عيون الأدب / أبو فراس الحمداني بين فروسيته ورومياته 2 من 2
| محمد سعود المطيري |
نستكمل في هذه المساحة ما بدأناه الأسبوع الماضي، من حديث عن الشاعر أبي فراس الحمداني.
... فقد تكون المناجاة من آلام الأسر والدعوة الى افتدائه من الروم وألم الأم على فراق ابنها، وهو الأمير الوالي، تلك هي أبرز ما تحدثت عنه روميات شاعرنا والتي تحمل في طياتها الكثير من الشكوى والالم، والتي ترتفع به إلى القيم الإنسانية والتي نفتقدها في واقعنا المعاصر.
فيقول في فترته الأولى للأسر في «خرشنه»
دعوتك للجفن القريح المسهد
لدي، وللنوم القليل المشرد
وما ذاك بخلاً بالحياة وإنها
لأول مبذول لأول مجتد
ولا زال عني أن شخصاً معرضاً
لنبل العدا إن لم يصب فكأن قد
ولكنني أختار موت بني أبي
على سروات الخيل غير موسد
وآبى وتأبى أن أموت موسداً
بأيدي النصارى موت أكمد أكبد
وليس أروع من الأم وصبرها على مصابها الجلل، فكيف لا وهي تفقد أعز ابنائها وهو أسير
فيقول لأمه:
مصابي جليل والعزاء جميل
وظني بأن الله سوف يديل
جراح تحاماها الأساة مخافة
وسقمان باد منهما ودخيل
فكيف وهو يسمع الحمام وهو ينوح ويتأثر بذلك النوح فيقول
أقول وقد ناحت بقربي حمـامة
أيا جارتا لو تشـعرين بحالي
معاذ الهوى ما ذقت طارقة النوى
ولا خطرت منك الهـموم ببالي
فليس اروع مما قاله أبي فراس في هذه الأبيات:
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر
أما للهوى نهي عليك ولا أمر
بلى، أنا مشتاق وعنـدي لوعة
ولكن مثلي لا يـذاع له سر
إذا الليل أضواني بسطت يد الهـوى
وأذللت دمعا من خلائقه الكبر
وقد كان ابن عمه سيف الدولة الحمداني محقاً في عدم افتدائه يماطل إما خوفه على ملكه، الذي كان مهدداً من طموح أبي فراس الحمداني، وهو ما تأكد بعد وفاة سيف الدولة الحمداني واستلام ابنه ابي المعالي لدفة الحكم، فتحقق ما كان لسيف الدولة من خوفٍ بعد عودة أبي فراس الحمداني، فهجومه على ابنه يؤكد ما كان يرمي له سيف الدولة، وهو الإبقاء عليه في سجون الروم.
وليس أجمل من رثاء الشاعر لنفسه وهو يوجهه لابنته فيقول
أبنيّـتـي لا تـحـزنـي كل الأنـام إلـى ذهـابْ
أبنيّتـي صبـراً جميـلاً للجليـل مـن المصـابْ
نوحـي علـيّ بحسـرةٍ من خلفِ ستركِ والحجابْ
قـولـي إذا ناديـتـنـي وعييتُ عن ردِّ الجـوابْ
فكم هو جميل أن يرثي الشاعر ذاته بكلمات قد لا يعي جمالها إلا من يشعر بها، فتلك رائعة من روائع أبي فراس الحمداني، كما أن الصدق في تصوير ما كان يشعر به شاعرنا هو قمة الشاعرية وصدقها، فلم يكن كحال شعراء العصر العباسي بتواجدهم ببلاط الملوك والأمراء من أجل المال أو الجاه بل من أجل الشعر ومصداقيته وروعته.
وقد توفاه الله عز وجل ولكن بقي لنا من رومياته التي نراها الان بين أيدينا الشيء الكثير، وبها من القيم الإنسانية الرائعة، فرحمك الله يا أبافراس الحمداني.
نستكمل في هذه المساحة ما بدأناه الأسبوع الماضي، من حديث عن الشاعر أبي فراس الحمداني.
... فقد تكون المناجاة من آلام الأسر والدعوة الى افتدائه من الروم وألم الأم على فراق ابنها، وهو الأمير الوالي، تلك هي أبرز ما تحدثت عنه روميات شاعرنا والتي تحمل في طياتها الكثير من الشكوى والالم، والتي ترتفع به إلى القيم الإنسانية والتي نفتقدها في واقعنا المعاصر.
فيقول في فترته الأولى للأسر في «خرشنه»
دعوتك للجفن القريح المسهد
لدي، وللنوم القليل المشرد
وما ذاك بخلاً بالحياة وإنها
لأول مبذول لأول مجتد
ولا زال عني أن شخصاً معرضاً
لنبل العدا إن لم يصب فكأن قد
ولكنني أختار موت بني أبي
على سروات الخيل غير موسد
وآبى وتأبى أن أموت موسداً
بأيدي النصارى موت أكمد أكبد
وليس أروع من الأم وصبرها على مصابها الجلل، فكيف لا وهي تفقد أعز ابنائها وهو أسير
فيقول لأمه:
مصابي جليل والعزاء جميل
وظني بأن الله سوف يديل
جراح تحاماها الأساة مخافة
وسقمان باد منهما ودخيل
فكيف وهو يسمع الحمام وهو ينوح ويتأثر بذلك النوح فيقول
أقول وقد ناحت بقربي حمـامة
أيا جارتا لو تشـعرين بحالي
معاذ الهوى ما ذقت طارقة النوى
ولا خطرت منك الهـموم ببالي
فليس اروع مما قاله أبي فراس في هذه الأبيات:
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر
أما للهوى نهي عليك ولا أمر
بلى، أنا مشتاق وعنـدي لوعة
ولكن مثلي لا يـذاع له سر
إذا الليل أضواني بسطت يد الهـوى
وأذللت دمعا من خلائقه الكبر
وقد كان ابن عمه سيف الدولة الحمداني محقاً في عدم افتدائه يماطل إما خوفه على ملكه، الذي كان مهدداً من طموح أبي فراس الحمداني، وهو ما تأكد بعد وفاة سيف الدولة الحمداني واستلام ابنه ابي المعالي لدفة الحكم، فتحقق ما كان لسيف الدولة من خوفٍ بعد عودة أبي فراس الحمداني، فهجومه على ابنه يؤكد ما كان يرمي له سيف الدولة، وهو الإبقاء عليه في سجون الروم.
وليس أجمل من رثاء الشاعر لنفسه وهو يوجهه لابنته فيقول
أبنيّـتـي لا تـحـزنـي كل الأنـام إلـى ذهـابْ
أبنيّتـي صبـراً جميـلاً للجليـل مـن المصـابْ
نوحـي علـيّ بحسـرةٍ من خلفِ ستركِ والحجابْ
قـولـي إذا ناديـتـنـي وعييتُ عن ردِّ الجـوابْ
فكم هو جميل أن يرثي الشاعر ذاته بكلمات قد لا يعي جمالها إلا من يشعر بها، فتلك رائعة من روائع أبي فراس الحمداني، كما أن الصدق في تصوير ما كان يشعر به شاعرنا هو قمة الشاعرية وصدقها، فلم يكن كحال شعراء العصر العباسي بتواجدهم ببلاط الملوك والأمراء من أجل المال أو الجاه بل من أجل الشعر ومصداقيته وروعته.
وقد توفاه الله عز وجل ولكن بقي لنا من رومياته التي نراها الان بين أيدينا الشيء الكثير، وبها من القيم الإنسانية الرائعة، فرحمك الله يا أبافراس الحمداني.