قصائده مغامرة تزداد نضجا

حوار / جودت فخر الدين: قليل... هو الشعر الجيد

تصغير
تكبير
| بيروت - من اسماعيل فقيه |
اللبناني جودت فخر الدين واحد من الشعراء الذين عرفوا كيف يتوجهون الى الذات عبر القصيدة، وأشعاره اخترقت تفاصيل كثيرة في الحياة، ولم تتوقف عند حدود اخيرة. ما زال جودت يكتب ويقول، رافعاً سؤال الشعر بكل ما يمكن، بكل عزيمة. التقته «الراي» في هذا الحديث:
• كيف تُعرّف عن نفسك اليوم. عبر تجربتك في الحياة والكتابة، الى اين وصلت؟ حين تقف امام المرآة من ترى؟
- كيف أُعرّف عن نفسي اليوم؟ انه سؤال اطرحه على نفسي يومياً. وكلّما كتبت قصيدة جديدة، اشعر بأن اجاباتي عنه تزداد تشعباً وعمقاً. ان البحث عن الذات يجد اوسع حقوله وأجملها في الشعر. هذا هو رأيي. وهذا ما اقوم به عبر تجاربي في الحياة والكتابة. دائماً اعيد النظر، واتأمل، وأتردد، وأحتار، وأحلم، وأتحفز، ودائماً اجد نفسي منتقلاً من عمر الى عمر، او من مرحلة الى مرحلة. ودائماً اجد في قصائدي ما يشهد على هذا الانتقال او التحوّل او السفر. اذكر هنا قصيدتي الطويلة «ليس بعد» التي كتبتها على اثر تجاوزي الخمسين. اعرّف عن نفسي اليوم أنني دائم البحث والتحوّل، ومرآتي التي ارى عبرها وجوهي المتعددة او المتعاقبة هي قصائدي التي كتبتها خلال مسيرتي الشعرية.
• ما الجديد الشعري الذي تكتبه اليوم؟
- في العام 2006 صدرت «أعمالي الشعرية» عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر. وبعدها، وفي العام نفسه، صدرت لي مجموعة شعرية، هي الثامنة، عن دار رياض الريس للكتب والنشر، عنوانها «ليس بعد». بعد ذلك، امضيت تسعة اشهر في الولايات المتحدة، استاذاً زائراً في جامعة انديانا للعام الدراسي 2007-2008 وهناك كتبت ثلاث قصائد، اظنها تنطوي على رؤى ومناخات جديدة.
• ماذا قالت اشعارك؟ هل وصلت الى مكان يمكن وصفه؟
- اظن ان اجابتي عن السؤال الاول تصلح للاجابة عن هذا السؤال ايضاً. لقد شعرت منذ البداية بأن اشعاري مغامرة لغوفة تحتضن رؤى ومشاعر وتصوّرات ومواقف خاصة. امضي في هذه المغامرة، وأشعر بأنني ازداد مع الوقت نضجاً وخبرة. الى اين وصلت؟ قل انت.
• متى تكتب؟ وحين تكتب هل تشعر بأنك تخاطب فئة بشرية معيّنة؟
- قلت قبل قليل انني كتبت ثلاث قصائد خلال سنتين. احياناً تكون كتاباتي اغزر. لا ادري كيف تتأتي لي الكتابة الشعرية ومتى. وحين اكتب لا اتوسّل جمهوراً معيّناً، اي لا اسعى الى ارضاء مناخ عام او اتجاه ثقافي معيّن. اثبت في كتاباتي ما احسبه تطوراً في مسيرتي وتجدّداً في رؤاي ولغتي.
• اضيف الى السؤال واتوسّع فيه: لماذا تكتب؟ ما جدوى الكتابة او جدوى القصيدة؟ ماذا تعطيك القصيدة وماذا تأخذ منك؟
- اكتب الشعر لكي اشعر بنفسي، لكي اغوص اكثر فأكثر في معنى وجودي. القصيدة هي تجسيد لشعوري هذا. انها غاية في ذاتها. جدوى القصيدة تتمثّل في تحقيق المتعة وتجسيد القيم الجمالية.
• كيف تقرأ اشعارك؟ اقصد هل تعود الى ما كتبته سابقاً، كيف ولماذا؟
- قلت في اجابة سابقة انني ارى في قصائدي وجوهي المتعاقبة، اي انني ارجع احياناً الى ما كتبته كمن يعيد النظر في ما حققه، او كمن يستعرض مشاهد في مسيرته الطويلة. لم انقّح الا قليلاً، وذلك عندما عملت على اصدار مجموعاتي السبع الاولى في مجلد تحت عنوان «الأعمال الشعرية». وقد اقتصر التنقيح على بعض القصائد في مجموعتي الاولى «اقصّر عن حبّك» التي كانت قد صدرت في طبعتها الاولى في العام 1979 .
• هل ثمة لحظة خاصة ومميزة في حياة الشاعر يركن اليها ليُبدع؟ اين انت من هذا الامر؟
- اللحظات الخاصة او المميزة تنتج من ظروف عامة او شخصية لا يستطيع الشاعر ان يتحكم فيها، وان كان يعمل بطريقته الخاصة على تدبّرها او تهيئتها. يعمل على ذلك بوسائل عدة، ابرزها القراءة التي ينبغي له ان يزاولها ساعياً الى تحسين شروطها كمّاً ونوعاً.
• كتبت عن احاسيس ومواضيع وأماكن كثيرة، هل هناك بعد مواضيع تتمنى الدخول في تفاصيلها؟
- لا يُقرّر الشاعر مواضيعه سلفاً. الموضوع بتفصيلاته ومتعلقاته من معان وأحاسيس وصور... وما الى ذلك يتأتى تلقائياً من الحالة او الظرف الذي يعيشه الشاعر. واذا كان لكل شاعر مزاجه وحالاته وتصوراته، فان له تبعاً لذلك مواضيعه الخاصة او المفضلة. لقد احتفيت في اشعاري - كما جاء في سؤالك - بأماكن وحالات ومواقف معيّنة، تهيأت لي من تجاربي في الحياة، ابتداءً من الطفولة والنشأة في عائلة معنية بالشعر. آمل ان يتهيأ لي مزيد من المواضيع التي لا اتوقعها من الآن.
• ثمة من يقول ان اجمل الاحاسيس هي التي لم نمتلكها. ما رأيك؟
- نعم، نحن - بطبيعتنا - نُحبّ الوعود التي نعد انفسنا بها. وأجمل الوعود هي تلك التي يوحي بها الشعر. ذلك ان الشعر اجمل المغامرات، وأكثرها تفاؤلاً وحماسة في التطلع الى المستقبل. وكلّما حقق الشعر فتحاً جديداً، وعد بفتوحات اكبر وأبعد. وأظن ان الشاعر التركي ناظم حكمت هو الذي يقول: ان اجمل الاقوال هو ما لم اقله بعد.
• ماذا تعني لك المرأة اليوم؟ هل تغيّر معنى حضورها في افكارك وأشعارك ام انها ما زالت محافظة على المكانة نفسها؟
- التحوّلات في الشعر تشبه التحولات في الحب. واذا كان الشعر يحيا ويتطور على التجدد، فان الحب كذلك يحيا ويتطور على التجدد. لقد كانت الحبيبة ولا تزال ركناً اساسياً في قصائدي. ولكن حضورها يتراءى للقراء خفياً او رشيقاً او عميقاً. وذلك لأنني لم انظر يوماً الى المرأة والى علاقتي بها نظرة تقليدية. لم اجد في المرأة مجرّد موضوع، موضوع للشعر او لغيره، وإنما وضعتها في تصوري في موضع التكافؤ مع الرجل. وتالياً وضعت الحبيبة التي اخاطبها او اتحدث عنها في شعري، وضعتها في موضع المكمّل لي، او انا في موضع المكمّل لها. والعلاقة هذه بيني وبين الحبيبة تتغيّر وتتطوّر في شعري كما يتغيّر شعري نفسه ويتطوّر.
• العاطفة، هل لها تفسير ثابت في حياتك وأيامك وأشعارك؟
- استطيع القول انني شخص عاطفي، اي انني انفعل بسرعة، في مواقف الحزن، وكذلك في مواقف الفرح. هذا جزء من طبيعتي. ولا بدّ من انه متجذر في طفولتي وفي ظروف نشأتي وتربيتي.
• متى تحزن؟
- احزن كثيراً كلّما خاب املي، وخصوصا اذا تعلّق الامر بشخص وضعت فيه ثقتي.
• متى تفرح؟
- اكثر ما اشعر بالفرح في عائلتي، حيال نجاح ابنائي، وكذلك عندما تستقيم لي امور الكتابة الشعرية وتتهيأ لي لحظاتها المؤاتية.
• كيف تنظر الى الشعر اليوم؟ هل هو في مأزق ام في ببحبوحة ام في غير ذلك؟
- المشهد الشعري اليوم راكد نوعاً ما، رغم الكمّيات الكثيرة من الكتابات التي يتوالى صدورها. المسألة ليست في الكمية، وإنما المهم ان تكون هناك نوعيات جديدة. ما يكتب اليوم من شعر جيّد قليل جداً، ان لم نقل انه بات نادراً. آفاق الشعر اليوم ضيّقة. واتجاهاته ووسائله باتت في معظمها مستنفدة. هناك قليل من الشعر الذي يوحي او يلوّح بما هو جديد يتجاوز ما قدمته حركة الحداثة التي انطلقت قبل اكثر من ستة عقود. ان الركود الذي اشير اليه مرتبط بمجمل الاوضاع العربية التي تعاني ترديا عاما، في مختلف المجالات، ولا سيما في المجال الثقافي. ولكن هذا الامر لا يعفي المعنيين بالشعر من مهمة العمل على استنهاضه وتجديده. والتعويل في هذا هو على القليل القليل الذي اشرت اليه.
• ثمة من يقول بنهاية الشعر، ما رأيك؟
- الشعر لا ينتهي، وإنما من شأنه ان يتغيّر وان يتحوّل وان يتجدّد. ومن الطبيعي ان تتبدّل اشكاله من وقت الى وقت. ان سيرورته شبيهة بسيرورة الحياة نفسها. والمتغيرات التي يشهدها العالم، وان بدت للبعض او للكثيرين معاكسة للشعر او مؤثرة فيه على نحو سلبي، لا بد من انعكاسها في الشعر او استيعابها من قبله، بل لا بد من ان تمدّه بمعطيات جديدة من شأنها ان تجعله ينطلق من جديد، وهو الذي يحاول ذلك على نحو مستمر.
• هل توافق على الكلام القائل بصراع الاجيال؟ ولماذا؟
- اذا كان الصراع يعني التفاعل والتعمق في سبيل التجاوز والاضافة، فهو امر مطلوب بين الاجيال الشعرية. ولكن دعني اسجّل هنا ان الاجيال الجديدة او الشابة كثيراً ما تبدو مقصّرة في علاقتها حيال تراثها الشعري. والعلاقة الجيّدة بالتراث لا تتوافر لمجرد الرغبة في ذلك، وإنما تُنال بجهد كبير، كما يقول الشاعر والناقد ت. س. إليوت على شعراء الجيل الجديد ان يبذلوا ما يكفي من الجهود في قراءة من سبقهم، لكي يتّخذ الصراع بين الاجيال بُعده المثمر.
• كيف تقرأ احدث ما كُتب، اقصد احدث الاشعار او الاجيال؟
- احاول ان اتابع كل شيء في الشعر، وان اقرأ كل ما يتسنى لي من الاصدارات الحديثة. ابحث في هذه الاصدارات عمّا هو جديد، وكلّما وقعت فيها على ما هو جميل افرح وأحتفي به.
• ماذا يعني لك الوطن؟
- ابو العلاء المعرّي يُشبّه الوطن بالسجن، وانا اضيف قائلاً: انه سجن جميل كالحب ... او كالزواج.
• والانسان؟
- الانسان كائن معذب، لا يستطيع ان يكون شجرة تنبت، وتنمو، وتفرح، وتحزن، وتيبس، من دون افتعال.
• والطبيعة؟
- الطبيعة تحد فاتن لنا. تغرينا وتخيفنا. نتوهّج في حضنها كالاسئلة، الطبيعة اجمل التحديات.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي