... وأخيراً تمت الفرعيات رغماً عن أنف المعترضين، مستغلين صعوبة مواجهة رجال الداخلية لأعداد كبيرة من المشاركين, وليس لنا اليوم بعد مهزلة الأربعاء الماضي إلا نعت الديموقراطية في البلاد والتحسر على روح الدستور الذي ينتهك جهاراً ونهاراً أمام مرأى ومسمع معالي الوزراء وكبار المسؤولين، وأيضاً الترحم على مفهوم المواطنة الذي بات يُداس بالأقدام ليستبدل مكانه مفاهيم القبلية والطائفية والفئوية والعائلية والعرقية أساساً للتعايـــش بيـــن الناس. فها هـــي الكــويت اليوم تشهد يوماً أسود جديداً في تاريخها الســــياسي، إذ يُمـــــزق المجتمع إرباً إرباً في سبيل وصول غير المستحق إلى التمثيل النيابي وحرمان المستحق من التمثيل الديموقراطي.
لقد نصحنا الدولة باتباع أسلوب وقائي يساهم في ردع جريمة التحايل على القانون قبل حدوثها وانتهاز فرصة الأشهر السابقة، لتوعية أبناء القبائل بأهمية اجتثاث ما تطبعوا عليه من فزعة يجرمها القانون لتصبح جزءاً من ثقافتهم. ونصحنا الدولة، أيضاً، أن تجتمع مع كبار المشايخ وزعماء القبائل على كلمة سواء ترجح فيها مصلحة الوطن على كل مصلحة أخرى. فما جرى مهزلة تشكل غصة لدى أبناء الأقليات خصوصاً لمن صرف من جهده ووقته وطاقته وماله الكثير، كي يبني نفسه بناء مبدعاً ضمن معايير الكفاءة الإدارية والخبرة المهنية والتمتع بقيم الأمـــانة والنزاهة والشجاعة ليتهدم بناء تلك المعايير كلها أمام عينيه ليعيش حالة من الإحباط واليأس في دولة القانون.
العيب اليوم هو عيب السلطة، والإدانة اليوم هي للحكومة، وتهمة التقاعس لا يمكن أن يبررها تصريح لمسؤول هنا أو لآخر هناك، فالفـــــأس قـــد وقــــعت بالــــرأس، ولا مجال للعودة إلى الوراء، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ما من دليل أدل على أن الدولة تنحدر إلى الهاوية سوى عجزها عن مواجهة جرائم الفرعيات طوال العقدين الماضين، ولا وضع أكثر سوءاً مما نحن عليه اليوم، إذ يتبجح المدانون علناً بجرائمــهم ويتــــحدون الدولـــة، بــــل ويـــــتجـــرأون عليها بالتهــــديد والوعــيد غير آبهيـــن بتـــبعات وتداعيات ونتائج ممارساتهم المشينة.
لقد سئمنا، ونحن نشهد تلك المسرحية الهزلية مع كل انتخابات مجلــس أمة أو بلدي أو حتى جمعيات تعاونية، والتي يلعب دور البطولة فيها بعض المتطاولين على القانون. نعــــم... هزلت والله ثم هزلت ثم هزلت.
د. سامي ناصر خليفة
أكاديمي كويتي
qalam_2009@yahoo.com