لا تتراجع

تصغير
تكبير
منسي أنت الا في المواسم. لا يخاطبك احد ولا يكلمك احد ولا يغدق عليك احد الوعود إلا كل أربع سنوات او اذا حل المجلس بينها... ومع ذلك تجد نفسك مدعوا إلى المشاركة بحكم الاحساس او الانتماء رافضا ان تتخلى عن مسؤولياتك ولو في أحلك الظروف.
محبط أنت من التردي الرهيب في العملية السياسية. من التخلف الضارب كل قطاعات الدولة وأحيانا قطاعات الفكر والسلوكيات الشخصية لمن يفترض فيهم أنهم في مواقع المسؤولية. من وصول الشلل إلى مفاصل أساسية في الخدمات العامة. من تخبط الحكومة التي رفعت شعارات لا تحلم بها دولة مثل السويد لكنها لم تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام ولم تنفذ مشروعا واحدا. من الأداء المريع للمجلس السابق الذي تحول من سلطة تشريعية إلى سوق عكاظ يتبارى فيه «الشعراء» بالصوت العالي والتوتر العالي والضغط العالي.
خائف أنت من المرحلة التي وصلت اليها الكويت. القبيلة أولا والطائفة أولا والمذهب أولا. وغدا ستكون العائلة أولا أو هذا الفخذ من القبيلة أولا او هذا الأصل الجغرافي من الطائفة أولا او هذا الاجتهاد الفكري من المذهب أولا. خائف أنت لأن الانقسام سيصبح تفتيتا والتفتيت سيتحول إلى شظايا تصيب القريبين والبعيدين.

خائف أنت لأن الكويت في حسابات البعض لم تعد... أولا.
وحائر أنت. كيف تراجعت الكويت بين أقرانها وهي التي لم يزاحمها أحد في الريادة. كيف صرنا نخشى على أولادنا ألّا يحظوا بالرعاية الصحية اللازمة والتعليمية اللازمة والفرص الوظيفية الواعدة، وكيف صرنا نفكر منذ الآن بتوظيفهم في الخارج اسوة بالعلاج في الخارج وبالتعليم في الخارج.
عزيزي الناخب
في ظل كل إحباطك وخوفك وحيرتك، يأتي من يستغل الظرف ويطلق حملة تعبئة لا سابق لها في اتجاه دعوتك إلى العزوف عن المشاركة في الانتخابات بحجة أنك رأيت ما رأيت من المجلس السابق وسمعت ما سمعت من تصعيد ولمست ما لمست من تأزيم. وبحجة أنك لن تغير في المعادلة شيئا وأن من سيوصله صوتك سيكمل طريق أسلافه في التأزيم والتصعيد لأن الحكومة لا تفهم سوى هذه اللغة. وبحجة ان من انتخبته لم يحل لك مشكلة واحدة، لا بالنسبة إلى القروض المتراكمة عليك ولا بالنسبة إلى تطوير مستوى الخدمات العامة. وبحجة ان النهج النيابي او بالأحرى علاقة «المصارعة الحرة» بين المجلس والحكومة لن تقود الا إلى مزيد من الشلل. وبحجة ان عزوف الناخب عن الإدلاء بصوته قد يكون أفضل الرسائل الموجهة إلى الجسم النيابي وأقصر الطرق المتاحة إلى التغيير... ما دام التغيير مستحيلا في الوقت الراهن.
هذه الحملة المركزة الموجهة إلى الناخبين مشبوهة جملة وتفصيلا وتأتي في اطار استكمال تهميش المحرك الأساسي في العملية الديموقراطية تمهيدا للانقضاض على الديموقراطية نفسها. فمواجهة الخلل الذي يشوب المسيرة الديموقراطية لا يكون الا بالمزيد من الديموقراطية، وتخلي الناخب عن واجبه في المشاركة السياسية اليوم يعني إقصاء نفسه عن المشاركة بشكل عام في المستقبل... ويعني أيضا، وهو الاهم، تقويض النظام الدستوري الذي حصن الكويت وأعطاها هويتها كدولة قانون ومؤسسات وحريات وحقوق إنسان.
عزيزي الناخب
الإصلاح يبدأ بخيارك والتصحيح يبدأ بصوتك. أنت من ستلقى على كاهله مسؤولية إيصال المرشح الذي ترى فيه القدرة على حمل أمانة التغيير، وأنت القادر على تقييم التجارب السابقة وفرز النتائج قبل ان تفرزها صناديق الاقتراع وفصل الخطوط البيض عن الخطوط السود.
أنت الذي سيختار ومن لا تختاره سيختاره غيرك لك ويفرض تمثيله عليك، ومن ميزات ديموقراطيتنا اننا ما زلنا، نسبيا، مجتمعا صغيرا مقارنة بالمجتمعات الكبرى الأخرى. نعرف بعضنا جيدا ونلتف بسرعة حول ثوابتنا ونحاسب بالاقتراع من لم يكن على مستوى المسؤولية او من خان عهوده وتنكر لها. اما دعوتك إلى الاستخفاف بالاستحقاق الانتخابي فلا نغالي إذا قلنا انها دعوة للتخلي عن حق كفله لك الدستور اليوم تمهيدا لتهميش الدستور الذي كان كفالة الكويت في الأزمات وحصنها في الملمات.
الدستور بنصوصه وروحيته لم يطبق كما يجب بعد، لأنه يتضمن ما يدعو إلى زيادة تدريجية ومطردة للكويتيين في المشاركة السياسية اذا كانت الممارسات سليمة. واذا كان أمر المشاركة بالشكل الذي اراده المشرعون الأوائل لم يتحقق بعد نتيجة سوء الممارسة فعلينا الضغط بشكل حضاري وضمن الاطر القانونية من أجل تصحيح الممارسة لا من أجل إلقاء تبعات الخلل الحاصل على الدستور وبنوده... كما علينا التفكير بعمق ومسؤولية في مصلحة الجهة او الجهات او الأشخاص الذين ينفخون ليل نهار في كير التأزيم لتكريس واقع محبط يائس يدفع الناس إلى العزوف عن المشاركة.
عزيزي الناخب
هي دائرة واحدة شبه متكاملة بين من يثير الأزمة، ومن يدفع الأمور إلى مرحلة اللاعودة، وبين من يجهد للتعبئة بأن اليأس سيد الموقف، وبين من يدعوك إلى العزوف عن المشاركة الانتخابية. دائرة واحدة في يدك أنت ومن خلال صوتك كسرها، قبل ان تجد نفسك أسير الدائرة فيما الآخرون الذين أوصلوك إلى هنا تسللوا منها... وما عادوا يرون وجهك او يسمعون صوتك.
جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي