لغة الأشياء / حالة ما...!

تصغير
تكبير
| باسمة العنزي |
إن كنت مبتهجا هذا الصباح أرجوك لا تقرأ هذا المقال.
***
تغلف مساماتك غلالة رقيقة من الضجر، تلتف حول خطوتك خيوط من الخذلان، تستوطن جوفك كتل من الملح، تنهضين هذا الصباح بمزاج خاسر، لا تراهنين على الجديد و لا تستعذبين ماء الذاكرة، تنهضين من تجربة موت قصير متقطع لا تتخلله الأحلام و لا الكوابيس، دوران في أفلاك بعيدة بشكل سريع. يصحو طينك آخر الفجر، تتأكدين بتلقائية أنك مازلت تتنفسين ولديك الكثير من المهمات الاعتيادية.
قطعة فقدت منك قبل أيام, أما زلت ترغبين في البحث عنها؟! أحدهم ألقى نيزكا على سطح غرفتك الزجاجية دون اكتراث، تهشم السقف وفرت بجعات الطمأنينة بندوب على رقابها، قدمك تخطو فوق قطع الزجاج المتناثرة بينما تنزف روحك ببطء شديد.
عروقك ممتلئة بالمرارة دون سبب منطقي, أحيانا تبالغين في ردود فعلك، تتمنين لو أنك مثل الجميع بقدر أقل من كل أسباب التماهي مع الواقع. لو أنك أقل حكمة وأكثر سطحية وأشد صلابة، لو أنك تستطيعين المرور بكل شيء بشكل مجرد من العاطفة الجياشة، لكنك موصومة بما لا يعلمون.
ومثلما تستفيق خرائط مدنك السرية بضحكة رائقة تدلقينها على عتبة نهارك، في تلك الصباحات الباردة المغموسة بالتفاؤل، تتزعزع مملكة انسجامك بفكرة متسللة أو حدث مباغت ألقاه أحدهم وسط يومك و توارى.
لا تبحثين كثيرا عن سبب تلك الهوة بينك وبين الآخرين، صوتك لا يصل جدار صامت يفصلك عنهم، يدخلونك عنوة في تفاصيلهم وتهربين تاركة لهم انطباعاتك على الطاولة المستديرة، لتذروها الريح بعد حين، تبحثين عن عزلتك وسط الجموع، تقفين على قمة هرم ماسلو وهم مازالوا في الجزء الثالث منه، تنزوين بعدما سقط جسر العبور في واد سحيق، تغلفين ذاتك بالمزيد من الأمزجة، كي لا يهزمك مزاجك الخاسر عندما يستبد ويطوقك لأيام لا تطول.
تنظرين من علٍ لمنحدرات يومك, تتمنين ألا تتأثرين، حينما لا يعنيك الأمر، ألا تمارسي شجاعة غير مألوفة في التعبير عن رأيك، تتمنين لو تستطيعين أن تكوني شديدة اللطف ومحايدة ولامبالية وقادرة على استخدام مفردات مكررة بشكل يومي حتى تتصالحي مع كائنات الضحالة، لكنك لا تحاولين أبدا مما يزيد الأمر سوءا.
حينما يغمرك مزاجك الخاسر، تقطعين طريقك اليومي دون محاولات اكتشاف طرق بديلة، تطلبين القهوة التي لا تشربينها، وتحدقين في سوادها السائل، تدخلين حوارات جانبية على مضض، لا تردين على الهاتف ولا تضعين عطرا، عندما يغمرك مزاجك الخاسر، يبدو يومك و كأنه رحلة طويلة في ممرات الضجر الممزوج بالانكسار.
عندما يغمرك مزاجك الخاسر... تتوقف جنيات السعادة عن الغناء ويمر الوقت بشكل أثقل وتتقلص مساحة الدهشة، تاركة لك خيارا واحدا... أن تنتشلي ذاتك وتقذفي بها في لجة بعيدة في أقرب وقت.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي