ريتشارد دبليو. ران / الأخبار السارة

تصغير
تكبير

أتظن أن العالم يتطور نحو الأفضل أم يزداد سوءاً؟ رغم شعور التشاؤم اللامتناهي بعدم تطور الأوضاع الذي يثيره العديد من الإعلاميين والسياسيين، فإن الدليل الموضوعي هو أن العالم، بأي مقياس تقريباً، كان مكاناً أفضل لمعظم سكانه العام الماضي.

صحيح أن الثري يزداد ثراء، ولكن الفقير يزداد ثراء أيضاً بشكل كبير، ذلك أن عدد الفقراء يقل بشكل ملحوظ عاماً بعد عام، كما أن مزيداً من الناس يعيشون في دول حرة أكثر من أي وقت مضى. ومن الجيد أن نذكّر أنفسنا، رغم عدم رضانا عن قادتنا السياسيين، أن الأمور تتحسن.

ولا يحصل النمو الاقتصادي، والأهم من ذلك النمو الاقتصادي للفرد، في كل مكان تقريباً فحسب، وإنما يزداد معدل النمو أيضاً. فبمعدل نمو يبلغ 2 في المئة سنوياً، يحتاج الدخل إلى 35 عاماً ليتضاعف، ولكن بمعدل 5 في المئة سنوياً، يحتاج الدخل إلى 15 عاماً فقط ليتضاعف. حتى ان هناك أملاً ونمواً في أوروبا «القديمة» بوجود القيادتين الجديدتين في فرنسا وألمانيا.

إن طول العمر (وهو تمثيل جيد للتطورات الحاصلة في قطاع الرعاية الصحية وتراجع الفقر)، ونسبة سكان العالم الذين يعانون من سوء التغذية، ونسبة سكان العالم الأميين تتحسن في كل مكان تقريبا بشكل سنوي. وفي الوقت الراهن، ثمة نمو اقتصادي كبير في كل دولة على وجه الأرض باستثناء بعض الدول الصغيرة التي يسود فيها الاستبداد.

ومنذ زمن الثورات السياسية الاقتصادية في عهد ريغان/تاتشر وانهيار الشيوعية/الاشتراكية، بدأ الناس يتوقعون ارتفاع دخولهم بشكل سنوي. إلا أن هذا الوضع المريح كان مجرد نموذج في الربع الأخير من القرن. فحتى قبل بضع مئات من الأعوام، إلى أن جاءت الثورة الصناعية، بالكاد ارتفع الدخل الحقيقي للفرد الواحد.

نعم ثمة مشاكل؛ فالناس في دارفور يُجوعون حتى الموت ويُقتلون، والناس في كوريا الشمالية وكوبا وزيمبابوي وفنزويلا يعانون من حكام مستبدين، وبالطبع يتواصل القتل في العراق وأفغانستان. ولكن رغم مأساة هذه الأوضاع، فإن إجمالي عدد ضحايا العنف الناتج عن الدول والإرهاب يُقاس الآن سنوياً بالآلاف وليس بالملايين وهو ما يُعطي طابعاً مميزاً للقرن العشرين.

لطالما وقف المتشائمون في صفنا، وسيكونون يوماً ما على حق العالم سينتهي! ولكن رغم مبالغة الإعلام والمدونات الإلكترونية، فإن الرهان الأضمن هو أن الأمور سوف تتطور للأفضل بالنسبة إليكم ولعائلاتكم وليس للأسوأ. إلا أن هناك ثلاثة مخاطر تهدد سعادة ورفاهية الناس في المستقبل: الإرهاب، والمناصرة اللاعقلانية للبيئة العالمية، والكونغرس الأميركي.

إن استطاع الإرهابيون تدمير عدد من منشآت النفط الكبيرة أو أجزاء كبيرة أخرى من الاقتصاد العالمي، فسوف يعاني الكثير. وسيكون الرد المناسب، من وجهة نظر اقتصادية، معالجة الحادث كما لو كان كارثة طبيعية مثل تسونامي الذي حصل في المحيط الهندي. وهذا يعني تقديم الإغاثة والمعونات الإنسانية والانتقال إلى التنظيف وإعادة الإعمار ومن ثم المضي قدماً في الحياة. والخطر الحقيقي يكمن في مبالغة الحكومات في ردة فعلها بفرض الرقابة على الأسعار ورفع الضرائب وتدمير الحريات المدنية وهو ما يؤدي إلى تحويل حادث يمكن التعامل معه إلى كارثة عالمية حقيقية.

والخطر الكبير الثاني هو فرض الحكومات أنظمة رقابة بيئية من دون إجراء التحليلات المناسبة للكلفة والمنفعة. وقد حول عدد كبير من مناصري البيئة والمتحمسين لظاهرة الاحتباس الحراري العالمي قضيتهم من علم إلى مذهب ديني، وهو ما يستغله السياسيون المتشائمون لأهدافهم الخاصة المتعلقة بالسلطة. فيمكن للأنظمة الحمقاء أن تتسبب بارتفاع كبير في البطالة والصعوبات الاقتصادية.

أما الخطر الكبير الثالث والأخير فهو الكونغرس الأميركي، الذي له يد كبيرة في الجهل الاقتصادي عن طريق اقتراح الفكرة الهدامة والحمقاء تلو الأخرى. فعلى سبيل المثال، قام أربعة من أكبر مؤيدي حماية الإنتاج الوطني في الكونغرس الأميركي، الجمهوريان السيناتور تشارلز غراسلي من ولاية أيوا والسيناتور ليندسي غراهام من ولاية جنوب كارولاينا، والديموقراطيان السيناتور ماكس بوكاس من ولاية مونتانا والسيناتور تشارلز شومر من ولاية نيويورك، باقتراح تشريع من شأنه فعلياً أن يجعل الحكومة الأميركية تفرض أسعار صرف وفق أهوائهم.

ويبدو أن هؤلاء الأربعة، وكثيراً من زملائهم، مصممون، من خلال دعمهم للمعونات الزراعية وفرض قيود على التجارة، على تقليص الدخول الحقيقية للبشرية. فعدد كبير من أعضاء الكونغرس يريدون زيادة الضرائب وتضييق الخناق على الشركات المحلية والدولية، وجميعها وصفات لكارثة اقتصادية.

سوف يستمر التحسن الاقتصادي والإنساني بسبب رغبة معظم الناس في التطور بشكل كبير، وهو ما ثبت حتى الآن، ولحسن الحظ أنه قوة أقوى من الطبقة السياسية المتعطشة للسلطة والإرهابيين والمناصرين للبيئة الذين سيدمرون حرياتنا ورفاهيتنا الاقتصادية.


ريتشارد دبليو. ران


خبير اقتصادي في معهد كيتو بواشنطن العاصمة، ومدير مؤسسات اقتصادية عديدة بما في ذلك «المركز الأوروبي للنمو الاقتصادي» في النمسا، وهذا المقال برعاية «مصباح الحرية» www.misbahalhurriyya.org

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي