع طرقا عدة مختلفة من بينها صفحات الجرائد وفي الفضائيات فتجد الهجوم متبادلا والصراع طويل الأمد بينهما، ولا من توافق أو نقاط تفاهم إلا في ما يحقق مصلحة الطرفين وهي قليلة.
وأما التيار الإسلامي بكل طوائفه السنية والشيعية فمازال مكانك راوح، ومازال مشغولاً بالفتاوى المضحكة الطابع والتي يغلب عليها التسفيه والضحك على الذقون، ومثال على ذلك فتاوى الغسالات الأوتوماتيكية وارضاع الكبير وغيرها من فتاوى يراد بها شغل العقل عن التبصر والانجاز، وإلا كيف نفسر تقاتل الشباب المتعلم والمثقف على فتاوى لا تمت للواقع ولا للعقل بصلة لمجرد أن عالما أفتى بذلك، ويجب على الجميع تصديقه والأخذ برأيه حتى وان كان مخالفا للمنطق ولا ينطبق بالضرورة على وقتنا الحاضر، وفي هذا الشأن أبلغنا الرسول صلى الله عليه وسلم «أنتم أعلم بشؤون دنياكم». اننا هنا في مأزق فكري واجتماعي ايضا إذ كيف يفكر المتعلم وأصحاب الشهادات الجامعية بهكذا فتاوى مضحكة، بل ويصدقون ما يقال لهم لمجرد التقليد وسماع الرأي ضاربين بعرض الحائط ما يمليه عليهم تفكيرهم العلمي، وانفتاح عقلياتهم على الحجة والبرهان وللأسف فإن الملاحظ انتقال هذه العقليات المتجمدة إلى الأجيال اللاحقة بطريقة موروثة، اننا هنا نرى مثل هذا اليأس ونرى تلخبط المفاهيم لدى الشباب الكويتي من الجنسين لما يحملونه من أفكار وطرق تفكير دينية بعيدة عن الشرع الصحيح وبعيدة عن التفكير العلمي
المباشر.
إن حدة هذه الصراعات بين مختلف الأطياف الفكرية من ليبرالية ودينية لن تقف على سلم واحد إلا إذا تضافرت جهود الطرفين في إزالة مثل هذه الخلافات بينهما والابتعاد عن تكفير الطرف الآخر، وبدء قنوات حوارية في ما بينهما بعيدا عن التجريح والمصالح الشخصية لمثل هذه اللقاءات وايضا الاعتراف بوجود خلافات مصيرية لا تحل إلا عن طريق الإيمان بمبادئ الدستور وبعيدا عن الاتهامات بالعرقلة أو التبعية الأجنبية وأن تكون الحلول من خلال القيم الوطنية الكويتية الأصيلة والتي جبل عليها الشعب الكويتي منذ قديم الأزل، وأخيراً بأن يكون الاحترام قائماً للجميع باختلاف الأطروحات الفكرية التي ننتمي لها، وأن نتقبل الآخرين على ما هم عليه من خلافات بيننا، وأن نقرر ما هو أصلح للوطن بعيدا عن مصلحة التيار، والتوجه الذي ننتمي له، فالدين لله والوطن للجميع.
عبدالعزيز عبدالله القناعي
[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي