لغة الأشياء / اللافتة لا تشير لجهة خامسة


| باسمة العنزي |
حتى وهم يساقون الى خيام بلا أوتاد، حاملين معهم أعمارهم المنسية وخيباتهم الكثيرة، يعلنون صهيل المطر بلا شهادة ميلاد، يدركون أن الريح ستخلع الخيام- الموقتة- وتطير بكذبة الانتظار إلى مكان غير محدد، مما يجعلهم يقطعون صحراء مملوءة بالحفر مغمضين الأعين جاعلين النار لعبتهم.
أتلفت
في اتجاهات غير محددة سلفا
ثم
ارتمي على ضحكي من شدة الألم
كلما لمحت ظلي
يراوغ سيارة الشرطة...!
آه لو أستطيع
أن أبني وطنا في الدولاب..!*
في (صحراء تخرج من فضاء القميص) لدخيل الخليفة، عشرات الصور الشعرية المنسوجة برهافة والمستندة على بعد درامي واحد بشيء من التدرج الخفيف... مما أسبغ ثيمة واحدة على العمل الممزوج بتجربة انسانية شديدة الخصوصية. العنوان يمهد للقارئ أن الحديث سيكون عن صحراء ما، الغريب أن المدينة الغامضة بأرصفتها الملونة وسعال عوادمها وتجهم قططها وأوراقها المختومة بحقد الموظفين، كانت أشد حضورا من صحراء نقشت وشمها في الذاكرة وخبزت للشمس رغيف الصباح.
الوطن المتحول لخرافة وأحيانا يمامة تطير، كلما أراد طفل الصحراء القبض على أطرافه، الوطن الأضيق من عين بخيل يعلق صرخة الطفل في قبر الذل ويدفن ضحكاته في الرمل، يكسر جناح الحالم بجهة خامسة لائقة للعيش، ويصر على شروطه وأوراقه الثبوتية، يغلق الباب بعنف أمام طفل مسكون بالشتات.
ما الذي
يجعل القلب تفاحة
بنصفين يقتسمان الجهات..؟*
المقطع الشعري السابق يحاذي المقطع التالي كأنهما وجهان لعملة واحدة.
أعلق القلب على مسمارين
وأعد للعشرة
لأعرف أيهما...
وطني...!*
الجهات الأربع بالتأكيد لم تعد كافية لحل الأحجية الصعبة، الأجنحة المكسورة تتوق لفضاء أرحب، والأرواح المحبوسة في قمقم المكان الواحد سئمت دوران الزمن عليها، الصحراء تحولت لجسور ومجمعات سكنية، البحر تم ردمه ولم يقوي على الاعتراض، الشمس غادرت البيوت, والوقت دحرج جمرته في بقايا الرماد. الصحراء لم تخرج من فضاء القميص كما يقال ولم تحافظ على موقعها الجغرافي، ما حدث أن المدينة أجبرت طفل الشتات على لبس طاقية الاخفاء وتظاهرت بعدم وجوده، وضحكت طويلا على لعبتها القاسية رغم غضب الرب ودهشة ميزان العدل. «صحراء تخرج من فضاء القميص»... شعر الالتفاف على نوع من النكبات، لا يمكن تجاوزه سوى بالمزيد من المرارة والبوح، لم تكن غربة عادية ولا بحثا اختياريا/ مترفا عن جهة تسع الانسان، أيا كان بقدر ما كانت محاولة سكب حساء الخيبة الحار على ثلج الضمير الانساني.
هذا العمل رغم ما به من تمكن لغوي، يقدم لك دعوة حزن خالصة ويدخلك بمهارة في ممر طويل يصطف به كل من علق وجهه في الفراغ، وفي النهاية يوضح لك بتفاؤل- مصطنع- أن الوردة البيضاء أزهرت من دمعة، وأن المنبوذ يتحول أحيانا لقبيلة من الملوك، ويد تمتد من صندوق البريد بامكانها رسم عشرين خارطة، أبجدية العزلة تعود أحيانا محملة بالنجوم.
* «صحراء تخرج من فضاء القميص»... دخيل الخليفة، دار المدى 2007.
حتى وهم يساقون الى خيام بلا أوتاد، حاملين معهم أعمارهم المنسية وخيباتهم الكثيرة، يعلنون صهيل المطر بلا شهادة ميلاد، يدركون أن الريح ستخلع الخيام- الموقتة- وتطير بكذبة الانتظار إلى مكان غير محدد، مما يجعلهم يقطعون صحراء مملوءة بالحفر مغمضين الأعين جاعلين النار لعبتهم.
أتلفت
في اتجاهات غير محددة سلفا
ثم
ارتمي على ضحكي من شدة الألم
كلما لمحت ظلي
يراوغ سيارة الشرطة...!
آه لو أستطيع
أن أبني وطنا في الدولاب..!*
في (صحراء تخرج من فضاء القميص) لدخيل الخليفة، عشرات الصور الشعرية المنسوجة برهافة والمستندة على بعد درامي واحد بشيء من التدرج الخفيف... مما أسبغ ثيمة واحدة على العمل الممزوج بتجربة انسانية شديدة الخصوصية. العنوان يمهد للقارئ أن الحديث سيكون عن صحراء ما، الغريب أن المدينة الغامضة بأرصفتها الملونة وسعال عوادمها وتجهم قططها وأوراقها المختومة بحقد الموظفين، كانت أشد حضورا من صحراء نقشت وشمها في الذاكرة وخبزت للشمس رغيف الصباح.
الوطن المتحول لخرافة وأحيانا يمامة تطير، كلما أراد طفل الصحراء القبض على أطرافه، الوطن الأضيق من عين بخيل يعلق صرخة الطفل في قبر الذل ويدفن ضحكاته في الرمل، يكسر جناح الحالم بجهة خامسة لائقة للعيش، ويصر على شروطه وأوراقه الثبوتية، يغلق الباب بعنف أمام طفل مسكون بالشتات.
ما الذي
يجعل القلب تفاحة
بنصفين يقتسمان الجهات..؟*
المقطع الشعري السابق يحاذي المقطع التالي كأنهما وجهان لعملة واحدة.
أعلق القلب على مسمارين
وأعد للعشرة
لأعرف أيهما...
وطني...!*
الجهات الأربع بالتأكيد لم تعد كافية لحل الأحجية الصعبة، الأجنحة المكسورة تتوق لفضاء أرحب، والأرواح المحبوسة في قمقم المكان الواحد سئمت دوران الزمن عليها، الصحراء تحولت لجسور ومجمعات سكنية، البحر تم ردمه ولم يقوي على الاعتراض، الشمس غادرت البيوت, والوقت دحرج جمرته في بقايا الرماد. الصحراء لم تخرج من فضاء القميص كما يقال ولم تحافظ على موقعها الجغرافي، ما حدث أن المدينة أجبرت طفل الشتات على لبس طاقية الاخفاء وتظاهرت بعدم وجوده، وضحكت طويلا على لعبتها القاسية رغم غضب الرب ودهشة ميزان العدل. «صحراء تخرج من فضاء القميص»... شعر الالتفاف على نوع من النكبات، لا يمكن تجاوزه سوى بالمزيد من المرارة والبوح، لم تكن غربة عادية ولا بحثا اختياريا/ مترفا عن جهة تسع الانسان، أيا كان بقدر ما كانت محاولة سكب حساء الخيبة الحار على ثلج الضمير الانساني.
هذا العمل رغم ما به من تمكن لغوي، يقدم لك دعوة حزن خالصة ويدخلك بمهارة في ممر طويل يصطف به كل من علق وجهه في الفراغ، وفي النهاية يوضح لك بتفاؤل- مصطنع- أن الوردة البيضاء أزهرت من دمعة، وأن المنبوذ يتحول أحيانا لقبيلة من الملوك، ويد تمتد من صندوق البريد بامكانها رسم عشرين خارطة، أبجدية العزلة تعود أحيانا محملة بالنجوم.
* «صحراء تخرج من فضاء القميص»... دخيل الخليفة، دار المدى 2007.