خيرالله خيرالله / بين الجنرال إميل البستاني ...والجنرال ميشال عون!

تصغير
تكبير



ما يجري في لبنان حالياً لا يمكن فصله عما يشهده الخليج من تطورات وتجاذبات. هناك مشروع إيراني متكامل ينفذ على الصعيد الإقليمي. لعل آخر دليل على وجود المشروع ما طرحه الرئيس محمود أحمدي نجاد في القمة الخليجية الأخيرة التي انعقدت في الدوحة. طرح الرئيس الإيراني بكل بساطة برنامجاً من اثنتي عشرة نقطة يؤدي إلى صيغة تجعل من إيران العضو السابع في مجلس التعاون على أساس معادلة 6+1، علماً بأن الاسم الرسمي للمجلس هو «مجلس التعاون لدول الخليج العربية». ذهب الرئيس الإيراني في طرحه إلى حد الدعوة إلى أن يكون الإيراني مثله مثل أي مواطن من مواطني الدول الست، أي أن يتمتع بحق التنقل من دون تأشيرة وأن يكون له حق التملك والإقامة في دول تعاني أصلاً من مشكلة في غاية الأهمية تتمثل في الخلل السكاني. هناك بكل بساطة وصراحة فراغ في المنطقة نجم عن تفتيت العراق تحاول إيران ملأه.

يندرج ما يشهده لبنان حالياً في سياق المشروع الإيراني الذي ينفذ هنا بالتعاون مع النظام السوري وبالتنسيق معه. هناك في لبنان محاولة أخرى تستهدف إلغاء «اتفاق الطائف» الذي أمن المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في مؤسسات الدولة لمصلحة صيغة جديدة تضمن وجود دولة داخل الدولة في لبنان اسمها دولة «حزب الله». لو لم يكن الأمر كذلك، لما كان الإصرار الذي يبديه المحور الإيراني ـ السوري عبر أدواته وأدوات الأدوات المستأجرة على الاتفاق على الحكومة الجديدة قبل انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان أو غيره رئيساً للجمهورية. المطلوب نسف النظام اللبناني المبني على «اتفاق الطائف» من أساسه من أجل أن تكون هناك حال شلل سياسي على كل المستويات في الوطن الصغير. هذا الوطن الذي يخوض حالياً معركة مصيرية من أجل المحافظة على وجوده.

لعل أخطر ما في الطرح الإيراني - السوري الذي يعبر عنه المعارضون التمسك منذ الآن بتضمين البيان الوزاري للحكومة الجديدة التي يفترض أن تنال على أساسه الثقة مقطعاً يؤكد حق «حزب الله» في الاحتفاظ بسلاحه. أي أن يستمر الحزب دولة داخل الدولة اللبنانية وأن تبقى هناك جزر أمنية في البلد خارج سيطرة الدولة ومؤسساتها. مثل هذا الطرح يشكل تهديداً واضحاً لاستمرار لبنان ويدفع عمليا في اتجاه تفتيت البلد وتعميق الانقسامات الطائفية والمذهبية...

بكلام أوضح، ان هذا الطرح يستهدف بصراحة التوصل إلى اتفاق شبيه بـ«اتفاق القاهرة» مع فارق أن العناصر التي يتألف منها «حزب الله» لبنانية، بل من صميم المجتمع اللبناني، لكنها تشكل في واقع الحال لواء في «الحرس الثوري» الإيراني. إن تكريس وجود دولة داخل الدولة اللبنانية، خصوصاً مع وجود القرار الرقم 1701 الذي أنشأ القوة الدولية المعززة في الجنوب اللبناني وأمن انتشار الجيش فيه للمرة الأولى منذ خمسة وثلاثين عاماً يقود إلى جعل لبنان في وضع الرافض للشرعية الدولية وللقرار 1701 تحديداً. أكثر من ذلك أن الهدف يبدو جلياً ويتمثل في خلقه دويلة في لبنان على ارتباط مباشر بإيران، بل مجرد تابع لها...

من واجب كل لبناني يريد المحافظة على لبنان العمل من أجل تفادي «اتفاق القاهرة» الجديد. إذا كان الاتفاق الذي وقعه لبنان مع منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1969 من القرن الماضي أدى إلى الحرب الأهلية في العام 1975، وكانت حرباً بين اللبنانيين وحروباً بين الآخرين على أرض لبنان، فإن اتفاقاً على البيان الوزاري والحكومة قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، على أساس تكريس شرعية سلاح «حزب الله»، سيؤدي إلى زوال لبنان بصيغته الحالية التي استطاع «اتفاق الطائف» المحافظة عليها.

قبل الدخول في مغامرة الحكومة والبيان الوزاري وقائد الجيش الجديد والتشكيلات الأمنية، تمهيداً لانتخاب رئيس الجمهورية، على اللبنانيين أن يتذكروا جيداً الويلات التي جاء بها «اتفاق القاهرة» والظروف التي أدت إلى توقيعه برعاية مصرية تولاها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. جاء توقيع «اتفاق القاهرة» في ظل ظروف إقليمية في غاية التعقيد وضغوط تعرض إليها لبنان من غير جهة عربية، كي يفتح جبهة الجنوب أمام العمل الفدائي الفلسطيني. أراد العرب وقتذاك التكفير عن ذنوبهم تجاه الفلسطينيين وتغطية الهزيمة التي لحقت بهم في حرب العام 1967 عن طريق تقديم جائزة ترضية لمنظمة التحرير الفلسطينية اسمها جبهة جنوب لبنان. كان لبنان البلد العربي الوحيد بين ما يسمى دول الطوق الذي لم يخسر أرضاً في حرب 1967، وذلك لسبب في غاية البساطة يعود إلى أنه لم يشارك فيها. لم يشارك في الحرب لأن القيادة السياسية فيه كانت تدرك أن مصلحته تكمن في عدم الذهاب ضحية أوهام جمال عبدالناصر ومزايداته من جهة والمحافظة على «اتفاق الهدنة» من جهة أخرى، خصوصاً أن خط وقف النار يتفق تماماً مع خط الحدود بين لبنان وفلسطين في عهد الانتداب.

وافق الزعماء المسيحيون جميعاً، باستثناء ذلك البعيد النظر الذي اسمه ريمون إده، على «اتفاق القاهرة». وافقوا مرغمين بعدما وضعوا تحت ضغوط شديدة بينها الفراغ الحكومي. والمفارقة أن من وقع «اتفاق القاهرة» من الجانب اللبناني كان قائد الجيش إميل البستاني الذي كانت عينه على رئاسة الجمهورية. اعتقد البستاني أن توقيع الاتفاق، الذي يعني التخلي عن جزء من السيادة اللبنانية، مع ياسر عرفات وبإشراف جمال عبد الناصر سيوصله إلى الموقع الأول في لبنان. هناك الآن جنرال آخر اسمه ميشال عون يدفع في اتجاه «اتفاق القاهرة» بنسخته الجديدة الأشد خطورة من السابقة. لا يريد الجنرال، الذي لم يجلب للبنان عموماً والمسيحيين خصوصاً سوى الويلات، الاستفادة من تجربة إميل البستاني الذي لم يصل إلى الرئاسة...رغم استماتته في سبيلها!

مفيد استعادة ظروف توقيع «اتفاق القاهرة» لتفادي اتفاق من نوع آخر أسوأ منه في وقت يتعرض لبنان لأشد أنواع الضغوط من المحور الإيراني ـ السوري وفي وقت صار فيه قائد الجيش يتمتع بما يكفي من الأصوات لانتخابه رئيساً للجمهورية في حال انعقاد جلسة لمجلس النواب. نعم لانتخاب رئيس جديد للجمهورية حتى لو كان عسكرياً، ولا وألف لا لأن يكون الانتخاب مترافقاً مع شروط معينة تقود إلى تقييد لبنان بصيغة جديدة تكرس شرعية سلاح «حزب الله» ودولته وتكون  في نهاية المطاف ألعن من «اتفاق القاهرة».

استعاد لبنان سيطرته على الجنوب بفضل القرار 1701 الذي صب في مصلحته. هناك مجتمع دولي أرسل آلاف الجنود إلى الجنوب كي ينعم أهله بالهدوء والطمأنينة للمرة الأولى منذ سنوات طويلة. أي مسّ بالقرار 1701 يضع لبنان في مهب الريح ويقضي على الصيغة اللبنانية. من يريد حكومة وبياناً وزارياً محدداً قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية يريد بالفعل التخلص من لبنان.

من الخليج إلى لبنان القضية واحدة. هناك مشروع إيراني واضح  يسعى إلى الاستفادة من الخلل الإقليمي الناجم عن الوضع الذي نشأ عن الغياب العراقي. هل في استطاعة العرب عموماً معالجة الخلل؟ إنه السؤال الكبير، سؤال يحتاج إلى معالجة ذات طابع عملي. ولهذا السبب وليس لغيره كان مطلوباً أن تكون هناك نقطة انطلاق عربية لمباشرة المعالجة. وهذا ما حتم العودة إلى فلسطين وليس إلى مكان آخر. وهذا ما يفسر انعقاد مؤتمر أنابوليس بما يسمح بالانتقال إلى تحديد ما يمكن عمله لإصلاح الخلل أكان ذلك في الخليج أو في لبنان...هذا في حال كان في الإمكان تصحيح هذا الخلل بالوسائل الديبلوماسية والسياسية وحدها. 


خيرالله خيرالله


كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن


 

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي