د. محمد جبر الحامد الشريف / سياسة التوظيف في الكويت إلى أين؟

تصغير
تكبير
تعتبر سياسة التوظيف في الكويت جزءاً من السياسة العامة للدولة، والذي ينظمها قانون الخدمة المدنية رقم 15 لسنة 1979, من خلال هذا القانون وتلك السياسة، ووفقا للمادة 14 من الدستور، تضمن الدولة فرص وظيفية للباحثين عن عمل من المواطنين.
هذا شي جميل، وواجب على دولة صغيرة غنية تجاه مواطنيها, لكن الشيء المزعج أن يكون التوظيف من دون خطط واضحة مبنية على الاحتياجات الفعلية لمؤسسات الدولة, حتى أصبح الجهاز الحكومي غير قادر بالفعل على استيعاب وتوظيف مخرجات التعليم من الشباب الكويتي، والذي تتزايد أعداده سنوياً لتصل الى 11000 باحث عن عمل كل عام تقريباً. وهذا يعني أنه خلال الخمسة أعوام المقبلة سوف يدخل سوق العمل 55000 فرد من الباحثين عن العمل من المواطنين. 98 في المئة من هذا العدد على الأقل سوف يتجه الى القطاع الحكومي، وسوف تقبل الدولة كل هذه الأعداد خوفاً من زيادة معدلات البطالة، وبهذا تهرب الدولة، من خلال هذه السياسة، من البطالة السافرة لتقع في البطالة المقنعة التي أصبحت مؤشراتها السلبية تظهر على السطح من خلال قلة الإنتاجية وضعف الأداء، إلى آخره من الظواهر السلبية التي لسنا بصدد التطرق إليها في هذا المقال. هذه السياسة التي تتبعها الدولة في توظيف الكويتيين في مجال واحد فقط وهو القطاع الحكومي، وعدم البحث في مجالات أخرى، سوف يثقل كاهل الميزانية، ويحمل الباب الأول مصاريف لن تستطيع الدولة تحملها إلى ما لا نهاية، خاصة إذا حدث وانخفضت أسعار النفط (الله لا يقدر ذلك) إلى حد تكون معه تكلفة رواتب الموظفين تفوق الإيرادات.
أتمنى أن لا يفهم القارئ أنني ضد توظيف الكويتيين، بل على العكس أنا أحفز الدولة على أن تبحث عن مجالات أخرى لضمان استمرار توفير الوظائف للكويتيين حتى لا يفاجئ المواطن الباحث عن عمل في يوم من الأيام أنه سوف ينتظر لأعوام طويلة حتى يحصل على الوظيفة.
نحن أمام مشكلة ليست سهلة ويجب على الدولة أن تتعامل معها بشكل مباشر، وأن تبحث عن حلول جذرية، وأن تستفيد من تجارب الدول الأخرى في هذا المجال، والتي أشركت القطاع الخاص في توفير فرص عمل لمواطنيها، حيث كان دور القطاع الخاص في كثير من هذه الدول فعال في هذا المجال من خلال إحساسه بدوره القومي والاجتماعي.
أما القطاع الخاص الكويتي للأسف الشديد لم يكن دوره ايجابياً في سياسة التوظيف في البلد، لا من حيث المشاركة في رسم السياسات التوظيفية، ولا المشاركة الفعالة في تحمل مسؤوليته الاجتماعية في توظيف العمالة المواطنة، أو تدريبها، أو تأهيلها بمهارات تتناسب مع متطلبات سوق العمل من خلال مراكز متخصصة.
وقد أثبتت دراسة أجريتها عام 1999 للبحث في مشكلة توظيف العمالة المواطنة في القطاع الخاص الكويتي أن هذه المشكلة مركبة يتحمل القطاع الخاص جزء منها من خلال عدم مشاركته في تحمل مسؤوليته الاجتماعية، والوطنية في هذا المجال, ويتحملها المواطن كذلك بسبب اتكاله على الدولة، وعدم تطوير نفسه بالتدريب، واكتساب المهارات اللازمة حتى ينافس غيره في سوق العمل. وتتحمل الدولة الجزء الأكبر من هذه المشكلة لأنها تملك القوانين، والتشريعات، ورسم السياسات المتعلقة بالتوظيف، والتعليم، والتدريب، ولديها الخبراء القادرين على وضع استراتيجيات متكاملة تساعد على تقليص هذه المشكلة. لكنها للأسف الشديد لم تضع استراتيجية، ولم ترسم سياسات، وإذا كان هناك شيء من هذا القبيل فهو لم ير النور بل هو حبيس الأدراج كالعادة. وللحديث بقيه إن شاء الله للتطرق لبعض مداخل الحلول. أسأل الله أن يصلح حالنا، وأن يحفظ بلدنا، وأن يرزقنا بأعضاء مجلس الأمة، ووزراء مخلصين أصحاب رؤى واضحة يستهدفون مصلحة البلاد والعباد. والله ولي التوفيق.
د. محمد جبر الحامد الشريف
باحث وأكاديمي في تنمية الموارد البشرية
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي