No Script

محمد العوضي / خواطر قلم / أيها الأمير... خفت منك... وخفت عليك!

تصغير
تكبير

«الدين النصيحة»، «المؤمن مرآة أخيه»، هذان النصان الأدبيان البليغان نطق بهما الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم)  فكانا من الحكم الخالدة... لا ينصحك إلا من يحبك فيعطيك خلاصة تجربته الحياتية ونضجه العقلي ومشاعره القلبية... والإنسان يحتاج إلى مرآة تجلي له الصورة الحقيقية الصافية من أي خدوش... مرآة واقعية لا هي مُحدَّبة ولا مقعرة، كم هو محظوظ من كثرت المرايا النظيفة في حياته... انهم خلاصة الأصدقاء الناصحين المحبين.

كانت هذه بعض كلماتي التي قلتها في الحوار الذي دار مع صاحب السمو الملكي  الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز في ديوانهم العامر بالرياض مع نهاية العام الدراسي السابق، وأكدت على ان الإنسان كلما زادت مسؤلياته وعلا قدره في المجتمع كأن يكون في مواقع القيادة السياسية أو الفكرية أو التربوية، فإنه يحتاج أن يجتمع حوله جمع من العقلاء الذين يخلصون له المشورة، بل ويقسون عليه أحياناً قسوة المحب المشفق الحريص، وذكرت لهم ما قاله الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي في كتابه كلمة وكليمة «المودة القوية تتحمل العتاب والمحاسبة لتثبت أنها قوية»... كثيرون الذين يجملوننا؟! ويثنون علينا، ولكن أين الذين يواجهوننا بما  نكره ويصوبوننا، أمس بعد صلاة العصر، شرّفني بالزيارة في ديواني المتواضع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بمناسبة زيارتهم الكويت، فكان تشريفه رداً على زيارتي بأحسن منها وأجمل ما فيها التواضع والتلقائية، وكان في صحبته أخواه سمو الأمير تركي وسمو الأمير نايف فكان  مما قلت تأكيدا لما ناقشناه سويا في الرياض، هو أن الذين في دائرة الضوء والمسؤولية، عليهم أن يتقبلوا النقد لأنه يضيء لهم الطريق، وذكرت  كلمة الإمام ابن الجوزي المتوفى عام 597هـ في بعض مواعظه: «يا أمير المؤمنين، ان تكلمت، خفت منك، وان سكت، خفت عليك، وأنا أقدم خوفي عليك على خوفي منك، فقول الناصح: اتق الله خير من قول القائل: أنتم أهل بيت مغفورلكم»...

فقال سمو الأمير محمد بشرط ألا تكون النصيحة أمام الملأ وبسوء أدب، قلت: أكيد، فالمخلص لا يشهر، وعلق الزميلان جاسم حمادي وعلي العجمي على اشكالية النصح في حياتنا العامة، وتطرق الحديث عن التحبيب والتنفير من الدعوة الى الله بسبب أساليب بعض الدعاة، وذكَّرني الأمير تركي بمقال كتبته قبل شهرين بعنوان «حوار مع ملحد...» وأنه قرأه، ثم عجبت من الأمير الشاب يطرح شبهة إلحادية قرأها في بعض المواقع، وفرحت عندما سمعت جوابه الذكي عليها وهدمه لسخافتها... ذكر مقالي عن الملحد كان تأكيدا على أن بعض المحسوبين على التدين يتسببون في هروب الناس من الدين لغياب الحكمة في أساليبهم الدعوية... لا يتسع المجال لسرد ما دار من حوار حول موضوعات فكرية وكتب، ولكن كم يفرح الانسان ويتأمل خيرا عندما يرى النضج والفراسة والخلق في شباب الاسر الحاكمة في بلادنا ممن نعول عليهم لقيادة رشيدة في ظل أوضاع مخيفة ومحبطة، وكم هو جميل أن نخاف على الأمراء أكثر مما نخاف منهم، ونظهر لهم نصح المحب بأدب وحسن خلق ليستمر التواصل بيننا وبينهم بالخير والفضل.


محمد العوضي

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي