د. شفيق ناظم الغبرا / هل هزمت «القاعدة» في العراق؟

تصغير
تكبير

رغم استمرار الحرب في العراق إلا أن الأمل في قيام عراق مسالم بين جميع فئاته أصبح اليوم أكبر مما كان منذ شهور. فالعراقيون دفعوا ثمناً كبيراً للإرهاب الداخلي، وقد وصلت الأوضاع على مدى عام إلى حدود الحرب الأهلية التي دمرت الحياة وهجرت الملايين. ولكن المعادلات بدأت تختلف. فهناك في العراق بداية جديدة مرتبطة بوقوع هزيمة استراتيجية لقوات «القاعدة» هناك.

فبسبب عوامل عدة هناك تراجع استراتيجي لوضع وقوة «القاعدة» في الوسط السني العراقي. فالتقارير التي أشارت منذ شهور قليلة إلى بداية انقلاب السنة على «القاعدة» كانت تشير إلى تحول مهم في الوسط السني. فـ«القاعدة» التي كانت تعد بعشرات الآلاف في الأعوام القليلة الماضية فقدت معظم هذه القوة في العراق. هكذا يدخل العراق آفاقاً جديدة مع تراجع الإرهاب الموسع الذي قادته «القاعدة». 

ولكن هزيمة «القاعدة» الاستراتيجية في العراق لم تكن أمراً سهلاً بعد أن تحولت إلى عصب المقاومة السنية وإلى سلطة حقيقية في الوسط السني العراقي. فبذور تراجعها كانت أيضاً في قوتها وتجاوزها لسلطتها. فقد تجاوزت الحدود في التعامل مع العراقيين(وهم مختلفون تماماً عن المجتمع في أفغانستان)، وتجاوزت الحدود في الحكم على المجتمع وأفراده تجاه القضايا التي تعتبرها أخلاقية وفق تصوراتها، خصوصاً عندما تمس وضع المرأة كما تجاوزت الحدود في اتجاهاتها الطائفية. هذا الجانب استفز واستعدى فئات كبيرة في المجتمع السني والشيعي في الوقت نفسه.

لقد تصرفت «القاعدة» بشدة مع كل من خالفها، فمن لم يكن معها تحول إلى عدو استوجب استخدام السلاح معه. لهذا قامت «القاعدة» بحملة تصفيات واعتدت على شخصيات ومؤسسات واستهدفت مدنيين في الوسط السني، إضافة بالطبع للوسط الشيعي. في نهاية اليوم بدأ المجتمع السني يلفظها بسبب التصرفات السياسية والسلوكية الصادرة عن «القاعدة» وبسبب الضغط الكبير الذي مارسته القوات الأميركية والعراقية الحكومية وسط تعاون أيضاً في العالم العربي وتخوف من أن يتحول العراق إلى أفغانستان جديدة.

إن الوضع السني العراق في طريقه إلى استعادة توازنه: إعفاء لشخصيات معروفة من اجتثاث «البعث»، عودة القبائل للعب دور سياسي واجتماعي، حراك سياسي وتمثيل سياسي. هكذا يمكن القول إن هزيمة «القاعدة» ليست هزيمة للسنة في العراق، بل بداية إعادة تأهيلهم للعملية السياسية العراقية الجديدة.

السؤال الأكبر: ماذا سيحصل لما يقارب العشرين ألف مقاتل من «القاعدة» الذين قاتلوا على مدى أكثر من ثلاثة أعوام القوات الأميركية في العراق؟ هناك أعداد كبيرة من جنسيات عربية، وهناك الكثيرون منهم من العراق. إن إعادة تأهيلهم هي الأخرى ستتطلب الكثير. فبعضهم التحق الآن بقوات العشائر وبعضهم أصبح تائباً. هكذا هي دورات العنف تنتهي بنتائج تتطلب الكثير من إعادة التأهيل. وهذا بطبيعة الحال ينطبق على العرب الذين يعودون إلى بلادهم بعد أن سقطت قوة «القاعدة».


د. شفيق ناظم الغبرا


أستاذ العلوم السياسية

shafeeqghabrea@gmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي