«الراي»... تابعت فعاليات مؤتمر أدب السجون في القاهرة (2) / صنع الله تعجب من اعتقاله في ظل نظام كان يؤيده والغيطاني: لا أغفر لأي نظام جرائمه


| القاهرة - من دعاء فتوح |
ضمن فعاليات «مؤتمر أدب السجون»... الذي أقامه مركز البحوث العربية والأفريقية بالقاهرة... قدم الروائيان الكبيران صنع الله ابراهيم وجمال الغيطاني... شهادة عن تجربتهما الانسانية مع الاعتقال، كشهادة حية على مدى المعاناة التي مرت بها جميع فصائل المعارضة في تلك الفترة.
روى صنع الله ابراهيم... تفاصيل دخوله المعتقل كسجين في ظل نظام كان من المؤيدين له، ومدى تأثير ذلك على حالته النفسية في مرحلة مبكرة من حياته، وهو ما ساعده كثيرا في تشكيل رؤيته الانسانية، والابداعية، وكيف كانت ذكرى وفاة شهدي عطية بالنسبة له، بمثابة الصفعة التي لاتزال آثارها واضحة بقوة في رواياته بداية من روايته الأولى «تلك الرائحة»، حتى «يوميات الواحات».
وقال: «كنت لا أزال صغيرا في العشرين من عمري، وقبل الاعتقال كنت عضوا في تنظيم «حدتو» الشيوعي، وكانت هناك وحدة فيما بين التنظيمات الشيوعية، ولكن بعد تفرق تلك التنظيمات اختلفت فيما بينها حول رؤيتها عن الثورة وجمال عبدالناصر.
وعلى الرغم من أن «حدتو» كانت تدعو الى تأييد عبدالناصر والوقوف بجانبه، الا أنه كانت هناك مواجهة كبيرة بين «حدتو» والسلطة، أوصلته «حدتو» الى أقصاه في محاولة لتقييم الثورة، وعبدالناصر، فتخيلوا معي الآثار النفسية السيئة، التي بقيت معنا في السجن، عندما يتم اعتقالنا في ظل نظام نؤيده، نظام يرتكب كل تلك الجرائم البشعة من تعذيب وقتل لنا، وفي الوقت نفسه يقوم بأشياء رائعة مثل بناء السد العالي، وباندونج، وغيرها من خطوات الاصلاح الكبيرة، هذا التناقض الذي قرأت صورا مكررة منه آن ذاك في مذكرات للكاتب السوفياتي «تشفنكو» الذي كتب متعجبا «كثير من الشيوعيين المخلصين الذين كانوا يعدمون بأمر من ستالين، وقبل اعدامهم يكتبون بدمائهم على جدران السجون عاش ستالين».
وأكمل صنع الله ذكرياته حول مقتل شهدي عطية قائلا: أتذكر في تلك اللحظة وأنا في طريقي الى المعتقل، وحولي رجال عظام من عمال وفلاحين وأساتذة جامعة ومثقفين، وكان معي في نفس القيد شهدي عطية.
وأضاف: عندما ذهبنا هناك قاموا بتعذيبنا واختاروا منا أربعة لم يعذبوهم بدرجة كبيرة بل جعلوهم يشاهدون مناظر التعذيب الوحشية لباقي المعتقلين، وأنا كنت من هؤلاء الأربعة وكنت نحيلا جدا وصغيرا، وبعد ذلك أخذونا الى أحد العنابر ونحن في حالة من الذهول والانهيار، وبعد فترة قصيرة وصلنا خبر وفاة شهدي.
والأكثر من ذلك أنهم في اليوم التالي أخذوني مع سعد بهجت لأننا أقل من تعذبوا لنشهد زورا بأن شهدي توفي في طريقنا الى المعتقل، وليس بسبب التعذيب الوحشي الذي تعرض له هناك، وأنه لا يوجد لدينا خيارات، وتركوني وأنا في حالة من الانهيار أحسست فيها بأن ارادتي مشلولة لدرجة أنني تصورت بأنه عند سؤالي سأقول ما أمروني به.
ولكن لحسن حظي لم أقف في هذا الموقف لأن الموضوع توسع وقاموا فيه بتحقيقات كبيرة، ولم يستطيعوا التعتيم عليه، تلك التجربة المريرة جعلتني أفكر كثيرا في مدى قدرتنا على الصمود والبقاء، وبدأت أفكر في ممارسة الكتابة فهي ملاذي الذي يجب أن أركز عليه، ولحسن حظي كان هناك اهتمام كبير بالأنشطة الثقافية داخل المعتقل من قبل المعتقلين الذين كان فيهم مجموعة كبيرة من النخبة المثقفة.
فكانت هناك مجلات الحائط... وبعد فترة سمحوا لنا بالكتب للقراءة، وبدأت الكتابة ولم يكن الموضوع سهلا... حيث كانت تطاردني أسئلة مهمة مثل ماذا سأكتب، ولمن، وبأي أسلوب؟، فكان تصوري مع آخرين أن أهم شيء هو أن يكون الكاتب أمينا، فأنا أؤمن بكلمة لينين الشهيرة «يجب أن نحقق أقصى حرية ممكنة للخيال»، وكلمة «تشفنكو» أيضا «يجب على الفنان أن يعطي نفسه للحقيقة»، والغريب أنه بعد كل هذا الوقت لاتزال الأسئلة نفسها تتكرر، ماذا أكتب، ولمن، وبأي أسلوب؟ فهذا هم دائم.
أما جمال الغيطاني... فأشار الى كيفية اعتناقه الفكر الماركسي في مرحلة مبكرة من عمره، وكيف أنه كتب عن السجن قصصا قصيرة قبل دخوله كانت بعنوان «رسالة فتاة من الشمال»، أما عن تجربة الاعتقال التي تنقل فيها بين ثلاثة معتقلات، وهي: «مزرعة طرة» و«سجن القلعة» و«سجن أبوزعبل».
فقد أشار الى سوء المعاملة والاهانة التي عايشها داخل تلك السجون، وعلاقته بقيادات الاتحاد الاشتراكي والشيوعيين والاخوان المسلمين، وكيف أنه كان أصغر معتقل في السجن، وتحدث عن المقربين له في هذه الفترة، ومنهم منصور زكي الذي احتضنه كأب، ومحمد عبدالغفار، وأنه كان هناك ثلاثة مراكز للتعذيب بهذه السجون تتنافس فيما بينها، ثم تحدث عن صعوبات الكتابة داخل السجن في ظل عدم توافر مكتبة مشجعة على القراءة، وتحدث أيضا عن تجربة الحبس الانفرادي عندما قبض عليه وعلى صبري حافظ كمعتقلين خطرين وترحيلهما لسجن القلعة، وكيف كانت تتم الاشارة اليه من دون اسم كرقم فقط 37، وقال: «منحني الحبس الانفرادي وقتا للاستغراق في الكتابة رغم محاولات تدميري نفسيا أثناء الاستجواب».
ثم انتقل للحديث عن فترة اشتغاله بالصحافة في الحرب وعلى الجبهة قائلا: لقد كتبت قصة قصيرة بعنوان «المغول» في مجموعة «أرض أرض» عقب انتهاء فترة الحبس الانفرادي... حيث ساهمت هذه التجربة في تكويني والتدريب على الاستغراق والتركيز والتأمل، وأذكر أن السادات فصل 104 صحافيين، وكنت ضمنهم وأطلق علينا «المنحرفين».
أنهى الغيطاني شهادته، قائلا: لم يهمني التعذيب ولم يؤلمني، الاهانة هي التي كانت مؤلمة، خاصة بالنسبة لصعيدي مثلي، لذا لا أغفر ولا أبرر لأي نظام جرائمه.
ضمن فعاليات «مؤتمر أدب السجون»... الذي أقامه مركز البحوث العربية والأفريقية بالقاهرة... قدم الروائيان الكبيران صنع الله ابراهيم وجمال الغيطاني... شهادة عن تجربتهما الانسانية مع الاعتقال، كشهادة حية على مدى المعاناة التي مرت بها جميع فصائل المعارضة في تلك الفترة.
روى صنع الله ابراهيم... تفاصيل دخوله المعتقل كسجين في ظل نظام كان من المؤيدين له، ومدى تأثير ذلك على حالته النفسية في مرحلة مبكرة من حياته، وهو ما ساعده كثيرا في تشكيل رؤيته الانسانية، والابداعية، وكيف كانت ذكرى وفاة شهدي عطية بالنسبة له، بمثابة الصفعة التي لاتزال آثارها واضحة بقوة في رواياته بداية من روايته الأولى «تلك الرائحة»، حتى «يوميات الواحات».
وقال: «كنت لا أزال صغيرا في العشرين من عمري، وقبل الاعتقال كنت عضوا في تنظيم «حدتو» الشيوعي، وكانت هناك وحدة فيما بين التنظيمات الشيوعية، ولكن بعد تفرق تلك التنظيمات اختلفت فيما بينها حول رؤيتها عن الثورة وجمال عبدالناصر.
وعلى الرغم من أن «حدتو» كانت تدعو الى تأييد عبدالناصر والوقوف بجانبه، الا أنه كانت هناك مواجهة كبيرة بين «حدتو» والسلطة، أوصلته «حدتو» الى أقصاه في محاولة لتقييم الثورة، وعبدالناصر، فتخيلوا معي الآثار النفسية السيئة، التي بقيت معنا في السجن، عندما يتم اعتقالنا في ظل نظام نؤيده، نظام يرتكب كل تلك الجرائم البشعة من تعذيب وقتل لنا، وفي الوقت نفسه يقوم بأشياء رائعة مثل بناء السد العالي، وباندونج، وغيرها من خطوات الاصلاح الكبيرة، هذا التناقض الذي قرأت صورا مكررة منه آن ذاك في مذكرات للكاتب السوفياتي «تشفنكو» الذي كتب متعجبا «كثير من الشيوعيين المخلصين الذين كانوا يعدمون بأمر من ستالين، وقبل اعدامهم يكتبون بدمائهم على جدران السجون عاش ستالين».
وأكمل صنع الله ذكرياته حول مقتل شهدي عطية قائلا: أتذكر في تلك اللحظة وأنا في طريقي الى المعتقل، وحولي رجال عظام من عمال وفلاحين وأساتذة جامعة ومثقفين، وكان معي في نفس القيد شهدي عطية.
وأضاف: عندما ذهبنا هناك قاموا بتعذيبنا واختاروا منا أربعة لم يعذبوهم بدرجة كبيرة بل جعلوهم يشاهدون مناظر التعذيب الوحشية لباقي المعتقلين، وأنا كنت من هؤلاء الأربعة وكنت نحيلا جدا وصغيرا، وبعد ذلك أخذونا الى أحد العنابر ونحن في حالة من الذهول والانهيار، وبعد فترة قصيرة وصلنا خبر وفاة شهدي.
والأكثر من ذلك أنهم في اليوم التالي أخذوني مع سعد بهجت لأننا أقل من تعذبوا لنشهد زورا بأن شهدي توفي في طريقنا الى المعتقل، وليس بسبب التعذيب الوحشي الذي تعرض له هناك، وأنه لا يوجد لدينا خيارات، وتركوني وأنا في حالة من الانهيار أحسست فيها بأن ارادتي مشلولة لدرجة أنني تصورت بأنه عند سؤالي سأقول ما أمروني به.
ولكن لحسن حظي لم أقف في هذا الموقف لأن الموضوع توسع وقاموا فيه بتحقيقات كبيرة، ولم يستطيعوا التعتيم عليه، تلك التجربة المريرة جعلتني أفكر كثيرا في مدى قدرتنا على الصمود والبقاء، وبدأت أفكر في ممارسة الكتابة فهي ملاذي الذي يجب أن أركز عليه، ولحسن حظي كان هناك اهتمام كبير بالأنشطة الثقافية داخل المعتقل من قبل المعتقلين الذين كان فيهم مجموعة كبيرة من النخبة المثقفة.
فكانت هناك مجلات الحائط... وبعد فترة سمحوا لنا بالكتب للقراءة، وبدأت الكتابة ولم يكن الموضوع سهلا... حيث كانت تطاردني أسئلة مهمة مثل ماذا سأكتب، ولمن، وبأي أسلوب؟، فكان تصوري مع آخرين أن أهم شيء هو أن يكون الكاتب أمينا، فأنا أؤمن بكلمة لينين الشهيرة «يجب أن نحقق أقصى حرية ممكنة للخيال»، وكلمة «تشفنكو» أيضا «يجب على الفنان أن يعطي نفسه للحقيقة»، والغريب أنه بعد كل هذا الوقت لاتزال الأسئلة نفسها تتكرر، ماذا أكتب، ولمن، وبأي أسلوب؟ فهذا هم دائم.
أما جمال الغيطاني... فأشار الى كيفية اعتناقه الفكر الماركسي في مرحلة مبكرة من عمره، وكيف أنه كتب عن السجن قصصا قصيرة قبل دخوله كانت بعنوان «رسالة فتاة من الشمال»، أما عن تجربة الاعتقال التي تنقل فيها بين ثلاثة معتقلات، وهي: «مزرعة طرة» و«سجن القلعة» و«سجن أبوزعبل».
فقد أشار الى سوء المعاملة والاهانة التي عايشها داخل تلك السجون، وعلاقته بقيادات الاتحاد الاشتراكي والشيوعيين والاخوان المسلمين، وكيف أنه كان أصغر معتقل في السجن، وتحدث عن المقربين له في هذه الفترة، ومنهم منصور زكي الذي احتضنه كأب، ومحمد عبدالغفار، وأنه كان هناك ثلاثة مراكز للتعذيب بهذه السجون تتنافس فيما بينها، ثم تحدث عن صعوبات الكتابة داخل السجن في ظل عدم توافر مكتبة مشجعة على القراءة، وتحدث أيضا عن تجربة الحبس الانفرادي عندما قبض عليه وعلى صبري حافظ كمعتقلين خطرين وترحيلهما لسجن القلعة، وكيف كانت تتم الاشارة اليه من دون اسم كرقم فقط 37، وقال: «منحني الحبس الانفرادي وقتا للاستغراق في الكتابة رغم محاولات تدميري نفسيا أثناء الاستجواب».
ثم انتقل للحديث عن فترة اشتغاله بالصحافة في الحرب وعلى الجبهة قائلا: لقد كتبت قصة قصيرة بعنوان «المغول» في مجموعة «أرض أرض» عقب انتهاء فترة الحبس الانفرادي... حيث ساهمت هذه التجربة في تكويني والتدريب على الاستغراق والتركيز والتأمل، وأذكر أن السادات فصل 104 صحافيين، وكنت ضمنهم وأطلق علينا «المنحرفين».
أنهى الغيطاني شهادته، قائلا: لم يهمني التعذيب ولم يؤلمني، الاهانة هي التي كانت مؤلمة، خاصة بالنسبة لصعيدي مثلي، لذا لا أغفر ولا أبرر لأي نظام جرائمه.