حين صادقت ابنتي يهوداً عرباً في واشنطن دي سي

تصغير
تكبير
|   تكتبها : ليلى أحمد   |
أعترف انه مهما بلغت درجة وعيي وثقافتي وخبراتي، الا انها تخونني - بشرف - في الكثير من المواقف، ففي اول أمر مفاجئ يأتيني بدون استباق وتجهيز لوعيي، أعود لطبيعتي البكر التي لم تكن تعرف شيئاً اسمه الصبر و«الكياسة» والانتظار والهدوء، وكثيرا ما كنت أحسد الاجانب على تربيتهم لاطفالهم ليكونوا هادئين فالانفعال السريع عيب، وهو سمة غير حضارية ولا يقع تحت وطئه الا الجهلة، وأعترف اني كثيرا ما كنت من هذه الفصيلة غير الحضارية. وهذا يظهر في المواقف التي تمسنا عاطفيا.
والله إني تعبت على حالي قراءة ومتابعة واطلاعا وتجربة حياة بالعلاقات الانسانية مع هذا كنت ارجع لكهف طبيعتي الآدمية حين الحين، فالأصل لدينا يطفو على السطح، وبعد وقت عندما نسترجع الامر بعد هدوء العاصفة نهمس لأنفسنا «ماكان داعيا كل هذا الانفعال لولو.. خذي الامور بعقل وليس بالعواطف» وأيا.. من وين نجيب العقل.. تفضل معي الى كهوف النفس الغائرة في الاعماق السحيقة لنا..
قبل سنوات طويلة، كنت في لندن أمارس رياضة المشي في احد الشوارع الرئيسية المزدحمة بالمارة، وفجأة أقبل عليّ شاب عشريني العمر وقدم لي بروشور - ورقة اعلان - ووقف ينتظر قراءتي للورقة، وحين وصلت بعد سطور عدة عن «التبرع لإسرائيل» شعرت كأن عقربا قرصني.. قفزت للخلف عشر خطوات ونظرت له بغضب. وهو اندهش لردة فعلي ولم ينطق سوى «أكيد عربية».
الآن أنا أنضج كثيرا بعد طول مران ذاتي ولو اعيش الموقف نفسه سأحترمه واقرأ الصياغة واللغة والاسلوب العاطفي الانساني الموجه للناس، أحترمه لأنه مخلص لوطنه، وترك التسكع بالشوارع والبارات ومعاكسة الفتيات ليقوم بجمع التبرعات لبلده، هذا لا نجده عندنا.. غير موجود عندنا شباب يافع يعرضون اوراق بروشور لجمع التبرعات لمستشفيات أطفال السرطان أو لحالات الاحتياجات الخاصة.
قبل ايام كانت ابنتي نينار التي تدرس في احدى الجامعات بولاية واشنطن دي سي بالولايات المتحدة الاميركية، قد ارسلت لي عبر الايميل صور عدة لها مع اصدقاء اميركان تعرفت عليهم، فتاتان احداهما اصلها لبناني والاخرى من جذور سورية والثالث مايكل من أصول مغربية، وثلاثتهم حاملو الجنسية الاميركية وديانتهم يهودية وجميعهم يدرسون اللغة العربية في الجامعة الاميركية بواشنطن دي سي.
ولأن «مخي» غارق في ايدولوجية قومية منذ يفاعتي، رافضا لجنس الاسرائيليين، غاضبا من أفعالهم في فلسطين واحتلالهم لدول لمساحات من دول عربية اخرى، وقفت نينارتي عند سؤال طرحته عليها: يهود ياماما.. هل هم اسرائيليون؟
فقالت لي: نعم يهود انهم جميعا أميركان، لكنهم من أصول عربية، تم تهجيرهم من الدول العربية بعد احتلال اسرائيل للاراضي العربية. مايكل المغربي لا ينسى قصص جديه حين حماهم ملك المغرب في قصره لكي لا تتم ابادتهم أيام فورة ضد اليهود ابان الحرب العالمية الثانية، وهم يدينون بالفضل له وللعرب لانهم حموهم من الابادة.. تخيلي نفسك في موقعهم، تقتلين لمجرد انك مسلمة الديانة..!
سالتها ان كانوا يحملون النقمة على العرب ؟
أجابتني: لا.. على الاطلاق.. يحبون العرب والدليل اختيارهم لدراسة اللغة العربية، ولكي لا تقولي انهم سيعملون مع الموساد مستقبلا، سأخبرك انهم اميركان وسيظلون في أميركا، وهم يدرسون اللغة العربية لحبهم للعرب والذي ورثوه من أجدادهم الذين تم تهجيرهم من بلدانهم الاصلية، إن وجدانهم عربي بالكامل، وكانوا يرون في طفولتهم حزن وحنين الاجداد لأوطانهم الأم في سورية ولبنان والمغرب
سألتها: اذا اعيد عليك ماذا يكرهون بالعرب..؟
قالت: لا موقف او كراهية في قلوبهم تجاه الشعب العربي هم يكرهون السياسة في التاريخ الذي كان سببا في طردهم من بلدانهم الام، لدرجة انهم لا يتعاطون بالسياسة، ولا تهمهم اسرائيل، وغاضبون مما فعلته اسرائيل في غزة. ياماما فرقي بين اسرائيل واولاد عمومتنا اليهود، كانوا طوال حياتهم يعيشون مع العرب منذ قبل الاسلام، وكنا نعيش بوئام معهم ومع المسيحيين.. هم لم يتغيروا تجاهنا، ياماما تعرفت على عرب مسيحيين ويهود بجامعتي بواشنطن، بل تغيرت نظرة العرب لهم.. ورفعوا أنفسهم ونبذوا العالم الذي يختلف معهم.
> طيب ماما.. كيف هي علاقاتهم الداخلية.. هل هم غربيون بمشاعرهم مفككون الوصل العائلي ام مازالوا يحملون الارث العاطفي العربي وحميميته في التواصل الاسري.
قالت ننورة: .. مثلنا تماما.. ماما شو بك.. هم جذورهم شرقية وبشر مثلنا، وتوارثوا العلاقات العائلية الحميمة من اصولهم، يذهبون للصلوات في معابدهم في جمع عائلي كبير، ويقيمون احتفالاتهم، وعلى تواصل دائم، وفضوليون - مثلك - يريدون معرفة كل شيء عن اولادهم.. ويتابعونهم من قلب ورب.
أذكر في هذا الشأن ان ابنتي في احدى السنوات، كانت تسافر بسيارتها بين ولاية اريزونا وكاليفورنيا، وبالطريق انتهى البنزين من سيارتها، ووقف لها شاب وفتاة وسألاها عن امكانية مساعدتها دون ان يعرفا ان كانت عربية او مسلمة أو كائنا غريبا من المريخ، فقالت لهم خلص البنزين فأخذها الشاب لأقرب محطة بنزين، واخذت حاجتها لسيارتها، في الطريق كانوا يتعارفون فطلع الشاب وصديقته اميركان يهود، وهي عربية مسلمة، ومع هذا قدما خير خدمة لها، واصبحوا أصدقاء حتى اليوم.
اردت ان اقول ان الايديولوجيا سممت بدننا، وخصوصا حين نكون منغلقين في كهوف قاهرة في اوطاننا لا نسمع الا للصوت الرسمي ومن تكراره ونصدقه ويصبح جزءا من عقيدتنا، فنكره الاخر لانه ليس منا، بحسب البيانات الرسمية للدول أو للاحزاب القومية.
ان الانفتاح على ثقافات الآخر تهذب النفس وتعيدها لمرجعيتها الحضارية في التعامل مع الانسان ككينونة من حقها التعبير عن نفسها والايمان بالدين والمعتقد الذي يريده، فهو لن يضرنا ولن «يأكلنا».
ابنتي اون لاين على الكام: ماما.. وين سرحتي.. بس احب اقول لك ليس من حقنا كراهية اليهود لان اسرائيل التي لا علاقة لهم بها احتلت اوطاننا.


باتجاه الشمس:

• الحب يغير أحوال الطقس يعطي نكهة لأجوائنا النفسية، لا أفهم الحب على أنه ركود و«انبطاح ذليل» واستسلام وقبول بقتل الافكار الخاصة لأجل عيون الآخر.. الحب الحقيقي الفاعل هو الذي يستوي على نار اليوميات الصريحة والمشاعر الواضحة وتداعياتها.. جمرة اشتعال لذيذ يقربنا من بعض! وليس قصة موت الأنثى ليحيا الذكر!
• أعتقد ان الزمن طبيب كسول أحيانا.. بطيء غالبا، يعالج آلامك وهمومك.. بإهمالهم! «مدري لخبطت والا.. صح» مارأيكم أن تبحثوا في ذاكرتكم عن أمر تناسيتموه بفعل تقادم الزمن عليه.
• في كل علاقة زوجية فأر يقرض العلاقة من الداخل.. او سوس ينخر، نراه ونصبر عليه باسم.. الشكل الاجتماعي، ولا يهم أن تهدر دماء إنسانية الرجل او المرأة تحت جدار وسقف متآكل.
• كان دمي يشن المعركة تلو المعركة.. أغبرة تتطاير وسيوف تتضارب وخيول تصهل، وأوردة قلبي تتشابك، وحين رأيته.. تسرب لي الهدوء.. وتصالح دمي مع دمي.



مزااااج

تعال للأرصفة
نحيط خصر عمود النور
المغسول بالماء
ونلف حوله
ليس الحب فاكهة معلبات
في علب محفوظة
في سوبر ماركت فخم
تعال نطشطش بأقدامنا
بريق برك ماء المطر
ليس الحب
فنجان قهوة في مقهى مرتب
تعال نقرأ كتابا مشتركا
ولنختلف في نقاشه
ونبرع في إطلاق مخيلتنا
حين نريد نهايات اخرى للرواية
ليس الحب محفوظاً في الكتب
تعال .. لنتسلق صباحاً
دفء أشعة الشمس
ليس الحب إضاءة أباجورة حزينة
تعال لنذهب للصحراء
سنطارد الزواحف
حين تدخل تحت كومة رمل
أو تحت يباس عشب
تعال .. وانتفض معي
فلقد مللت
من النظر من على السطح
العالي .. والبعيد

تكتبها : ليلى أحمد
[email protected]

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي