أفضل من الخبراء

تصغير
تكبير
إليكم تشخيصاً يمكن الجدل فيه: «لم ينتصر ريغان في الحرب الباردة، فغورباتشوف أوقفها». وهو يظهر في الكتاب الجديد الجذاب، بقلم جيمس مان عن أيام رئاسة رونالد ريغان. يسمي مان قرار ذلك الرئيس الاعتماد على غورباتشوف، والحديث معه، ومصادقته «تمرداً»، لا أقل من ذلك. حذر رجال الاستخبارات ريغان ولم يستجب لتحذيراتهم. ومرط مستشاروه السياسيون شعرهم حيال الهجمات على الرئيس من اليمين، من قاعدة قوته. واعتقد الخبراء «الواقعيون» بالسياسة الخارجية، تلك الجماعة التي قادت البيت الأبيض في فترة جورج بوش الأول بعد ذلك، أن ريغان قد جن. ووجد من وراء ظهره من سخروا به واستخفوا بفهمه.
وكانت عند غروبر نوركفيتس المحافظ، رئيس منظمة «أميركيون من أجل الاصلاح الضريبي» (والتي تعني بطبيعة الحال إلغاء الضرائب) كلمات حسنة يقولها عن كتاب مان، إلى جانب النقد: «لم يسقط الاتحاد السوفياتي بل دفع». أي أن ريغان دفعه. ليس هذا في الأصل جدلاً مثيراً للاهتمام ولا ذا صلة بالقرارات التي تتخذها الإدارة الأميركية اليوم ونتائجها المتوقعة في الأعوام القريبة. ماذا سيقال مثلاً عن أوباما إذا اتضح بعد أن يجدد بالتدريج علاقات الولايات المتحدة بكوبا أن النظام الذي قاده فيدل كاسترو في نصف القرن الأخير ووريثه راؤول كاسترو ينهار ببطء، ويصبح أكثر انفتاحاً، وأكثر حداثة بل ربما اكثر ديموقراطية. هل سيحصل أوباما على صيت «الدفعة» أم سيكون كاسترو الشقيق هو الذي سيقال عنه ببساطة أنه «كف» عن المضي في طريق سلفه، أو مثلاً ماذا سيقال عن أوباما إذا تبين أنه نجح في اقناع طهران في الكف عن حيلها النووية وغيرها لمصلحة الاتصال بالعالم من جديد؟ أخذت خطط أوباما بالحوار مع إيران تتضح بموازاة تحديد رسائل التحذير المطلقة من إسرائيل. يريد الرئيس مهلة تمكن من التقدم بلا ذعر، وليست إسرائيل على ثقة من أنه يريد أن يلائم ساعته مع ساعتها المستعجلة. إن الجدل التفسيري بين مان ونورك فييست في صيغة نجاح علاقات ريغان بغورباتشوف ذو صلة دائماً، بأنه يستطيع أن يدل على القوى المطلوبة لتغيير مسار التاريخ. يحتاج لحل الأزمة الإيرانية بحسب صيغة مان إلى زعيم إيراني يريد «الكف». ويحتاج لحل الأزمة بحسب صيغة نورك فييست إلى زعيم أميركي مستعد «للدفع». اللقاء الأكثر جدوى هو بين زعيم «دافع» وزعيم «كافّ». يصعب الآن أن نلحظ في إيران وفي واشنطن زعيمين كهذين، لكن تشككاً مماثلاً صحب ريغان وغورباتشوف أيضاً عندما بدءا الحوار المفاجىء. يعتقد أوباما مثل ريغان لحينه أنه في هذه الحالة يعلم أفضل: أفضل من رجال الاستخبارات، وأفضل من الخبراء وأفضل من الجمهور. لكن مثل ريغان أيضاً مستعد في الأساس للمخاطرة من أجل أن يفحص من جديد حقائق قديمة. الفرق الحقيقي في الأصل بين واشنطن وإسرائيل في مسألة إيران ليس هو بالضرورة في تقدير الخطر بل في الاستعداد للمخاطرة. سيكلف خطأ أوباما الولايات المتحدة ثمناً باهظاً لكنه قد يكون أعلى كثيراً بالنسبة لإسرائيل.
شموئيل روزنر
«معاريف»
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي