مقال / تفاصيل


| إبراهيم صموئيل |
ليس من استخلاصات أخيرة ونهائية في شأن العلاقة بين الكاتب وكتابته. لا يمكن أن نقطع بالقول: الكتابة حياة الكاتب، ولا أن نجزم بالوجه الآخر: التوقّف عنها موته. ثمة من يستمر بالكتابة بصرف النظر عن المستوى حتى الرمق الأخير، وثمة من يتوقّف قبيل حافة الهاوية، وثمة من يعتزل وإنتاجه وشهرته في الذروة... وثمة عشرات المسالك والمواقف والممارسات.
لكل حالة أمثلتها الكثيرة وشواهدها المتعددة ليس في حقل الكتابة فحسب، وإنما في الكثير من الأعمال والمهن والنشاطات الذهنية والبدنية. أمر الكتابة يتعلّق بكاتبها عينه، بشخصيته منفرداً ومستقلاً وإن كانت تجمعه مع غيره من الكتّاب مهنة واحدة، أو يربط فيما بينه وبينهم النشاط نفسه.
في الدخول إلى التفاصيل سنجد لدى كاتب ما حساسية مفرطة، وعيناً ناقدة لا ترحم، كما يُقال، لأي نص جديد له، وبهذا المعنى تكون سلطة الناقد لدى هذا الكاتب لا تقل قوة عن رغبة الإبداع والكتابة لديه. يعاين نصّه، ويضعه في ميزانه النقدي الخاص، ومن ثمة يحكم عليه أو له، بلا هوادة ولا مجاملة، كما لو كان النص لمجهول!
لدى كاتب آخر، الحال معكوسة تماماً: ليس معنياً بسوية ما ينتج. «كلهم أبناؤه» كما يقال، المهم بالنسبة له أن يستمر في الكتابة والطباعة والنشر طالما استطاعت يده الإمساك بالقلم أو تمكّنت أصابعه من التحرّك على أزرار جهاز الطباعة، إذ «لو توقّفتُ عن الكتابة يقول لحكمت على نفسي بالموت» ثم يتفنّن بمقولات أخرى تفيد في مجملها بأن حياته الكتابة!
في المساحة بين الكاتبين السابقين، نلتقي كتّاباً من مختلف الأمزجة والأهواء والآراء والمواقف. هناك مَنْ يعطي قدر ما لديه، فإذا ما نضب، لا يستولد ولا يشتقّ ولا يستنسخ، وآخر يعوُّل على تقدير الآخرين لما يكتب، فإنْ لم يسعفه الحظ، أو يغيثه فن التسويق والعلاقات الشخصية والدهاليز السرية للانتشار كفَّ عن الكتابة وتوقّف. وآخر لا يعتبر نفسه «موظفاً» في مؤسسة للكتابة، أو طرفاً في عقد مع القراء غير قابل للفسخ، فتراه يسلك السلوك الذي يحلو له أو يعنّ على خاطره، وآخر يعمل وفق «إذا هبَّت رياحك فاغتنمها» فيغتنم الفرصة ويسوق بحسب السوق، فإذا كان الرائج الكتابة عن الشاذّين والمثليين خاض في عوالمهم وأنتج، وإذا كانت الموجة باتجاه هتك المحظورات والمحرمات الدينية، هَتَكَ وأثار الزوابع والعواصف... وهكذا يصبح عضواً فعّالاً في جمعية: «كتّاب حسب الطلب»!
من هنا، لا يصحُّ استخلاص حال واحدة موحّدة للعلاقة بين الكتابة والكاتب وتعميمها، لأن من شأن ذلك إلباس العلاقة ما ليس لها على الدوام ولا هو فيها، ولأن من شأن ذلك خداع المتلقي وإيهام القارئ بأن وقف الكتابة فيه موت للكاتب، ولأن من شأن ذلك أخيراً شرعنة الاسفاف وتبرير الهبوط وغفران تدني السوية رغم الشكوى من ظاهرتها في واقعنا الأدبي!
يؤكد على خلط التعميم السابق حرص عدد من الكتّاب والفنانين، ارتقوا بمستوى أدبهم وفنهم وأبدعوا فيما أنتجوا، على ألاّ يقدّموا أي إنتاج جديد هابط المستوى، ولو نسبياً، عن مستوى أعمالهم السابقة التي عُرفوا بها، مما يدفعهم إلى الالتفات للقراءة والقيام بالتدريس والتدريب في المراكز والمعاهد المختصّة، والحال أنهم لو أرادوا لكانوا قادرين على الاستمرار في الإنتاج، بل وحصد الإعجاب والتهليل وإن يكن لما سبق وقدّموه ولسطوة أسمائهم ليس إلا!
والسؤال: هل موت الكاتب، وأي مشتغل في النشاط الذهني وحتى البدني، في محاذرته من الهاوية وتوقّفه في المرحلة الحاسمة، أم في المضي «قُدماً» مهما كان الثمن؟!
ليس من استخلاصات أخيرة ونهائية في شأن العلاقة بين الكاتب وكتابته. لا يمكن أن نقطع بالقول: الكتابة حياة الكاتب، ولا أن نجزم بالوجه الآخر: التوقّف عنها موته. ثمة من يستمر بالكتابة بصرف النظر عن المستوى حتى الرمق الأخير، وثمة من يتوقّف قبيل حافة الهاوية، وثمة من يعتزل وإنتاجه وشهرته في الذروة... وثمة عشرات المسالك والمواقف والممارسات.
لكل حالة أمثلتها الكثيرة وشواهدها المتعددة ليس في حقل الكتابة فحسب، وإنما في الكثير من الأعمال والمهن والنشاطات الذهنية والبدنية. أمر الكتابة يتعلّق بكاتبها عينه، بشخصيته منفرداً ومستقلاً وإن كانت تجمعه مع غيره من الكتّاب مهنة واحدة، أو يربط فيما بينه وبينهم النشاط نفسه.
في الدخول إلى التفاصيل سنجد لدى كاتب ما حساسية مفرطة، وعيناً ناقدة لا ترحم، كما يُقال، لأي نص جديد له، وبهذا المعنى تكون سلطة الناقد لدى هذا الكاتب لا تقل قوة عن رغبة الإبداع والكتابة لديه. يعاين نصّه، ويضعه في ميزانه النقدي الخاص، ومن ثمة يحكم عليه أو له، بلا هوادة ولا مجاملة، كما لو كان النص لمجهول!
لدى كاتب آخر، الحال معكوسة تماماً: ليس معنياً بسوية ما ينتج. «كلهم أبناؤه» كما يقال، المهم بالنسبة له أن يستمر في الكتابة والطباعة والنشر طالما استطاعت يده الإمساك بالقلم أو تمكّنت أصابعه من التحرّك على أزرار جهاز الطباعة، إذ «لو توقّفتُ عن الكتابة يقول لحكمت على نفسي بالموت» ثم يتفنّن بمقولات أخرى تفيد في مجملها بأن حياته الكتابة!
في المساحة بين الكاتبين السابقين، نلتقي كتّاباً من مختلف الأمزجة والأهواء والآراء والمواقف. هناك مَنْ يعطي قدر ما لديه، فإذا ما نضب، لا يستولد ولا يشتقّ ولا يستنسخ، وآخر يعوُّل على تقدير الآخرين لما يكتب، فإنْ لم يسعفه الحظ، أو يغيثه فن التسويق والعلاقات الشخصية والدهاليز السرية للانتشار كفَّ عن الكتابة وتوقّف. وآخر لا يعتبر نفسه «موظفاً» في مؤسسة للكتابة، أو طرفاً في عقد مع القراء غير قابل للفسخ، فتراه يسلك السلوك الذي يحلو له أو يعنّ على خاطره، وآخر يعمل وفق «إذا هبَّت رياحك فاغتنمها» فيغتنم الفرصة ويسوق بحسب السوق، فإذا كان الرائج الكتابة عن الشاذّين والمثليين خاض في عوالمهم وأنتج، وإذا كانت الموجة باتجاه هتك المحظورات والمحرمات الدينية، هَتَكَ وأثار الزوابع والعواصف... وهكذا يصبح عضواً فعّالاً في جمعية: «كتّاب حسب الطلب»!
من هنا، لا يصحُّ استخلاص حال واحدة موحّدة للعلاقة بين الكتابة والكاتب وتعميمها، لأن من شأن ذلك إلباس العلاقة ما ليس لها على الدوام ولا هو فيها، ولأن من شأن ذلك خداع المتلقي وإيهام القارئ بأن وقف الكتابة فيه موت للكاتب، ولأن من شأن ذلك أخيراً شرعنة الاسفاف وتبرير الهبوط وغفران تدني السوية رغم الشكوى من ظاهرتها في واقعنا الأدبي!
يؤكد على خلط التعميم السابق حرص عدد من الكتّاب والفنانين، ارتقوا بمستوى أدبهم وفنهم وأبدعوا فيما أنتجوا، على ألاّ يقدّموا أي إنتاج جديد هابط المستوى، ولو نسبياً، عن مستوى أعمالهم السابقة التي عُرفوا بها، مما يدفعهم إلى الالتفات للقراءة والقيام بالتدريس والتدريب في المراكز والمعاهد المختصّة، والحال أنهم لو أرادوا لكانوا قادرين على الاستمرار في الإنتاج، بل وحصد الإعجاب والتهليل وإن يكن لما سبق وقدّموه ولسطوة أسمائهم ليس إلا!
والسؤال: هل موت الكاتب، وأي مشتغل في النشاط الذهني وحتى البدني، في محاذرته من الهاوية وتوقّفه في المرحلة الحاسمة، أم في المضي «قُدماً» مهما كان الثمن؟!