خيرالله خيرالله / تشكيل حكومة فلسطينية هو الرد على نتنياهو!

تصغير
تكبير
استهدف لقاء الرئيس باراك أوباما برئيس الدولة الإسرائيلي شمعون بيريس حديثاً إقناعه بأن الإدارة الأميركية جادة في اطلاق المفاوضات على المسار الفلسطيني - الإسرائيلي بهدف التوصل إلى تسوية تستند إلى خيار الدولتين. كل ما يريد أوباما قوله هو أن الإدارة ملتزمة هذا الخيار وأنها ليست على استعداد للتخلي عنه نظراً إلى أن لا بديل آخر منه باستثناء استمرار الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات سلبية على الاستقرار في الشرق الأوسط. هل الولايات مهتمة بالاستقرار في الشرق الأوسط وهل تعتبر التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين مدخلاً للاستقرار؟ الجواب عن السؤالين نعم كبيرة. ظهر ذلك على نحو جلي من خلال المحادثات التي أجراها الرئيس الأميركي مع الملك عبدالله الثاني أواخر الشهر الماضي. استطاع العاهل الأردني تحقيق تقدم على صعيد إقناع أوباما بأهمية عامل الوقت، وأن التوصل إلى تسوية أمر ملح وحيوي لأمن المنطقة واستقرارها.
ليس سراً أن الرئيس الأميركي استجاب للطرح الأردني وقد عبّر عن ذلك بشكل صريح في التصريحات التي أدلى بها في حضور عبدالله الثاني. شدد أوباما بدوره خلال اللقاء وبشكل علني على أهمية عنصر الوقت من جهة وعلى الحل القائم على خيار الدولتين وعلى السلام الشامل في المنطقة من جهة أخرى. ذلك هو الخيار الأميركي الذي يفترض بالعرب الاستفادة منه، رغم وجود حكومة إسرائيلية برئاسة بنيامين نتانياهو ترفض كلياً قيام دولة فلسطينية مستقلة... وتراهن على الوقت لفرض أمر واقع جديد على الأرض يتمثل في خلق كل ما من شأنه الحؤول دون قيام دولة فلسطينية مستقلة «قابلة للحياة» في المستقبل المنظور وحتى في يوم من الأيام...
لا شك أن زيارة بيريس للبيت الأبيض تندرج في سياق التمهيد لمجيء نتانياهو إلى واشنطن. المطلوب أن يفهم رئيس الوزراء الإسرائيلي أن هناك تصميما أميركياً على السير في اتجاه تطبيق خيار الدولتين. شدد الرئيس الأميركي أمام رئيس الدولة الإسرائيلي، الذي لا يمكن وصف منصبه سوى بكلمة «فخري» لو لم يكن بيريس في هذا الموقع، على أن ليس أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي خيار آخر غير خيار الدولتين وأن لا تراجع أميركياً عن هذا الموقف. الأكيد أن نتانياهو يهيئ نفسه من الآن للقاء مع أوباما، ومن الطبيعي أن يكون لديه جواب جاهز على الطرح الأميركي. يتلخص الجواب الإسرائيلي بأن لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه. ما يمكن توقعه من الآن هو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سيقول لأوباما إن إسرائيل جربت المفاوضات مع الفلسطينيين ولم تتوصل إلى نتيجة، كما جربت تنفيذ انسحابات كما حصل في غزة صيف العام 2005، فكانت النتيجة الصواريخ التي تطلقها «حماس» من القطاع. أكثر من ذلك، سيعود رئيس الوزراء الإسرائيلي بالذاكرة إلى العمليات الانتحارية التي كانت تستهدف مدنيين إسرائيليين، وهي عمليات لجأت إليها «حماس» في كل مرة كانت المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية تحقق تقدماً ما! في النهاية سيعتمد نتانياهو على الحجة التي استخدمها قبله آرييل شارون لتنفيذ انسحاب من جانب واحد من غزة في العام 2005 ومتابعة إقامة «الجدار الأمني» الذي يكرس الاحتلال الإسرائيلي لجزء من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية.

هذه هي المعطيات المتوافرة عن السيناريو الذي سيلجأ إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي للتصدي للالتزام الأميركي بخيار الدولتين. وكان الكلام الغامض لرئيس الوزراء الإسرائيلي قبل أيام أمام اللوبي الإسرائيلي (أيباك) دليلاً على أنه لا يريد حلاً، بل يبحث عن كسب الوقت ليس إلاّ. ما الذي سيفعله الجانب الفلسطيني لتفويت الفرصة على نتانياهو ودعم الموقف الأميركي، بل الاستفادة منه؟
في استطاعة الجانب الفلسطيني الإقدام على خطوة مفيدة لحرمان نتانياهو من القدرة على القول أن لا وجود للشريك الفلسطيني الذي يمكن التفاوض معه. كل ما على رئيس السلطة الوطنية السيد محمود عباس (أبو مازن) عمله هو الإسراع في تشكيل حكومة فلسطينية جديدة خلفاً للحكومة الحالية برئاسة الدكتور سلام فياض. حكومة تؤكد التزام البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية المقبول من المجتمع الدولي. حبذا لو تكون الحكومة برئاسة فياض نفسه الذي أثبت أنه رجل دولة بالفعل، وأنه يعمل لمصلحة الشعب الفلسطيني. مثل هذه الحكومة ستؤكد أن الفلسطينيين يمتلكون القدرة على اتخاذ قرارات جريئة والذهاب إلى النهاية في مفاوضات تستهدف التوصل إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة تعيش بسلام ووئام مع جيرانها ولا تشكل تهديداً لأحد. مطلوب بكل بساطة أن يتصرف الفلسطينيون من منطلق أنهم الضحية، وأن إسرائيل هي الطرف المعتدي، وأنها هي التي تمارس إرهاب الدولة في حق شعب كل ما يسعى إليه هو ممارسة حقوقه الوطنية بكل حرية على أرضه التاريخية.
تبدو الحكومة الفلسطينية الجديدة ضرورة قصوى ومطلباً وطنياً في آن. فإذا كان «أبو مازن» ينوي انتظار أن تفضي المفاوضات الدائرة في القاهرة بين الفصائل الفلسطينية إلى نتيجة، سيترتب عليه الانتظار طويلاً، بل طويلاً جداً. «حماس» لا تريد حكومة إلا بموجب شروط معينة تزيد من عزلة الفلسطينيين كي يزداد بؤسهم ويسهل عليها تغيير طبيعة المجتمع، بدلاً من العمل على زوال الاحتلال. إنها بكل بساطة تريد حكومة تصب في خدمة نتانياهو، حكومة تتمسك بشعارات بالية يرفعها رئيس الوزراء الإسرائيلي بدوره في البيت الأبيض في وجه الرئيس الأميركي ليقول له إنه لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه وإنه لابدّ من مقاربة جديدة للتسوية بعيداً عن خيار الدولتين. باختصار شديد، مطلوب حكومة فلسطينية جديدة قبل وصول نتانياهو إلى واشنطن في الأسبوع الثالث من الشهر الجاري. كلما استعجل الفلسطينيون في ذلك، كلما قدموا خدمة لقضيتهم! هل يدرك الفلسطينيون أن عليهم إيجاد طريقة للتأكيد للعالم أنه ليس صحيحاً أنهم لا يتقنون سوى تفويت الفرص التي تتاح لهم؟
خيرالله خيرالله
كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي