معزوفة جديدة، و«كلاوات غير شكل»- وفقا للهجة العراقية التي دخلت المقال بالعرض- ظهرت هذه الأيام، كلما قلنا إن النائب فلان بن علان به ألف علة وعلان، حتى نط البعض شاهراً سيفه، رافعا سبابته، صارخا بحنجرته: إنها إرادة الأمة، وأنت تسخف هذه الإرادة! ويضيف: هذا النائب حصل على ستة عشر ألف صوت، وفلان ثمانية عشر، وعلان بسبع تعش... وانت ببساطة تسخر منه!
نعم أن أعارضهم، واسخف من آرائهم، فلست ملزما برأي أي كان ومن كان، نحن في بلد ديموقراطي - أو هكذا يُفترض - وفي البلاد الديموقراطية، الفرد فيها هو الأهم، وهو الأساس، يحترم رأيه وعقيدته وخصوصيته، لا أحد له سلطة عليه في ما يؤمن ويقول ويفعل. هذا أولا!
ثانيا، بصراحة ووضوح، مع الأسف هذه الأمة إرادتها مسلوبة، أو لنجاملها قليلا ونقول: انها إرادة ناقصة، مجرد «مكسر وفانيلة وقحفية» من دون أي اكسسوارات... عندما تجتمع القبائل تحت جنح الليل البهيم، ومتصورين أن الناس بهيم، تنطلي عليهم كلمات مثل تشاورية وتعاونية... ثم يختارون، من كان فخذه أكبر، وجيبه أضخم، ودعمه أوفر، هل هذا يحقق إرادة الأمة!
إرادة الأمة لا علاقة لها بطائفيات ولا عائليات ولا فئويات، فمن وصلوا وصلوا بإرادة الطائفة، شيعة أم سنة، أو إرادة العائلة، عرباً كانوا أم عجماً، أو إرادة القبيلة، شمالية كانت أم جنوبية، أو إرادة المال، دينارا كان أو دولارا... هذه ليست إرادة، بل «قرادة» ابتلينا بها، وبالأصح بلينا أنفسنا بها!
«هاي شلون» إرادة، ما هذه الإرادة التعيسة، التي تأتي بالرديء من الناس، كي يمارسوا أهم الأعمال، وأكثرها مسؤولية، ثم نرفض أن يتعرض لهم أحد، وكأنهم أنبياء مرسلون من قبل الله، أو أولياء صالحون، أو ملائكة مُنزلون!
«ما نعروف نحجي، لو نلطم» على حالتنا، وعلى حالة الإرادة، التي أتت بمن يريد أن يحذف نصف الدستور على حسابه، وآخر يريد أن يحولها إلى محاكم تفتيش للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وثالث يريد أن يسترزق من وراء كرسيه، ورابع يجمع الثلاثة في واحد مثل إعلانات الصابون... وكله عند العرب صابون، فصابوننا ومصابنا ومصابكم جلل... فادعوا الله أن تعدي على خير الأربع سنوات المقبلة، أو على الأقل تعدي! فرجاء لا تدوخونا بإرادة الأمة، فهذه النوعية من الإرادة لا تسوى عندي «عفطة عنز»، وكما يقول أهل العراق «طرقاعة على هجي إرادة»!
جعفر رجب
[email protected]