هو يعصرنا

أوباما في جامعة القاهرة


«إن كانت الولايات المتحدة راغبة» يقول وزير اقتصادي بارز «فبإمكانها أن تخنق دولة مثل انكلترا وفرنسا من دون أي مشكلة». نحن نتلقى من أميركا ثلاثة مليارات دولار سنوياً. ربع هذا المبلغ قابل للاستبدال أما الباقي فهناك إلزام بشراء السلاح الأميركي مقابله، ومع ذلك لدينا الوقاحة الكافية لنقول لهم: «حسناً ولكن شريطة أن تشتروا أنتم من عندنا بمبلغ مشابه». إيقاف الدعم، أو فرض العقوبات، أو أي شيء آخر هو ضربة. لم أكن لأقول أنها ضربة قاتلة إلا انها ضربة فظيعة، هذا من دون ذكر المس بمكانة إسرائيل في العالم. لم يتردد مثل هذا الجزع أبداً في أروقة الحكم وهي تنساب إلى اعماق ديوان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
في الأجواء تخيم مصطلحات من أيام الأزمة الكبرى مع الإدارة الأميركية مثل «إعادة النظر»، أو «إيقاف الضمانات»، و«فرض العقوبات»، ولكن مصطلحاً جديداً غير معروف اضيف في هذه المرة: «تسوية قسرية» كل ذلك يترافق مع إطلاق عبارات تحريضية ضد الرئيس الأميركي الجديد، ولكن في الغرف المغلقة مصحوبة بمشاعر العصبية النابعة من جهل نواياه الحقيقية، وأحياناً أيضاً عبارات معبرة عن العجز.
زيارة أوباما لمصر وخطاب القاهرة والأحاديث حول النمو الطبيعي حولته في نظر عدد من المتحدثين إلى فرعون العصر الحديث... ولا أقل من ذلك. في ظل الوضع الناشئ تتدافع الاتهامات بصورة طبيعية حول الاخفافات التي أوصلتنا إلى الوضع الحالي. وزير الخارجية افيغدور ليبرمان كان في هذا الأسبوع في موسكو. خلال المؤتمر الصحفاي الذي عقده مع الرئيس ميدفيديف صرح عن أن العلاقات مع الولايات المتحدة تسير على درب بناء. ولكن من قبل أن ينطلق في طريقه كانت لديه بالتحديد ادعاءات صعبة حول الطريقة التي تدار فيها الأمور.
ليبرمان ادعى في أطر مختلفة أن الاستراتيجية ملتوية وليست واضحة. «لم نأت جاهزين للقمة التي عقدت في الولايات المتحدة في الرابع من مايو» قال وزير الخارجية. «لم نحدد لأنفسنا ما الذي نريده. أين نحن من مسألة «خريطة الطريق» والدولتين والبؤر الاستيطانية. لم نعرف كيف سيرد الرئيس. كان من الأفضل تأجيل السفر. لم يكن ليحدث أي شيء. كما أن أوباما لم يأت للقدس».
ليبرمان يدعي في محادثات خاصة وأن اضطراباً قد حدث في حالات محددة، وأن اليد اليمنى لم تعرف ما تفعله اليد اليسرى. هو يعتقد أن من الواجب اليوم أيضاً اتخاذ القرارات. «ليس من الممكن المماطلة أكثر من ذلك. هناك حاجة لخطة. الدولتان؟ فإين الحدود إذاً. الكتل الاستيطانية، أين هي بالضبط. كل شيء يجب أن يكون واضحاً كما أن على المستوطنين أن يعرفوا ماذا يعني كل ذلك ليقولوا لهم صراحة: سنزيل البؤر الاستيطانية ولكننا لن نجمد المستوطنات. أنا أظهر في أوروبا مع مواقفي التي لم تتغير. يقدرون ذلك ولا يقولون لي أي شيء». بالأمس الأول قال ليبرمان في محادثة من موسكو ان هذه الأمور ليست صحيحة، وأنه يقدر جداً عملية اتخاذ القرارات المنظمة، وعمل الحكومة.
على أي حال التوتر في المحيط فظيع. كل نصف معلومة تنشر تثير عصبية الجهاز كله. في يوم الاربعاء نشرت صحيفة «هآرتس» بضعة سطور حول الطواقم المشتركة الإسرائيلية الأميركية في المسألة الإيرانية الحساسة. الطواقم التي تشمل مسؤولين كبارا في ديوان رئيس الوزراء، ووزارة الدفاع، و«الموساد»، وشعبة الاستخبارات العسكرية «أمان»، ووزارة الخارجية، ولجنة الطاقة النووية، من المفترض بها أن تنسق الخطوات الحساسة في مشروع الذرة بين الدول. نشر هذا الأمر أدخل كل الشركاء في حالة هستيريا واتهموا بعضهم بعضا بالتخريب المقصود للمنظومة من خلال التسريبات. المشبوه المباشر كان في هذه الحال وزارة الخارجية. الادعاء كان أن النشر المبكر هدم كل إمكانية للعمل بسرية مع الأميركيين حول القضايا الأكثر حساسية بين الطرفين.
تحت الحافلة
رئيس الوزراء لا يجد للنوم سبيلاً. في بعض الأحيان يبدو عصبياً متوتراً، وفي أحيان أخرى يبدو متعباً، ولكنه متمركز حول الهدف في أغلب الأحيان كعادته. مقربوه يقولون انه إن كان هناك من يجدر به أن يترأس الوضع في هذه الأيام فهو نتنياهو، وأنه هو الذي يفهم ما يحدث. التاريخ الأميركي الذي يعرفه جيداً وأعوامه في الولايات المتحدة، وعلاقاته القوية مع الأميركيين هي التي تؤهله لمعالجة إحدى الأزمات الأشد خطورة التي تواجهها الدولة.
للمرة الأولى في التاريخ يقولون في أروقة الحكم، تتحول إسرائيل إلى نجم جديد ينقش فوق العلم الأميركي، غير قادرة على اتخاذ قرار حول مصيرها بنفسها، ومفتقدة لامكانية اتباع سياسة خارجية وأمنية مستقلة. أيضاً أنصار نتنياهو يعرفون أن افتراضاته الأساسية لم تنجح دائماً على محك الواقع، ولكن على حد قولهم لم يكن بإمكان أحد أن يخمن ويتوقع شدة الهزة التي تمر بها الإدارة الأميركية، والتوقع المسبق لرئيس يتغذى من أمور غير مفهومة لأي أحد.
نتنياهو نفسه اعتقد حتى فترة غير بعيدة أن في إمكانه تسويق مواقفه السياسية بعد عمليات الحادي عشر من سبتمبر، والتهديد الإيراني، وتصاعد قوة الجهاد الإسلامي، و«حزب الله»، و«حماس» في كل زاوية. هو اعتقد أن في إمكانه ربط المصالح المشتركة بين إسرائيل والدول الإسلامية المعتدلة بسهولة. من الناحية الواقعية وجد أمامه رئيساً يسعى لالقاء إسرائيل تحت دواليب الحافلة من أجل ارضاء العالم العربي.
محاولة نتنياهو وأتباعه لفك رموز أوباما مرهقة وغير مستقرة. التصريحات من حوله تترافق مع الكثير من مشاعر المرارة والخشية الكبيرة والكثير من الاحباط، وأحياناً السخرية أيضاً. الاستنتاج المحزن الذي تتمخض عنه المداولات الداخلية، وأن أوباما يسعى على المستوى الميداني للوصول لتسوية قسرية.
«حتى ما قبل عشرين أو ثلاثين عاماً أدركنا أن المفاوضات مع العرب ثنائية بصورة مباشرة من دون تدخل طرف ثالث»، تقول أطراف مهمة في الحكم. «اليوم تقترب أميركا من العملية التي نسميها التسوية القسرية أو تسوية الاخضاع. واشنطن لم تعد طرفاً ثالثاً مساعداً، وإنما طرفاً رئيسياً يفرض التسوية. مثل هذا الأمر لم نشهده منذ أعوام كثيرة. كانت هناك مستويات مختلفة من التدخل الأميركي ولكن فجأة ها هم يأتوننا ويقررون كل شيء. ليس هناك أخذ ورد بين الأطراف والولايات المتحدة هي العصا. هذا تطور انقلابي».
«جورج بوش تمسك بسياسة تعددية وضحكوا عليه» تواصل هذه الأطراف. «فجأة يأتي رجل مع رؤية وقوة غير عادية ويقرر الصورة التي ستكون عليها التسوية. هذا انقلاب غير مسبوق. أوباما يستبعد عامل المفاوضات من تصوره للسلام كما كان بين إسرائيل والأردن ومصر. إسرائيل لن تستطيع التسليم بوضع كهذا حيث تفترض عليها سياسة تتعارض مع مصالحها الحيوية. نشأ هنا موقف غريب. الولايات المتحدة متعصبة للسيادة الفلسطينية، ولكنها تنتزع منا السيادة السياسية باتخاذ قرار حول ما نريده. أبو مازن قد سارع للقول ان الفلسطينيين سيجلسون بارتياح لان الولايات المتحدة تمثلهم».
وبالمناسبة خلال الرحلات الكثيرة التي يقوم فيها المسؤولون في ديوان رئيس الوزراء، ووزارة الخارجية لأوروبا وأميركا اصطدموا باطراف إسرائيلية تسعى لتكريس قضية التسوية القسرية في الإدارة الأميركية. أحدهم هو وزير الخارجية السابق البروفيسور شلومو بن عامي الذي يدير اليوم معهد أبحاث في مدريد. بن عامي هو مؤيد مخضرم لمثل هذه التسوية بعد أن يئس من قدرة الجانبين على التوصل إلى اتفاقيات بقواهما الذاتية. بن عامي يدعي رداً على ذلك أنه يلقي محاضرات حول مشاريعه في أماكن مختلفة من العالم إلا أنه لم يلتق مع اطراف من الادارة الجديدة حول هذه المسألة.
لحظة ماذا يعني ذلك؟
المؤشرات كانت رغم ذلك على الطريق وقد اخذت في الازدياد والوضوح. الذروة كانت على ما يبدو في الأسبوع الماضي في لندن. مبعوثو رئيس الوزراء الأوفياء قضوا هناك يومين طويلين محاولين التعرف على مواقف الإدارة الجديدة، وبناء اتفاقيات حول المرحلة المقبلة. الوزير دان مريدور المسؤول عن الأذرع السرية، وعوزي اراد المستشار السياسي لرئيس الوزراء، ويتسحاق مولكو مستشار نتنياهو الشخصي التقوا مع جورج ميتشل مبعوث أوباما الخاص لشؤون الشرق الأوسط ومع طاقمه.
المبعوثون خرجوا فزعين وعادوا أكثر فزعاً. هم تلقوا لكمة أميركية في الوجه من دون قفاز على اليد. «لقد كذبتم علينا حتى اليوم وقد انتهى الأمر» نقل عن ميتشل قوله ذلك بالأمس. نتنياهو سمع التقارير وأوشك على فقدان توازنه تقريباً. الأمر الأكثر إثارة لغضب رئيس الوزراء تجاهل أوباما وأعوانه لالتزامات الإدارة السابقة. «هذا مذهل» يقول نتنياهو مكرراً. هذا القرار يدمر الثقة بين الجانبين بصورة كاملة تقريباً. «نحن نعول على استمرارية معينة» يقول مسؤول كبير في الجهاز السياسي. «نحن نعتمد على الافتراض بأن هناك بنية تحتية للمواقف المشتركة. نحن نطرح عليهم قرارات تم الاتفاق حولها مع آخرين فقط من أجل ان نتأكد أنهم يديرون ظهرهم لها. أن تسأل نفسك: لحظة ماذا يعني ذلك؟ هذا على ما يبدو مس بمبادئ العلاقات الدولية وتعرض للمصداقية. كيف من الممكن التعامل بهذه الطريقة مع أوباما نفسه لأن أحداً ما سيأتي من بعده ولن يلتزم بما قاله. من الممكن تفهم استخفافه ببوش الذي سبقه، ولكن لماذا كلينتون؟».
حكاية إدارة أوباما مع بوش هي حكاية الاتصالات المكثفة بين إسرائيل والولايات المتحدة التي لا تنتهي. ايهود باراك أيضاً اصطدم في هذه المسألة خلال محادثاته. على الإدارة الجديدة أن تفعل عكس ما فعله بوش تماماً. هذا أسود وهذا أبيض. الوثب للوراء يصل حتى أعوام التسعينات. وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أعادت للصورة مسؤولين من عهد زوجها الرئيس حيث يقومون بإخراج المشاريع والبرامج من متاعهم. أوراق العمل التي تدور حول اتفاقيات كامب ديفيد تشهر مرة أخرى. كلينتون الذي كان مناصراً صارخاً لإسرائيل تصادم مع نتنياهو حول خطط أكثر اعتدالاً. أوباما كما يخشون سيأخذ هذه الخطط المتطرفة ويفرضها على إسرائيل.
لنظرة للوراء توجد ثقة عندنا بأن أوباما قد خطط ما يفعله بحرص وكذلك ما لن نفعله نحن. «ليست هناك أي ورقة، أو وثيقة، أو خطة عمل تدور حول إمكانية التسوية القسرية» يشتكي طرف سياسي. أوباما من ناحيته عكف جيداً على جدول أعماله، وبنى جدولاً زمنياً دقيقاً وضع فيه إسرائيل في أسفل التقويم. كما أن المكانة والاسلوب اللذين يتمتع بهما الرئيس الجديد تتسببان بقلق كبير في ديوان رئيس الوزراء. أوباما هو رئيس مستقل. هو الأول في تاريخ الولايات المتحدة الحديث الذي لا يحتاج إلى تبرعات اليهود حتى يصل إلى الحكم، وليس لديه عواطف جياشة تجاه إسرائيل. درجة تأثير «ايباك» عليه متدنية بالضرورة. وإسرائيل هي التي تدفع الثمن المباشر عن ذلك.
استعراض قوة غير كاف
من المحادثات الجارية في واشنطن والقدس ولندن وأماكن أخرى تزداد الصورة المقلقة التالية اتضاحا: باراك أوباما استبدل الموقف المتقدم للاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط مع إيران. بدلاً من إسرائيل هو يضع الدول العربية المعتدلة، مصر والسعودية والاردن وقد زار اثنتين منها في آخر الأسبوع، وفي القاهرة ألقى خطاب المصالحة التاريخي بالأمس ظهراً. على أوباما أن يبرهن لهذه الدول عن القوة والولاء ولذلك يستعرض عضلاته في وجه إسرائيل. العنوان المريح والأكثر توافراً هي المستوطنات لأنها تعتبر منذ أعوام رمز الاحتلال في نظر العرب، وكذلك في نظر الجمهور الأميركي واليهود.
على إسرائيل أن تموقع نفسها داخل هذا التحالف الجديد، ولكن رفضها الاعتراف بحل الدولتين واصرارها على المستوطنات يصعب عليها التعامل مع النصوص التي يستخدمها أوباما. محاولة التلويح برسالة الرئيس بوش لم تؤثر على رب البيت الجديد كما يعترف المسؤولون الإسرائيليون. الموافقة على البناء في القدس وفي الكتل الاستيطانية لا يعنيه، وليس في نظره فرق بين حي في معاليه ادوميم وبين بؤرة استيطانية في جفعات افيغيل جنوب جبل الخليل. أوباما يعرف أن المستوطنات واصلت ازديادها حتى الآن، وأن الإدارة الأميركية قد غضت البصر عن ذلك متنكرة لمصداقيتها.
مريدور واراد ومولكو حاولوا في لندن اقناع الأميركيين أن المستوطنات هي المشكلة الأخيرة في المنطقة الإسرائيلية الفلسطينية. ذلك لأن حكومتين معتدلتان، أولمرت وأبو مازن، حاولتا التوصل إلى تسوية شاملة ولم تنجحا. ولكن الأميركيين لم يقتنعوا، والمبعوثون المختلفون حاولوا الانتقال للتجارة السياسية العقيمة حول المستوطنات التي تجرى في هذه اللحظات. في البداية حاولوا الحفاظ على التفاهمات بين بوش وايهود أولمرت وترك استمرار البناء في القدس الشرقية والكتل الاستيطانية جانباً. هذا لم ينجح. بعد ذلك تحدثوا عن إزالة البؤر مقابل استمرار النمو الطبيعي. الخلاف بقي على حاله. تحدثوا عن تجميد في المستوطنات المعزولة فقط. انتقلوا للبحث في نسب النمو الطبيعي محاولين تحقيق شيء ما ربما. في آخر المطاف انتقلوا للتفاصيل. «ماذا سيحدث إن اشترى أحد ما شقة في معاليه ادوميم» تساءل أعوان نتنياهو متحدين ميتشيل. «هو لن ينتقل للسكن هناك».
«كل شيء سيقاس في آخر المطاف وفقا لمعيار النتيجة»، قال في هذا الأسبوع بنصف يأس أحد المسؤولين الكبار في الجهاز السياسي. «السؤال هو إن كانت الخطابات المعدة جيداً في أنقرة والقاهرة وفقاً للروح الانجليكانية، والمعدة بصورة انشائية عالية، مع رسائل تصالحية تجاه أطراف معادية للولايات المتحدة، وكل ذلك على حسابنا، هي الطريقة الصحيحة، هل ستقوم كوريا الشمالية في آخر العملية بتعديل مسارها، وهل ستصبح إيران أكثر شعوراً بالمسؤولية، وهل سيعود الإسلام المتطرف إلى رشده، وهل سيكون هناك نظام جديد في الشرق الأوسط وكل ذلك خلال عامين؟ إن كان الجواب نعم فقد عاد المسيح على ما يبدو».
ماذا... شارون؟
في الأسابيع المقبلة سيدخل نتنياهو في حالة طوارئ سياسية في ظل التطورات الدراماتيكية. المقربين منه يتحدثون عن ثلاث امكانيات للرد: المعارضة، التملص أو الانخراط. «المعارضة ليست آتية بالحسبان» استبعد أحد الوزراء المقربين ذلك فوراً. «ليست لدينا خيارات الدولة العظمى. وليست لدينا امتيازات وترف التصادم مع الولايات المتحدة. علينا أن نتزحزح جانباً. نحن في هذه اللحظة دولة صغيرة تتملص من مصيبة. سنضطر لمتابعة خطط أوباما الميدانية. وأن نرى كيف يحاول فرض برامجه ومشاريعه. أي دول عربية وغير عربية سيرغب في تفعيلها. وهل سيستخدم القوة ضد الفلسطينيين أيضاً؟»
اتحاد القوى الداخلي هو جزء من خطط نتنياهو ولذلك هو يحاول حشد اليسار ضد الضغط الأميركي الذي قد يشكل خطراً على استقلالية الدولة. في يوم الأحد مساء مثلاً كان من المفترض أن يسافر نتنياهو للمشاركة في حفل بلوغ ابن روني مانا صديقه. بدلاً من ذلك التقى مع رئيس «حزب العمل» ايهود باراك لساعات طويلة حيث كان هذا الأخير مزمعاً على السفر في اليوم التالي للولايات المتحدة. يوم الجمعة التقى لمدة ساعتين مع رئيس شاس الوزير ايلي يشاي. «جورج بوش الاب ووزير خارجيته بيكر نجحا في اخضاع اسحاق شامير ولكن الأغلبية في تلك الحال لم تصوت مع رئيس الوزراء. اليوم الأغلبية مع نتنياهو وحتى في أوساط اليسار لا يحبون رؤية الأميركيين وهم يتصرفون بغلظة ويمنعوننا من بناء روضة للاطفال».
ولكن قبل كل ذلك يتوجب على نتنياهو أن يقمع القوى التي تتحرك ضده في «الليكود». من أجل هذا الغرض هناك وزراء أصدقاء. في يوم الاثنين ظهراً قدم نتنياهو للمشاركة في اجتماع كتلة «الليكود» في الكنيست، واضطر لسماع أعضاء الكنيست الأكثر تطرفاً وهم يقولون له «لم تنتخب لهذا المنصب حتى تخلي البؤر الاستيطانية في أرض إسرائيل» الوزير يسرائيل كاتس هب فوراً لمساعدته. «كيف تتحدث بهذه الطريقة إلى رئيس الوزراء» وبّخ عضو الكنيست ياريف ليفين. «ماذا هل هو شارون، أم هو من اليسار؟ هو سيجري استفتاء منتسبين حول تجميد البناء في المستوطنات. انتم تثيرون الانطباع بأن نتنياهو يقسم القدس وفي آخر المطاف سيخرج هذا إلى الخارج». «صحيح وهذا ما يريدونه» أضاف نتنياهو بغضب.
نتنياهو ومقربوه على قناعة بأن اخلاء 22 بؤرة استيطانية لن يزعزع الائتلاف، وزراء «الليكود» الكبار ومن بينهم بني بيغن وبوغي يعلون أصحاب المواقف المتشددة مستعدون لدفع ثمن اخلاء البؤر الاستيطانية غير المرخصة إن كان ذلك سيساعد في الصراع ضد أوباما حول المستوطنات. افيغدور ليبرمان وكتلة البيت اليهودي سيغضون البصر. المعارضة ستأتي بالأساس من الاتحاد الوطني الذي سيتحالف مع أعضاء كنيست صغار في «الليكود»، ولكن الافتراض هو أن ذلك لن يتمخض عن أمور هدامة. هذا قد يكون خطأ. في مستوطنة ميغرون 46 عائلة و 150 طفلاً. صورة التراكتورات المتوجهة لتدمير المنازل بينما يقف النساء والأطفال ويفرون في وجهها صارخين لن تبقي ائتلاف نتنياهو اليميني في حال لا مبالاة.
بالمناسبة يجدون في «الليكود» عزاء معينا في هذا الوضع. «بفضل «الليكود» تجرى المعركة اليوم مع الأميركيين حول المستوطنات والبؤر الاستيطانية ولو كانت تسيبي ليفني رئيسة للوزراء لوافقت على المستوطنات، ولتمحور الضغط الأميركي اليوم حول تقسيم القدس وحق العودة».
شالوم يروشالمي
«معاريف»
في الأجواء تخيم مصطلحات من أيام الأزمة الكبرى مع الإدارة الأميركية مثل «إعادة النظر»، أو «إيقاف الضمانات»، و«فرض العقوبات»، ولكن مصطلحاً جديداً غير معروف اضيف في هذه المرة: «تسوية قسرية» كل ذلك يترافق مع إطلاق عبارات تحريضية ضد الرئيس الأميركي الجديد، ولكن في الغرف المغلقة مصحوبة بمشاعر العصبية النابعة من جهل نواياه الحقيقية، وأحياناً أيضاً عبارات معبرة عن العجز.
زيارة أوباما لمصر وخطاب القاهرة والأحاديث حول النمو الطبيعي حولته في نظر عدد من المتحدثين إلى فرعون العصر الحديث... ولا أقل من ذلك. في ظل الوضع الناشئ تتدافع الاتهامات بصورة طبيعية حول الاخفافات التي أوصلتنا إلى الوضع الحالي. وزير الخارجية افيغدور ليبرمان كان في هذا الأسبوع في موسكو. خلال المؤتمر الصحفاي الذي عقده مع الرئيس ميدفيديف صرح عن أن العلاقات مع الولايات المتحدة تسير على درب بناء. ولكن من قبل أن ينطلق في طريقه كانت لديه بالتحديد ادعاءات صعبة حول الطريقة التي تدار فيها الأمور.
ليبرمان ادعى في أطر مختلفة أن الاستراتيجية ملتوية وليست واضحة. «لم نأت جاهزين للقمة التي عقدت في الولايات المتحدة في الرابع من مايو» قال وزير الخارجية. «لم نحدد لأنفسنا ما الذي نريده. أين نحن من مسألة «خريطة الطريق» والدولتين والبؤر الاستيطانية. لم نعرف كيف سيرد الرئيس. كان من الأفضل تأجيل السفر. لم يكن ليحدث أي شيء. كما أن أوباما لم يأت للقدس».
ليبرمان يدعي في محادثات خاصة وأن اضطراباً قد حدث في حالات محددة، وأن اليد اليمنى لم تعرف ما تفعله اليد اليسرى. هو يعتقد أن من الواجب اليوم أيضاً اتخاذ القرارات. «ليس من الممكن المماطلة أكثر من ذلك. هناك حاجة لخطة. الدولتان؟ فإين الحدود إذاً. الكتل الاستيطانية، أين هي بالضبط. كل شيء يجب أن يكون واضحاً كما أن على المستوطنين أن يعرفوا ماذا يعني كل ذلك ليقولوا لهم صراحة: سنزيل البؤر الاستيطانية ولكننا لن نجمد المستوطنات. أنا أظهر في أوروبا مع مواقفي التي لم تتغير. يقدرون ذلك ولا يقولون لي أي شيء». بالأمس الأول قال ليبرمان في محادثة من موسكو ان هذه الأمور ليست صحيحة، وأنه يقدر جداً عملية اتخاذ القرارات المنظمة، وعمل الحكومة.
على أي حال التوتر في المحيط فظيع. كل نصف معلومة تنشر تثير عصبية الجهاز كله. في يوم الاربعاء نشرت صحيفة «هآرتس» بضعة سطور حول الطواقم المشتركة الإسرائيلية الأميركية في المسألة الإيرانية الحساسة. الطواقم التي تشمل مسؤولين كبارا في ديوان رئيس الوزراء، ووزارة الدفاع، و«الموساد»، وشعبة الاستخبارات العسكرية «أمان»، ووزارة الخارجية، ولجنة الطاقة النووية، من المفترض بها أن تنسق الخطوات الحساسة في مشروع الذرة بين الدول. نشر هذا الأمر أدخل كل الشركاء في حالة هستيريا واتهموا بعضهم بعضا بالتخريب المقصود للمنظومة من خلال التسريبات. المشبوه المباشر كان في هذه الحال وزارة الخارجية. الادعاء كان أن النشر المبكر هدم كل إمكانية للعمل بسرية مع الأميركيين حول القضايا الأكثر حساسية بين الطرفين.
تحت الحافلة
رئيس الوزراء لا يجد للنوم سبيلاً. في بعض الأحيان يبدو عصبياً متوتراً، وفي أحيان أخرى يبدو متعباً، ولكنه متمركز حول الهدف في أغلب الأحيان كعادته. مقربوه يقولون انه إن كان هناك من يجدر به أن يترأس الوضع في هذه الأيام فهو نتنياهو، وأنه هو الذي يفهم ما يحدث. التاريخ الأميركي الذي يعرفه جيداً وأعوامه في الولايات المتحدة، وعلاقاته القوية مع الأميركيين هي التي تؤهله لمعالجة إحدى الأزمات الأشد خطورة التي تواجهها الدولة.
للمرة الأولى في التاريخ يقولون في أروقة الحكم، تتحول إسرائيل إلى نجم جديد ينقش فوق العلم الأميركي، غير قادرة على اتخاذ قرار حول مصيرها بنفسها، ومفتقدة لامكانية اتباع سياسة خارجية وأمنية مستقلة. أيضاً أنصار نتنياهو يعرفون أن افتراضاته الأساسية لم تنجح دائماً على محك الواقع، ولكن على حد قولهم لم يكن بإمكان أحد أن يخمن ويتوقع شدة الهزة التي تمر بها الإدارة الأميركية، والتوقع المسبق لرئيس يتغذى من أمور غير مفهومة لأي أحد.
نتنياهو نفسه اعتقد حتى فترة غير بعيدة أن في إمكانه تسويق مواقفه السياسية بعد عمليات الحادي عشر من سبتمبر، والتهديد الإيراني، وتصاعد قوة الجهاد الإسلامي، و«حزب الله»، و«حماس» في كل زاوية. هو اعتقد أن في إمكانه ربط المصالح المشتركة بين إسرائيل والدول الإسلامية المعتدلة بسهولة. من الناحية الواقعية وجد أمامه رئيساً يسعى لالقاء إسرائيل تحت دواليب الحافلة من أجل ارضاء العالم العربي.
محاولة نتنياهو وأتباعه لفك رموز أوباما مرهقة وغير مستقرة. التصريحات من حوله تترافق مع الكثير من مشاعر المرارة والخشية الكبيرة والكثير من الاحباط، وأحياناً السخرية أيضاً. الاستنتاج المحزن الذي تتمخض عنه المداولات الداخلية، وأن أوباما يسعى على المستوى الميداني للوصول لتسوية قسرية.
«حتى ما قبل عشرين أو ثلاثين عاماً أدركنا أن المفاوضات مع العرب ثنائية بصورة مباشرة من دون تدخل طرف ثالث»، تقول أطراف مهمة في الحكم. «اليوم تقترب أميركا من العملية التي نسميها التسوية القسرية أو تسوية الاخضاع. واشنطن لم تعد طرفاً ثالثاً مساعداً، وإنما طرفاً رئيسياً يفرض التسوية. مثل هذا الأمر لم نشهده منذ أعوام كثيرة. كانت هناك مستويات مختلفة من التدخل الأميركي ولكن فجأة ها هم يأتوننا ويقررون كل شيء. ليس هناك أخذ ورد بين الأطراف والولايات المتحدة هي العصا. هذا تطور انقلابي».
«جورج بوش تمسك بسياسة تعددية وضحكوا عليه» تواصل هذه الأطراف. «فجأة يأتي رجل مع رؤية وقوة غير عادية ويقرر الصورة التي ستكون عليها التسوية. هذا انقلاب غير مسبوق. أوباما يستبعد عامل المفاوضات من تصوره للسلام كما كان بين إسرائيل والأردن ومصر. إسرائيل لن تستطيع التسليم بوضع كهذا حيث تفترض عليها سياسة تتعارض مع مصالحها الحيوية. نشأ هنا موقف غريب. الولايات المتحدة متعصبة للسيادة الفلسطينية، ولكنها تنتزع منا السيادة السياسية باتخاذ قرار حول ما نريده. أبو مازن قد سارع للقول ان الفلسطينيين سيجلسون بارتياح لان الولايات المتحدة تمثلهم».
وبالمناسبة خلال الرحلات الكثيرة التي يقوم فيها المسؤولون في ديوان رئيس الوزراء، ووزارة الخارجية لأوروبا وأميركا اصطدموا باطراف إسرائيلية تسعى لتكريس قضية التسوية القسرية في الإدارة الأميركية. أحدهم هو وزير الخارجية السابق البروفيسور شلومو بن عامي الذي يدير اليوم معهد أبحاث في مدريد. بن عامي هو مؤيد مخضرم لمثل هذه التسوية بعد أن يئس من قدرة الجانبين على التوصل إلى اتفاقيات بقواهما الذاتية. بن عامي يدعي رداً على ذلك أنه يلقي محاضرات حول مشاريعه في أماكن مختلفة من العالم إلا أنه لم يلتق مع اطراف من الادارة الجديدة حول هذه المسألة.
لحظة ماذا يعني ذلك؟
المؤشرات كانت رغم ذلك على الطريق وقد اخذت في الازدياد والوضوح. الذروة كانت على ما يبدو في الأسبوع الماضي في لندن. مبعوثو رئيس الوزراء الأوفياء قضوا هناك يومين طويلين محاولين التعرف على مواقف الإدارة الجديدة، وبناء اتفاقيات حول المرحلة المقبلة. الوزير دان مريدور المسؤول عن الأذرع السرية، وعوزي اراد المستشار السياسي لرئيس الوزراء، ويتسحاق مولكو مستشار نتنياهو الشخصي التقوا مع جورج ميتشل مبعوث أوباما الخاص لشؤون الشرق الأوسط ومع طاقمه.
المبعوثون خرجوا فزعين وعادوا أكثر فزعاً. هم تلقوا لكمة أميركية في الوجه من دون قفاز على اليد. «لقد كذبتم علينا حتى اليوم وقد انتهى الأمر» نقل عن ميتشل قوله ذلك بالأمس. نتنياهو سمع التقارير وأوشك على فقدان توازنه تقريباً. الأمر الأكثر إثارة لغضب رئيس الوزراء تجاهل أوباما وأعوانه لالتزامات الإدارة السابقة. «هذا مذهل» يقول نتنياهو مكرراً. هذا القرار يدمر الثقة بين الجانبين بصورة كاملة تقريباً. «نحن نعول على استمرارية معينة» يقول مسؤول كبير في الجهاز السياسي. «نحن نعتمد على الافتراض بأن هناك بنية تحتية للمواقف المشتركة. نحن نطرح عليهم قرارات تم الاتفاق حولها مع آخرين فقط من أجل ان نتأكد أنهم يديرون ظهرهم لها. أن تسأل نفسك: لحظة ماذا يعني ذلك؟ هذا على ما يبدو مس بمبادئ العلاقات الدولية وتعرض للمصداقية. كيف من الممكن التعامل بهذه الطريقة مع أوباما نفسه لأن أحداً ما سيأتي من بعده ولن يلتزم بما قاله. من الممكن تفهم استخفافه ببوش الذي سبقه، ولكن لماذا كلينتون؟».
حكاية إدارة أوباما مع بوش هي حكاية الاتصالات المكثفة بين إسرائيل والولايات المتحدة التي لا تنتهي. ايهود باراك أيضاً اصطدم في هذه المسألة خلال محادثاته. على الإدارة الجديدة أن تفعل عكس ما فعله بوش تماماً. هذا أسود وهذا أبيض. الوثب للوراء يصل حتى أعوام التسعينات. وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أعادت للصورة مسؤولين من عهد زوجها الرئيس حيث يقومون بإخراج المشاريع والبرامج من متاعهم. أوراق العمل التي تدور حول اتفاقيات كامب ديفيد تشهر مرة أخرى. كلينتون الذي كان مناصراً صارخاً لإسرائيل تصادم مع نتنياهو حول خطط أكثر اعتدالاً. أوباما كما يخشون سيأخذ هذه الخطط المتطرفة ويفرضها على إسرائيل.
لنظرة للوراء توجد ثقة عندنا بأن أوباما قد خطط ما يفعله بحرص وكذلك ما لن نفعله نحن. «ليست هناك أي ورقة، أو وثيقة، أو خطة عمل تدور حول إمكانية التسوية القسرية» يشتكي طرف سياسي. أوباما من ناحيته عكف جيداً على جدول أعماله، وبنى جدولاً زمنياً دقيقاً وضع فيه إسرائيل في أسفل التقويم. كما أن المكانة والاسلوب اللذين يتمتع بهما الرئيس الجديد تتسببان بقلق كبير في ديوان رئيس الوزراء. أوباما هو رئيس مستقل. هو الأول في تاريخ الولايات المتحدة الحديث الذي لا يحتاج إلى تبرعات اليهود حتى يصل إلى الحكم، وليس لديه عواطف جياشة تجاه إسرائيل. درجة تأثير «ايباك» عليه متدنية بالضرورة. وإسرائيل هي التي تدفع الثمن المباشر عن ذلك.
استعراض قوة غير كاف
من المحادثات الجارية في واشنطن والقدس ولندن وأماكن أخرى تزداد الصورة المقلقة التالية اتضاحا: باراك أوباما استبدل الموقف المتقدم للاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط مع إيران. بدلاً من إسرائيل هو يضع الدول العربية المعتدلة، مصر والسعودية والاردن وقد زار اثنتين منها في آخر الأسبوع، وفي القاهرة ألقى خطاب المصالحة التاريخي بالأمس ظهراً. على أوباما أن يبرهن لهذه الدول عن القوة والولاء ولذلك يستعرض عضلاته في وجه إسرائيل. العنوان المريح والأكثر توافراً هي المستوطنات لأنها تعتبر منذ أعوام رمز الاحتلال في نظر العرب، وكذلك في نظر الجمهور الأميركي واليهود.
على إسرائيل أن تموقع نفسها داخل هذا التحالف الجديد، ولكن رفضها الاعتراف بحل الدولتين واصرارها على المستوطنات يصعب عليها التعامل مع النصوص التي يستخدمها أوباما. محاولة التلويح برسالة الرئيس بوش لم تؤثر على رب البيت الجديد كما يعترف المسؤولون الإسرائيليون. الموافقة على البناء في القدس وفي الكتل الاستيطانية لا يعنيه، وليس في نظره فرق بين حي في معاليه ادوميم وبين بؤرة استيطانية في جفعات افيغيل جنوب جبل الخليل. أوباما يعرف أن المستوطنات واصلت ازديادها حتى الآن، وأن الإدارة الأميركية قد غضت البصر عن ذلك متنكرة لمصداقيتها.
مريدور واراد ومولكو حاولوا في لندن اقناع الأميركيين أن المستوطنات هي المشكلة الأخيرة في المنطقة الإسرائيلية الفلسطينية. ذلك لأن حكومتين معتدلتان، أولمرت وأبو مازن، حاولتا التوصل إلى تسوية شاملة ولم تنجحا. ولكن الأميركيين لم يقتنعوا، والمبعوثون المختلفون حاولوا الانتقال للتجارة السياسية العقيمة حول المستوطنات التي تجرى في هذه اللحظات. في البداية حاولوا الحفاظ على التفاهمات بين بوش وايهود أولمرت وترك استمرار البناء في القدس الشرقية والكتل الاستيطانية جانباً. هذا لم ينجح. بعد ذلك تحدثوا عن إزالة البؤر مقابل استمرار النمو الطبيعي. الخلاف بقي على حاله. تحدثوا عن تجميد في المستوطنات المعزولة فقط. انتقلوا للبحث في نسب النمو الطبيعي محاولين تحقيق شيء ما ربما. في آخر المطاف انتقلوا للتفاصيل. «ماذا سيحدث إن اشترى أحد ما شقة في معاليه ادوميم» تساءل أعوان نتنياهو متحدين ميتشيل. «هو لن ينتقل للسكن هناك».
«كل شيء سيقاس في آخر المطاف وفقا لمعيار النتيجة»، قال في هذا الأسبوع بنصف يأس أحد المسؤولين الكبار في الجهاز السياسي. «السؤال هو إن كانت الخطابات المعدة جيداً في أنقرة والقاهرة وفقاً للروح الانجليكانية، والمعدة بصورة انشائية عالية، مع رسائل تصالحية تجاه أطراف معادية للولايات المتحدة، وكل ذلك على حسابنا، هي الطريقة الصحيحة، هل ستقوم كوريا الشمالية في آخر العملية بتعديل مسارها، وهل ستصبح إيران أكثر شعوراً بالمسؤولية، وهل سيعود الإسلام المتطرف إلى رشده، وهل سيكون هناك نظام جديد في الشرق الأوسط وكل ذلك خلال عامين؟ إن كان الجواب نعم فقد عاد المسيح على ما يبدو».
ماذا... شارون؟
في الأسابيع المقبلة سيدخل نتنياهو في حالة طوارئ سياسية في ظل التطورات الدراماتيكية. المقربين منه يتحدثون عن ثلاث امكانيات للرد: المعارضة، التملص أو الانخراط. «المعارضة ليست آتية بالحسبان» استبعد أحد الوزراء المقربين ذلك فوراً. «ليست لدينا خيارات الدولة العظمى. وليست لدينا امتيازات وترف التصادم مع الولايات المتحدة. علينا أن نتزحزح جانباً. نحن في هذه اللحظة دولة صغيرة تتملص من مصيبة. سنضطر لمتابعة خطط أوباما الميدانية. وأن نرى كيف يحاول فرض برامجه ومشاريعه. أي دول عربية وغير عربية سيرغب في تفعيلها. وهل سيستخدم القوة ضد الفلسطينيين أيضاً؟»
اتحاد القوى الداخلي هو جزء من خطط نتنياهو ولذلك هو يحاول حشد اليسار ضد الضغط الأميركي الذي قد يشكل خطراً على استقلالية الدولة. في يوم الأحد مساء مثلاً كان من المفترض أن يسافر نتنياهو للمشاركة في حفل بلوغ ابن روني مانا صديقه. بدلاً من ذلك التقى مع رئيس «حزب العمل» ايهود باراك لساعات طويلة حيث كان هذا الأخير مزمعاً على السفر في اليوم التالي للولايات المتحدة. يوم الجمعة التقى لمدة ساعتين مع رئيس شاس الوزير ايلي يشاي. «جورج بوش الاب ووزير خارجيته بيكر نجحا في اخضاع اسحاق شامير ولكن الأغلبية في تلك الحال لم تصوت مع رئيس الوزراء. اليوم الأغلبية مع نتنياهو وحتى في أوساط اليسار لا يحبون رؤية الأميركيين وهم يتصرفون بغلظة ويمنعوننا من بناء روضة للاطفال».
ولكن قبل كل ذلك يتوجب على نتنياهو أن يقمع القوى التي تتحرك ضده في «الليكود». من أجل هذا الغرض هناك وزراء أصدقاء. في يوم الاثنين ظهراً قدم نتنياهو للمشاركة في اجتماع كتلة «الليكود» في الكنيست، واضطر لسماع أعضاء الكنيست الأكثر تطرفاً وهم يقولون له «لم تنتخب لهذا المنصب حتى تخلي البؤر الاستيطانية في أرض إسرائيل» الوزير يسرائيل كاتس هب فوراً لمساعدته. «كيف تتحدث بهذه الطريقة إلى رئيس الوزراء» وبّخ عضو الكنيست ياريف ليفين. «ماذا هل هو شارون، أم هو من اليسار؟ هو سيجري استفتاء منتسبين حول تجميد البناء في المستوطنات. انتم تثيرون الانطباع بأن نتنياهو يقسم القدس وفي آخر المطاف سيخرج هذا إلى الخارج». «صحيح وهذا ما يريدونه» أضاف نتنياهو بغضب.
نتنياهو ومقربوه على قناعة بأن اخلاء 22 بؤرة استيطانية لن يزعزع الائتلاف، وزراء «الليكود» الكبار ومن بينهم بني بيغن وبوغي يعلون أصحاب المواقف المتشددة مستعدون لدفع ثمن اخلاء البؤر الاستيطانية غير المرخصة إن كان ذلك سيساعد في الصراع ضد أوباما حول المستوطنات. افيغدور ليبرمان وكتلة البيت اليهودي سيغضون البصر. المعارضة ستأتي بالأساس من الاتحاد الوطني الذي سيتحالف مع أعضاء كنيست صغار في «الليكود»، ولكن الافتراض هو أن ذلك لن يتمخض عن أمور هدامة. هذا قد يكون خطأ. في مستوطنة ميغرون 46 عائلة و 150 طفلاً. صورة التراكتورات المتوجهة لتدمير المنازل بينما يقف النساء والأطفال ويفرون في وجهها صارخين لن تبقي ائتلاف نتنياهو اليميني في حال لا مبالاة.
بالمناسبة يجدون في «الليكود» عزاء معينا في هذا الوضع. «بفضل «الليكود» تجرى المعركة اليوم مع الأميركيين حول المستوطنات والبؤر الاستيطانية ولو كانت تسيبي ليفني رئيسة للوزراء لوافقت على المستوطنات، ولتمحور الضغط الأميركي اليوم حول تقسيم القدس وحق العودة».
شالوم يروشالمي
«معاريف»