أصبوحة / ثيمة الإصلاح

تصغير
تكبير
| وليد الرجيب |
لعل ثيمة الإصلاح عند الأنظمة السياسية، هي الثيمة المشتركة على اختلاف هذه الأنظمة، بل استعملت في كثير من الأحيان كشعار فارغ، القصد منه الدعاية السياسية، وضرب الخصوم السياسيين، واللعب على عواطف الجماهير.
كل الأنظمة سواء كانت تقدمية أم رجعية أم دكتاتورية، تستخدم شعار الإصلاح لأغراض غالبها ليس له علاقة بالإصلاح، ولكن ألا يعني مفهوم الإصلاح هو اصلاح الخلل، أو تصحيح الأخطاء؟ أو تعديل المسار أو النهوض من العثرات؟
إذا من يرفض الإصلاح هو من يستفيد من استمرار الخطأ أو الفساد، أو المنخدع بالادعاءات والدعاية السياسية، أو المغرر به.
وفلسفة الإصلاح تعني الواقعية والشجاعة، والعمل من أجل اللحاق بمسيرة العالم، والاعتراف بتخلفنا عن القيم البشرية الكبرى والأساسية، مثل قيم الديموقراطية والحرية والمساواة، مثل الحقوق الأساسية للمواطن في الرعاية التعليمية المتطورة، والرعاية الاجتماعية والصحية، مثل المساواة بغض النظر عن العرق والجنس والديانة أو المذهب، فلسفة الإصلاح تعني دفع المجتمع باتجاه المدنية وتطبيق القانون بفاعلية أكبر.
لكن لأن شعار الإصلاح يمكن استخدامه من قبل أي تيار أو اتجاه، باتجاهاتها المختلفة، مما يوقع الإنسان العادي في تشوش وحيرة، فلا يستطيع التفريق بين المصالح الشخصية، والمصلحة العامة، إذ يستطيع أي نائب في البرلمان أن يهدد بالاستجواب بعذر الإصلاح، وتستطيع أي قوى سياسية أن تدعي أن انتقاص دور المرأة في المجتمع هو شكل من أشكال الإصلاح ودرء الفساد.
وقد تنجح هذه السلوكات المنحرفة عن مسيرة تقدم الشعوب ورخائها، لسنوات وعقود، لكنها يستحيل أن تنجح إلى الأبد، فانتصاراتها موقته، ولا تملك مقومات الصمود أمام منطق التاريخ، وأمام رغبة الإنسان بالعيش في سعادة وسلام، وأمام طموحه الدائم للأفضل.
لم تستطع الأنظمة الدكتاتورية الاستمرار إلى الأبد، فنظام صدام الدموي لم يستمر أكثر من ثلاثة عقود، رغم كل الوحشية التي مورست ضد الشعب العراقي، وقد يستمر غيره من الأنظمة أكثر من ثلاثة عقود، ولكن أيضاً ليس للأبد، وبعد سقوط نظام صدام بتدخل التحالف الدولي، وضح حجم رغبة الجماهير في هذا التغيير، رغم أن الآلة الدعائية كانت تبين عكس ذلك، بل كان التلفزيون يبين الأعداد الغفيرة التي كانت مؤيدة له.
والاستمرار للأبد في حرف مسيرة التاريخ، وقلب منطقه لم تكن فقط وهماً لدكتاتوريات الأنظمة، ولكنها أيضاً وهماً تعيش عليه جماعات الإسلام السياسي من كل المذاهب، فهي تنتشي لأن الجماهير تتبعها بسبب أمر لا يمكن نقاشه وهو الإسلام والدين، ولكن ماذا لو لم تحقق هذه الأحزاب حلم الجماهير البراجماتي بالسعادة والرخاء، بالتأكيد ستبدأ هذه الجماهير بالتذمر وكشف عجز هذه الأحزاب وكذبها في وعودها، ماذا لو أكتشف الناس أن أحوال المجتمع ساءت أكثر، مع وجود هذه الأنظمة والأحزاب، وتخلفت التنمية والتعليم، وتدهور الاقتصاد، وخرج المجتمع عن الانسجام الدولي في ظل ممارساتها؟ الذي يحدث عادة وعبر التاريخ، أن الشعب يأخذ زمام المبادرة ويقود حركة الإصلاح، فالشعوب لا ترفع شعارات فقط، ولكنها تفعل، ومهما بلغت هذه الأنظمة والأحزاب من غرور وثقة بالنفس، إلا أن التاريخ دائماً يفاجئها بمنطقه الذي لا يقبل الانحراف.
كانت نتيجة الانتخابات النيابية في الكويت، صدمة للقوى الإسلامية، التي كانت تظن أنها تستطيع سحب الشعب الكويتي إلى أجندتها وللأبد، كانت تظن أنها تملك الغالبية الشعبية، وعندما اتضح أن الغالبية هي الصامتة على سخط ومضض، بدأت هذه الأحزاب تتحدث عن مؤامرة ضدها، وستبذل كل الوسائل اللاأخلاقية في تشويه هذه الرغبة الجماهيرية، وهذا ما حدث في لبنان أيضاً، وبتفاصيل مشابهة.
والمتابع للحملة الانتخابية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ثم نتائج هذه الانتخابات وما تمخض عنها من احتجاج جماهيري، يدرك أن هناك رغبة جادة في التغيير والإصلاح، بالطبع هذا أمر خاص بالشعب الإيراني، الذي نحترم خياراته أيا كانت، وأياً كان الفائز في انتخابات الرئاسة، إلا أن الأمر لن يعود كما كان بالنسبة للشعب الإيراني الشقيق، وأن ما يحدث هو بداية لشيء ما، الشعب الإيراني وحده يقرره، ونتمنى له التوفيق في تحقيق آماله.
فقط نريد أن نقول، إن من يؤمن بمنطق التاريخ، يعرف بوصلة التقدم، التي لا يمكن تغييرها بأي قوة، ومهما طال الزمن.
[email protected]
www.alrujaibcenter.com
www.osboha.blogspot.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي