مفارقة لافتة وقفت أمامها كثيراً تستحق التدبر بها والتمعن في تداعياتها وتدل على الطريقة التي يفكر بها النائب السابق مسلم البراك، هذا النائب الذي التزم الحكمة والتعاطي الهادئ في معالجة أمر تعلّق بأقرب الناس إليه، وهما النائبان السابقان أحمد لاري وسيد عدنان عبدالصمد، حين أمرت النيابة العامة باعتقالهما من قبل أمن الدولة والتحقيق معهما على خلفية المشاركة في «التأبين». بل أكثر من ذلك حين دعا إلى التعاطي بروح المسؤولية وضبط النفس، وامتلاك الحواس والجوارح والتحكم بها إلى درجة تساءل الكثير: أيُجازى الذين وقفوا معك بـ«كتلة العمل الشعبي» في مجلس الأمة أن تتعامل معهما بتلك الصورة؟ أهو خذلان عن نصرة الذين دافعوا عنك يوم تخلى عنك الآخرون، أو هو تقاعس عن الوقوف مع رجال همهم تبرئة ساحتك يوم كثر عليك سواد الغالبية؟ أم هي حكمة موقف أردت أن تنزع بها فتيل المشكلة بصورة تحدد فيها الضرر بهما كي لا يصل إليك؟
تلك الصورة ارتسمت أمامي وحيثيات تفصيلية أخرى للمشهد نفسه لا يسع المقال لذكرها، وأنا أشاهد مسلم البراك مجدداً أمام المشهد السابق نفسه، وهو يتكرر، حين أمرت النيابة العامة باعتقال النائب ضيف الله بو رمية في أمن الدولة والتحقيق معه على خلفية تصريحاته الجارحة لشخصيات حكومية، وأمام تكرار المشهد تتبدل الحكمة في التعاطي للبراك نفسه فيترجمها باندفاعه عاطفية أمام الجماهير المحتشدة لم تشهده مرافعاته في مجلس الأمة مع أهم القضايا المصيرية للناس. يا سبحانه أن تتبدل الحكمة والتروي والهدوء في المشهد الأول بالاندفاع والتهور والتصادم، ويا سبحان الله أن يتبدل بيان «كتلة العمل الشعبي» الذي يدين فيه البراك زملاءه عدنان ولاري ويبرئ موقف الدولة ضمناً في اعتقالهما، برفع العقال نصرة لبو رمية وهو يلاقي مصير زميليه السابقين نفسه!
وقفت أتأمل في المشهدين لأجد تبريراً لتلك المفارقة التي تحز في النفس قد أحافظ به على حسن الظن بأخي بو حمود الذي أكن له كل احترام ومحبة، ولكن - وللأسف الشديد - لم أجد نتيجة أقنع نفسي بها غير أن العصبية القبلية التي تلعب دورها كانت هي وحدها سيدة الموقف، والتي أوجدت هذا التباين في طبيعة وطريقة وأسلوب تعاطي البراك مع المشهدين. نعم، هي العصبية القبلية التي جعلت رأيين متباينين لحدثين متشابهين لا اختلاف بينهما إلا في أسماء الضحايا.
وأمام تلك المفارقة لا نملك إلا أن ننعت المعارضة الكويتية ونترحم على دعاة الإصلاح ورافعي راية التغيير في البلاد لنقول لشعبنا العزيز، إن المناخ السياسي موبوء بالمصالح الشخصية، ويصعب في تلك الفتنة التي اجتاحت الكويت أن يعرف بعضنا النظيف من غيره، وكم كنت أتمنى أن تبتعد شخصية أجلها وأقدرها كمسلم البراك عن هذا الجو الموبوء، حتى لا يوقفنا عند تلك المفارقة، وليس لي إلا تذكير البراك بقول نبينا الأكرم: «اجتنبوا مواضع الشبه، فرحم الله من جب الغيبة عن نفسه». رحمكم الله تعالى وإيانا وجعلنا من السائرين على دربه وأبعدنا عن مواضع الشبه ومواقع الفتن.
د. سامي ناصر خليفة
أكاديمي كويتي
[email protected]