د. حسن عبدالله عباس / العرب بين تغيير العجم

تصغير
تكبير
منذ ثلاثة عقود والعالم من حولنا في تغير مستمر. نتحدث عن ثلاثة عقود ولا نذهب لأبعد من ذلك، لأنها فترة قريبة من الذاكرة، ويمكن للإنسان العادي أن يسترجع ذكرياتها بسهولة، ولأن العقود الثلاثة الأخيرة فترة زمنية زاخرة وحافلة بالمتغيرات والتقلبات الكبيرة والمصيرية التي غيّرت من وجه تاريخ شعوب وأمم هذا العالم الفسيح.
أميركا، على سبيل المثال، تغيّرت في الثلاثين عاماً الأخيرة بصورة كبيرة وجوهرية. فحال الأميركيين تغيّر منذ ريغان وعصر «الجمهوريين» الذهبي، وانتهاء ببوش الأب بانتصار كبير للأميركيين بعد تحطم المعسكر الشيوعي وانفراط عقد سبحة الاتحاد السوفياتي. ثم تحوّلت الإدارة لـ «الديموقراطيين» وعاشوا فترة رفاه اقتصادية لم يشهد الاقتصاد الأميركي مثيلاً له. تبدل الحال لتنتقل الإدارة إلى «الجمهوريين»، لكن هذه المرة بيد إدارة يمينية بعنوان «المحافظين الجدد»، وانتهجت سياسة متشددة مع الخصوم تشكلت خيوط لعبتها يوم الحادي عشر من سبتمبر 2001 بعنوان غزوة مانهاتن. فهكذا تبدلت السياسات من الضربات الاستباقية إلى الاحتواء المزدوج إلى محور الشر وتغيّرت الوجوه، حتى وصلت أخيراً وللمرة الأولى إلى الأسود أوباما.
التغيير في الثلاثين عاماً الماضية لم تسلم منها أطراف أخرى في العالم كإيران مثلاً. فالجمهورية الإسلامية صارت كذلك بعد ثورة جماهيرية عارمة قلبت الطاولة على حكم شاهنشاهي إمبراطوري دموي حكم لمئات الأعوام وأحلّ الشعب بدلاً عنه نظام الملالي الإسلامي. النظام الإسلامي ومنذ الثورة الخمينية، وحتى اليوم، في تغيير مستمر. فبعد شعارات تصدير الثورة إلى الحرية والاستقرار، وترسيخ أعمدة الدولة الإسلامية الحديثة، تناوب على الحكم فيها السيد علي الخامنئي الثوري، ثم رفسنجاني البراغماتي، ومن بعدهما خاتمي الإصلاحي، ثم تلى «المعممين» الرئيس «العامي» أحمدي نجاد. فالناس هناك طلبوا وباستمرار تغيير نظام الحكم سواء ما حصل من تعديل دستوري إلى تنوع في السياسات، حتى وصل أوجها في المناظرات الرئاسية «شديدة السخونة» قبل أيام وانتهت بفوز السيد نجاد مرة أخرى، وما تبع ذلك من حراك جماهيري غاضب مازلنا نرى مشاهده الدموية على الشاشات.

هذا التغيير طال من حولنا كذلك الأتراك. فلأنهم ملوا العلمانيين، تأمّل الشعب التركي من التغيير والتعويل على الإسلاميين المعتدلين، كالحزب الحاكم اليوم، مستقبلاً أفضل. والحال نفسه مع اللقيطة إسرائيل، فالصهاينة هناك في تغيير مستمر يطلبون الأمل مع كل جولة انتخابية بتغيير الوجوه والأحزاب الحاكمة. وهذا التبدل نفسه تعيشه دول أخرى بعيدة عنا سياسياً وجغرافياً، كالصين وروسيا وجنوب أفريقيا وأوروبا والهند.
فلو استثنينا الكويت ولبنان والعراق على اعتبار أن لشعوبها الكلمة الفصل في تقرير مصائرها، تعيش بقية الشعوب العربية في صمت مريب وفي نقطة بعيدة جداً عن القرار السياسي. الكل من حولنا يتغيّر ويتبدل ويصرخ وينادي بحقوقه ويسكب الدم لنيل حرية التعبير والرأي، إلا الشعوب العربية! نوم العوافي.
د. حسن عبدالله عباس
كاتب كويتي
[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي