مقالة / مكافأة نهاية الخدمة!
| ابراهيم صموئيل |
لطالما كنت آمل من أعماقي، كلما ازدادت قامته الشعرية علوّاً وحضوره الثقافي اتساعاً وتفرّده الابداعي خصوصيةً، أن يتنبّه شاعرنا الكبير محمود درويش الى أمر لا يخفى على أحدٍ وهو ضرورة ضبط واحكام وتوثيق أمر كل ما يتعلّق به، ويعود اليه وحده دون غيره، مما ينتجه كتابة ويبدعه أدباً بما في ذلك وضع فيلم سينمائي عن سيرته الأدبية وحياته الشخصية أو مسلسلاً تلفزيونياً أو اذاعياً أو ما شابه ذلك مما جرى ويجري مع نجوم وأعلام كبار في مختلف الحقول الأدبية والفكرية والفنية بعد رحيلهم، وأثار ويثير زوابع من الاشكالات والانتقادات والاحتجاجات وصل معظمها الى حدود رفع الدعاوى في المحاكم أو حتى الى اطلاق النار!
ثمة عشرات الطرائق والأساليب لضبط ذلك واحكامه وفق ما يرغب به المبدع وما يراه ويحرص عليه في حياته حتى لو كان قصاصة ورق، الأمر الذي يقطع الطريق على الاجتهادات من أية جهة كانت، ومن أية نية انبثقت، فيحفظ للمبدع، في غيابه، ما كان يحافظ عليه برمش العين وشغاف القلب في حياته ووجوده. تكرّر هبوب العواصف مرات، واحتدّت الاختلافات مرات، وشهدت المنابر الاعلامية المتنوعة صراعات ومشادّات كلامية وصل بعضها الى حد التخوين والاتهام باضمار رغبة هدم تجربة المبدع أو تشويهها أو التسلّق على شهرته وما الى ذلك!
كيف الحال، اذن، ازاء مبدع عملاق كمحمود درويش وُصف بما يشبه الاجماع على أنه متنبي العصر الحديث؟!
أيُصدّق، مثلاً، أن ثمة مَنْ عزم ووزع الأدوار بغية انتاج مسلسل تلفزيوني عن شاعرنا بُعيد رحيله بنحو شهرين والحال أن قراءه لا يزالون يرزحون تحت وطأة حزن عميق وعدم تصديقٍ لنبأ رحيله!! نعم حدث هذا ونشرت خبره صحف! ولا يخامرني شكٌّ بأنه لو حدث ذلك الضبط والاحكام والتوثيق من قِبل شاعرنا لما هبّت العاصفة التي نشهد تيارات رياحها الآن (والتي سمّاها البعض: فضيحة) جراء جمع قصائد درويش واصدارها في كتاب شارك عديدون بتحضيره وقرار ظهوره عدا الشاعر نفسه!
فبين تأكيد شوقي بزيع بالأمثلة والشواهد على «وجود أخطاء عروضية كثيرة يحفل بها الديوان» ونفي الياس خوري وجودها قاطعاً بأن «محمود درويش ليس في حاجة الى تلقي دروس في العروض من أحد» وغضب رياض الريّس من عدم تسليمه النسخة الأصلية بخط الشاعر، وتحميله المسؤولية الحقيقية عمّا حدث لـ«لجنة الأصدقاء الذين كلّفوا الياس خوري بمهمة ليس أهلاً لها» واصرار ديمة الشكر الحاصلة على نسخة بخط درويش على وجوب «اعادة طبع الديوان انصافاً لروح أمير الايقاع» ونداء بيار أبي صعب في نبرة حارّة « لندعه يرقد بسلام» رائياً بحزم أنه «لو كان بوسع محمود درويش الآن أن يسترد موته منّا، لما تأخر لحظة واحدة»... بين كل هذا وذاك وجد القارئ نفسَه أمام كتاب مُختَلف عليه اختلافاً بيّناً من عنوانه الرئيس: «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي» مروراً بالفرعي: «الديوان الأخير» والى المتن وما شاب النصوص المنشورة من شوائب!
واذا كان ما من سبيل موضوعياً لحسم الاختلافات وقد صدر الكتاب ووزّع، وما من ضرورة أساساً لهذا في اعتقادي لأن من شأن ذلك زيادة الزوبعة اشتداداً ليس الا، فان قارئ درويش لا يستطيع الا أن يتساءل بمرارة وألم وأسى: أتكون هذه هي مكافأة نهاية الخدمة الجليلة والعظيمة التي أسداها شاعرنا لنا وللثقافة العربية والعالمية برمّتها؟!
ليس من شأني ولا من مهمتي أن أنحي باللائمة على أحد، فما اجتهد مَنْ اجتهد الا بنية طيبة ومخلصة كما أحسب، بيد أن العبرة الكبرى تظل ماثلة شاخصة، وهي أن المبدع، أي مبدع كبير في أي حقل أو لون، اِنْ لم يتنبّه في حياته ويعمل بحرص بالغ على حفظ كرامة ما قد يُكرهه قدرُ الرحيل على تركه من نتاجه، فان الأحياء لن يكونوا من بعده، مهما اهتموا، أحرص منه، ولن يكونوا، مهما جهدوا، أقدر منه وأجدر بمصير نتاجه حتى في حال حسُنت نواياهم!
لطالما كنت آمل من أعماقي، كلما ازدادت قامته الشعرية علوّاً وحضوره الثقافي اتساعاً وتفرّده الابداعي خصوصيةً، أن يتنبّه شاعرنا الكبير محمود درويش الى أمر لا يخفى على أحدٍ وهو ضرورة ضبط واحكام وتوثيق أمر كل ما يتعلّق به، ويعود اليه وحده دون غيره، مما ينتجه كتابة ويبدعه أدباً بما في ذلك وضع فيلم سينمائي عن سيرته الأدبية وحياته الشخصية أو مسلسلاً تلفزيونياً أو اذاعياً أو ما شابه ذلك مما جرى ويجري مع نجوم وأعلام كبار في مختلف الحقول الأدبية والفكرية والفنية بعد رحيلهم، وأثار ويثير زوابع من الاشكالات والانتقادات والاحتجاجات وصل معظمها الى حدود رفع الدعاوى في المحاكم أو حتى الى اطلاق النار!
ثمة عشرات الطرائق والأساليب لضبط ذلك واحكامه وفق ما يرغب به المبدع وما يراه ويحرص عليه في حياته حتى لو كان قصاصة ورق، الأمر الذي يقطع الطريق على الاجتهادات من أية جهة كانت، ومن أية نية انبثقت، فيحفظ للمبدع، في غيابه، ما كان يحافظ عليه برمش العين وشغاف القلب في حياته ووجوده. تكرّر هبوب العواصف مرات، واحتدّت الاختلافات مرات، وشهدت المنابر الاعلامية المتنوعة صراعات ومشادّات كلامية وصل بعضها الى حد التخوين والاتهام باضمار رغبة هدم تجربة المبدع أو تشويهها أو التسلّق على شهرته وما الى ذلك!
كيف الحال، اذن، ازاء مبدع عملاق كمحمود درويش وُصف بما يشبه الاجماع على أنه متنبي العصر الحديث؟!
أيُصدّق، مثلاً، أن ثمة مَنْ عزم ووزع الأدوار بغية انتاج مسلسل تلفزيوني عن شاعرنا بُعيد رحيله بنحو شهرين والحال أن قراءه لا يزالون يرزحون تحت وطأة حزن عميق وعدم تصديقٍ لنبأ رحيله!! نعم حدث هذا ونشرت خبره صحف! ولا يخامرني شكٌّ بأنه لو حدث ذلك الضبط والاحكام والتوثيق من قِبل شاعرنا لما هبّت العاصفة التي نشهد تيارات رياحها الآن (والتي سمّاها البعض: فضيحة) جراء جمع قصائد درويش واصدارها في كتاب شارك عديدون بتحضيره وقرار ظهوره عدا الشاعر نفسه!
فبين تأكيد شوقي بزيع بالأمثلة والشواهد على «وجود أخطاء عروضية كثيرة يحفل بها الديوان» ونفي الياس خوري وجودها قاطعاً بأن «محمود درويش ليس في حاجة الى تلقي دروس في العروض من أحد» وغضب رياض الريّس من عدم تسليمه النسخة الأصلية بخط الشاعر، وتحميله المسؤولية الحقيقية عمّا حدث لـ«لجنة الأصدقاء الذين كلّفوا الياس خوري بمهمة ليس أهلاً لها» واصرار ديمة الشكر الحاصلة على نسخة بخط درويش على وجوب «اعادة طبع الديوان انصافاً لروح أمير الايقاع» ونداء بيار أبي صعب في نبرة حارّة « لندعه يرقد بسلام» رائياً بحزم أنه «لو كان بوسع محمود درويش الآن أن يسترد موته منّا، لما تأخر لحظة واحدة»... بين كل هذا وذاك وجد القارئ نفسَه أمام كتاب مُختَلف عليه اختلافاً بيّناً من عنوانه الرئيس: «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي» مروراً بالفرعي: «الديوان الأخير» والى المتن وما شاب النصوص المنشورة من شوائب!
واذا كان ما من سبيل موضوعياً لحسم الاختلافات وقد صدر الكتاب ووزّع، وما من ضرورة أساساً لهذا في اعتقادي لأن من شأن ذلك زيادة الزوبعة اشتداداً ليس الا، فان قارئ درويش لا يستطيع الا أن يتساءل بمرارة وألم وأسى: أتكون هذه هي مكافأة نهاية الخدمة الجليلة والعظيمة التي أسداها شاعرنا لنا وللثقافة العربية والعالمية برمّتها؟!
ليس من شأني ولا من مهمتي أن أنحي باللائمة على أحد، فما اجتهد مَنْ اجتهد الا بنية طيبة ومخلصة كما أحسب، بيد أن العبرة الكبرى تظل ماثلة شاخصة، وهي أن المبدع، أي مبدع كبير في أي حقل أو لون، اِنْ لم يتنبّه في حياته ويعمل بحرص بالغ على حفظ كرامة ما قد يُكرهه قدرُ الرحيل على تركه من نتاجه، فان الأحياء لن يكونوا من بعده، مهما اهتموا، أحرص منه، ولن يكونوا، مهما جهدوا، أقدر منه وأجدر بمصير نتاجه حتى في حال حسُنت نواياهم!