| بغداد- «الراي» |
يكثر الحديث هذه الأيام في العراق عما يوصف بأنها «مؤامرة» بريطانية أميركية برعاية أممية، الهدف منها تغليب مصلحة الكويت على حساب مصلحة بلادهم، في ما يخص الملفات العالقة منذ عقدين مع الجار الجنوبي وغيرها من القضايا التي نشبت بين البلدين الجارين اخيراً.
هذا الكلام يتزامن مع زيارة وفد رسمي عراقي برئاسة رئيس لجنة الامن والدفاع البرلمانية حسن السنيد، اوفده رئيس الوزراء نوري المالكي الى الكويت للتباحث بشأن مسألة ميناء مبارك وتكرار عمليات احتجاز الصيادين العراقيين من قبل خفر السواحل الكويتية.
الحديث المتواتر الذي تصدح به منذ فترة حناجر نواب وساسة بعضهم مقرب من دائرة صنع القرار عن وجود «مؤامرة» تستهدف العراق، يفتقر الى أدلة قاطعة يمكن لها أن توضح ما يسمى بـ «إنحياز» كل من واشنطن ولندن الى جانب الكويت، وتحديدا في موضوع انشائها ميناء مبارك الكبير، الذي يرى فيه العراقيون «مشروعا يهدد مصالحهم المستقبلية ويؤثر سلبا على نشاط موانئهم وحركة الملاحة في ممرهم المائي الوحيد الذي يطل على الخليج».
وعلى ما يبدو فان هؤلاء الساسة والمشرعين استندوا في انتقاداتهم التي وصلت حد الاتهام على ما يصفونه بـ «الموقف السلبي» الذي تتبعه الولايات المتحدة من خلال «صمتها المطبق» وعدم تحركها للحيلولة دون تفاقم ما بات يعرف بـ «زمة الميناء»، بحكم العلاقات الوطيدة التي تربطها مع الكويت، وتأثيرها الذي ما زال ساريا على القرار الرسمي العراقي باعتبارها دولة احتلال.
كما رأوا في تصريحات السفيرين البريطانيين في كل من الكويت وبغداد، التي طالبا فيها الحكومة العراقية «الالتزام بجميع القرارات الدولية الخاصة بالحالة الكويتية، وتحسين العلاقات مع الكويت اذا ما أريد الخروج من طائلة البند السابع»، دليلا آخرعلى هذا «الإنحياز».
أحدث تلك الانتقادات صدرت عن محافظ البصرة خلف عبد الصمد، عقب لقاء جمعه بممثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ارماند لينير، عندما قال متسائلا «أين تحركات الولايات المتحدة لايقاف تجاوز دولة الكويت، والتجاوزات على شمال العراق؟».
وقال في تصريحات صحافية نقلتها أمس وكالات أنباء محلية «لم نر دورا للولايات المتحدة لما يتعرض له العراق من التجاوزات التي وصلت الى حد ضرب المدنيين بالمدفعية، واعتقال الصيادين في المياه العراقية من قبل الجانب الكويتي».
عبد الصمد وهو قيادي بارز في حزب «الدعوة الاسلامية» بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، شدد في تصريحاته على ضرورة «وجود تحركات جدية في هذا الموضوع من قبل الحكومة الاميركية».
ويبدو ان المحافظ ينطلق في كلامه هذا مما جاء في الاتفاقية الامنية الموقعة بين بغداد وواشنطن نهاية عام 2008، حيث نصت على وجوب التعاون بين العراق واميركا في مجالات الأمن والدفاع وردع العدوان والتهديدات الموجهة ضد سيادة وأمن ووحدة أراضي العراق، وكذلك مساندته في المحافل الدولية.
الى ابعد من تساؤلات المحافظ، وصف النائب السابق وائل عبد اللطيف المواقف الاميركية والبريطانية بانها «مؤامرة تستهدف العراق ترعاها الامم المتحدة التي انحازت هي الاخرى للكويت على حساب العراق عندما أصدرت تقريرا في حزيران الماضي، ألزمت فيه الحكومة العراقية بدفع نفقات الجدار الحدودي والعلامات الحدودية الكويتية، طبقا لقرار 833 الصادر من مجلس الأمن الدولي».
كل ذلك يأتي بالتزامن مع تقارير صحافية أفادت بـ «توارد أنباء عن دعوة بريطانيا على لسان سفيرها لدى بغداد مايكل أرون، حكومة المالكي للموافقة على بناء ميناء مبارك، وتحسين العلاقات مع الكويت لكي يكون ذلك خطوة أولى نحو خروج العراق من طائلة البند السابع».
السفير البريطاني الذي اجرى خلال الايام الماضية سلسلة لقاءات مع عدد من كبار المسؤولين العراقيين بينهم وزير الخارجية هوشيار زيباري، كان تساءل في تصريح مكتوب تلقت (الراي) نسخة منه، قائلا «اذا كان بالامكان ضمان ان الخطط الكويتية لبناء ميناء جديد سلن تتداخل مع حرية الوصول الى الموانئ العراقية فلماذا لا يتم السعي للخروج من الفصل السابع في اسرع وقت ممكن؟».
ويبدو ان تصريح السفير موجه الى المعنيين بقضية الميناء الكويتي في العراق، لكن حتى لحظة اعداد هذا التقرير، لم يصدر اي رد من قبل الحكومة العراقية على تساؤل السفير رغم مرور ايام على ادلائه به.
وفي محاولة لتوضيح دقة تصريحات السفير ولمعرفة حقيقة الموقف البريطاني، أكدت موظفة تتكلم العربية تعمل في السفارة البريطانية ببغداد لـ(الراي) أن بلادها تدعو الى تهدئة الموقف وجلوس الطرفين (الكويت والعراق) على طاولة حوار واحدة لحلحلة القضية.
وقالت الموظفة في تصريح مقتضب، ان «السفير ارون يرى بانه اذا كان الميناء الكويتي لا يؤثر على حركة الملاحة البحرية بالنسبة للعراق فلا يوجد مانع من اقامته».
مطالبة السفير البريطاني، تأتي قبل ايام من مناقشة البرلمان العراقي لموضوع ميناء مبارك، حيث ينتظر المشرعون العراقيون وصول تقرير اللجنة الفنية التي زارت الكويت نهاية الشهر الماضي من مجلس الوزراء، الذي لم يتخذ بدوره موقفا رسميا مما جاء في ذلك التقرير لغاية الان.