| بيروت - من ليندا عازار |

مع انقشاع دخان «حريق الشياح» الذي كاد ان «يُُضرم النار» في «الحرب الباردة» التي يعيشها لبنان منذ اكثر من عام، بدت بيروت امس، تحت وطأة الصدمة التي خّلّفتها مشاهد «الأحد الدموي» الذي «انفجر» عند اول خط تماس ارتسم ابان حرب الـ 15 عاماً (بين 1975 و1990)، واستحضر «السجلات السود» لمرحلةٍ لم تندمل جروحها بعد.... لبنان، الذي تحوّل منذ نحو ثلاثة أعوام «مستودع نار» ينفجر بين الحين والآخر حاصداً شخصية سياسية او اعلامية او عسكرية او امنية او فكرية، استفاق امس على «استنفار» سياسي وأمني في محاولة لتطويق ذيول «احداث الشياح» (الضاحية الجنوبية لبيروت) التي ذهب ضحيتها 6 اشخاص من أنصار المعارضة وادت الى جرح نحو 50، حسب حصيلة نهائية،  في اعمال الشغب وإطلاق النار التي رافقت الاحتجاجات بـ «الدوليب المحترقة» على انقطاع التيار الكهربائي وسرعان ما تحوّلت «عود ثقاب» أشعل مواجهات على طول المنطقة الممتدة بين الشياح ومنطقة عين الرمانة ( المسيحية) عقب «المقتل الغامض» لأحد مسؤولي حركة «أمل» (يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري)، في حين تمدد قطع الطرق الى عدد من مناطق بيروت والجنوب والبقاع.... لبنان، الذي يبدو منذ العام 2005 وكأنه «يأكل لحمه الحيّ» ويرقص على «حافة الهاوية»، استيقظ على حركة سياسية «عير اعتيادية» سعت الى تأمين «مظلة» للإجراءات الأمنية التي رمت الى ضبط الوضع في الشارع الذي نام على «كابوس» دهمه في لحظة اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة في محاولة لمعالجة الأزمة اللبنانية التي لا تزال مستعصية على الحلّ وتجرجر ذيولها منذ 11/11/2006.فوسط الحداد الذي عمّ البلاد بدعوة من رئيس الحكومة فؤاد السنيورة «على أرواح الشهداء الضحايا»، وعلى وقع الهدوء الحذر الذي ساد «محور النار» عند تقاطع مار مخايل - الشياح وعلى طول طريق صيدا القديمة الخط الفاصل عن عين الرمانة، كانت الاتصالات السياسية جارية لسحب «فتيل الانفجار».وفي حين شيّعت «امل» و«حزب الله» الضحايا في الضاحية والجنوب، شكل اللقاء الذي عُقد بين بري وقائد الجيش العماد ميشال سليمان ومدير المخابرات العميد الركن جورج خوري، محطة ذات دلالات ولا سيما انه اتى غداة مطالبة «أمل»، الجيش بفتح تحقيق في ما حصل، وعلى وقع هجوم عنيف شنّه «حزب الله» على لسان نائبه علي عمار، على المؤسسة العسكرية، محملاً اياها مسؤولية سقوط الضحايا، ومعلناً «ان الجيش ليس ميليشيا ليستبيح ما استباحه بالأمس، وعلى قيادة الجيش أن يعيد النظر والحساب بمن يريد جرها الى أماكن لا مصلحة لها فيها»، بعدما كان الحزب لم يعف في «بيان الفجر» الذي اصدره الجيش من احتمال قيام عناصره باستهداف المتظاهرين من دون ان يستبعد وجود طرف ثالث قام بذلك، في حين لمح بعض وسائل اعلام المعارضة الى ان «القوات اللبنانية»، هي التي تقف وراء أعمال القنص التي أدت الى مقتل عدد من المحتجين.وبدا ان اللقاء بين بري، الذي الغى كل مواعيده امس واليوم، لمتابعة تطورات الوضع، وبين سليمان، لقطع الطريق على محاولات «النفخ» في «احداث الشياح» التي اعتُبرت محاولة لـ «حرْق» قائد الجيش كمرشح للرئاسة بدأت المعارضة تتراجع ضمناً عن «اعتماده» خياراً توافقياً.وعُلم ان سليمان قدّم لبري التعازي باسم قيادة الجيش بالشهداء الذين سقطوا، وجرى الاتفاق على اجراء تحقيق جدي وفعال وسريع لكشف كل الملابسات التي حصلت، مع العلم ان رئيس البرلمان التقى بعدها المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا وتناول الاجتماع ما حصل من تطورات ومباشرة التحقيقات.وواكب اجتماع رئيس البرلمان والعماد سليمان، بيان صدر عن قيادة الجيش التي اكدت «المها البالغ تجاه سقوط عدد من الضحايا» معتبرة «ان ما جرى الأحد هو استهداف للجيش وللمواطنين، على حد سواء، ولا يخدم إلا أعداء الوطن وفي طليعتهم العدو الإسرائيلي الذي لم يميز بقصفه الوحشي بين مراكز الجيش وثكنه وبين أحياء الضاحية الجنوبية خلال عدوان يوليو 2006»، مثنية على «مواقف القادة المسؤولين إزاء تعاونهم من اجل ضبط الأمور ومنع إنزلاق الأحداث الى مستويات أكثر خطورة»، وشددت على «ان التحقيقات جارية بأقصى الجدية والسرعة لكشف ملابسات ما حصل وتحديد المسؤوليات واتخاذ الأجراءات المناسبة».ودعت «الأهالي المعترضين على الأوضاع المعيشية، مع تحسسها العميق بمعاناتهم، الى التحلي بالوعي وضبط النفس أثناء التعبير عن مطالبهم المشروعة». وأهابت بـ «مختلف وسائل الإعلام التحلي بروح المسؤولية الوطنية وتغليب المصلحة العامة على ما عداها في تغطية الأحداث، من خلال نقل الصورة والكلمة اللتين تسهمان في تهدئة الأوضاع وتخفيف الإحتقان».اما «أمل» فجددت المطالبة بـ «فتح تحقيق جدي وفوري لتحديد المسؤوليات في عملية إطلاق النار على المواطنين وإصاباتهم المباشرة ما أدى الى وقوع هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى»، داعية قيادة الجيش «الى تحمل مسؤولياتها في الكشف السريع عن من قام بهذا العمل غير المبرر إن كان من داخل القوى العسكرية أو من خارجها، خصوصا مع وجود أسئلة كثيرة عن دخول أطراف أخرى على خط تصعيد الموقف من خلال بعض الشخصيات والمحطات التلفزيونية المتخصصة بالتحريض والاستغلال السياسي، وأيضا مشاركة بعض الجهات المعروفة في إطلاق النار مما يحمل الجيش والاجهزة المعنية مسؤولية إضافية في تحديد هذه الجهات وإدانتها».ولفت ما نقلته صحيفة «الأخبار» (المعارِضة) عن اتهام مصادر سياسية في الضاحية «جهات بتوريط الجيش في المواجهة»، مؤكدة «أن العدد الأكبر من القتلى سقط برصاص الجيش، والأمر تجاوز ما كان متوقعاً». وأوردت «أن رسائل قاسية للغاية بُعث بها الى قائد الجيش وان إحداها تضمّنت عبارات من نوع، ان الضاحية الجنوبية ليست نهر البارد».في موازاة ذلك، اعلن نائب «حزب الله» علي عمار أن «السلطة الحالية استساغت دم الناس، والصور من أحداث الجامعة العربية السنة الماضية دليل دامغ يدين الجهات المسؤولة التي تريد الظهور بمظهر حامي السلم الأهلي».وقال في مداخلة مع تلفزيون «المنار»: «كان حري برئيس الحكومة لو عنده ذرة شرف وكرامة وحس بالمسؤولية أن يترك كرسيه الدنيء ويغادر، فدماء اللبنانيين عامة والضاحية خصوصا ليس جواز مرور لكرسي الرئاسة الاولى أو لأي كرسي غيره».أضاف: «لا نستطيع تشويه ونحرف ما حصل بالأمس، هناك جريمة حصلت عن سابق تصور وتصميم، وهناك من يحاول أخذ الجيش الى مكان ليس للجيش أو للوطن فيه مصلحة». وشدد على أن «مشكلتنا ليست مع ديدان وفئران 14 مارس، بل مع من يعطيها الامر بالتحرك ومن يديرها».ونعت بعض قوى 14 مارس، بـ «القتلة وسماسرة المال العام»، مشيرا الى أن «هذه الحكومة المسخ ورئيسها القزم الخانع تحت عباءة المشروع الاميركي- الصهيوني والقاتل الجالس في معراب قاموا بالتحريض المبرمج وهم يتحملون كل مسؤولية».وكان «حزب الله» اصدر فجر امس، بياناً أشار فيه الى «تجمع عدد من المواطنين احتجاجاً على انقطاع التيار الكهربائي المستمر والأوضاع المعيشية الصعبة. ولدى وصول قوة من الجيش لتفريق المتظاهرين وتدخل لجان من أمل وحزب الله لسحب المحتجين، حصل إطلاق نار أدى إلى استشهاد أحمد حسين حمزة الذي كان يعمل على معالجة الإشكال. وقد بذلت جهود كبيرة لإقناع المحتجين بإنهاء حركتهم، لكن للأسف تعرّض هؤلاء المواطنون من جديد لإطلاق النار، مما أدى إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى الذين كان يعمل بعضهم في إطار لجان الانضباط والدفاع المدني والى مزيد من التوتر في الشارع».وأكد «ان ما حدث جريمة كبرى»، محملاً «سلطة الأمر الواقع الحاكمة وأركانها المسؤولية عن كل قطرة دم سفكت». ودعا «قيادة الجيش للإعلان الواضح والصريح للبنانيين ولأهالي الشهداء المظلومين والجرحى عن الجهة المجرمة التي قتلت مواطنين أبرياء، فهل الذين سقطوا شهداء وجرحى سقطوا برصاص الجيش، وبالتالي من أصدر الأمر للجنود بإطلاق النار ومن يتحمّل مسؤولية ارتكاب هذه الجريمة المروّعة، ولحساب من؟ أم أن هناك جهة أخرى، فمن هي؟ إذ إن تجهيل المجرم أو التغطية على الجريمة إمعان في استباحة الدماء البريئة، وتهديد الاستقرار والسلم الأهلي في البلاد. وسنتابع هذا الأمر حتى كشف هوية القتلة والجهات التي تقف وراءهم وسنكون بانتظار نتائج التحقيق التي سنتابعها بشكل حثيث ويومي ليُبنى على الشيء مقتضاه».في غضون ذلك، شدد السنيورة على «ضرورة العمل على إعادة الأمور إلى طبيعتها وفي الوقت ذاته التنبه لما يدبر للبنان في هذه المرحلة والابتعاد عن التشنج والتوتر لأن هذا يخدم أهداف المخططين للخراب والفتنة».وأكد في اتصالاته مع المسؤولين «أهمية إيلاء الثقة الكاملة لمؤسسة الجيش وقيادته والقوى الأمنية ودورها، مبديا حزنه وأسفه وتعازيه لسقوط الشهداء من شبان في ريعان الشباب». وناشد الجميع «عدم تعريض الجيش والمؤسسات الأمنية للضغوط السياسية في هذه المرحلة لكي تستطيع المؤسسات القيام بدورها براحة وفاعلية».واكد رئيس كتلة «المستقبل» البرلمانية النائب سعد الحريري، «ان حوادث الضاحية الجنوبية تكشف مجددا عدم جدوى الاستخدام العشوائي للشارع وزجّ المواطنين في أتون تحركات لا يمكن ان تؤدي الى غير المزيد من تأجيج النفوس». وقال: «إذ أعبر عن عميق الاسف للضحايا التي سقطت، أتقدم بأحر التعازي من أهالي الشبان الشهداء الذين لم يختاروا قدرهم بملء ارادتهم، بقدر ما وجدوا انفسهم في موقع ليس هو الذي يريدونه للشهادة في سبيل لبنان، ولا أرى أن أحدا من اللبنانيين لا يشعر بالمرارة والحزن في هذا اليوم إزاء المأساة التي حلت بأهلهم ومناطقهم، وكذلك إزاء المواجهة غير المحسوبة مع الجيش اللبناني وما يترتب عليها من مضاعفات».وشدد على «أن الجيش هو جزء لا يتجزأ من مكونات الشعب اللبناني، ولا يجوز تحت أي ظرف أن يكون خاضعا للاستنزاف أوللابتزاز، ولن يكون في مصلحة أي جهة في لبنان أن تتخذ من القضايا الحياتية، ممرا للمواجهة معه، واستدراجه لادوار ومهمات تحسم من رصيده في المهمات الوطنية الاساسية».واستنكر رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون الأحداث، معرباً عن أسفه لوقوع ضحايا، ومطالباً الجهات الأمنية بإجراء تحقيقات فورية وحاسمة لكشف الوقائع «خصوصا لجهة هويات مطلقي النار وانتماءاتهم وإلقاء القبض عليهم وتحديد المسؤوليات حيال من حرضهم، وبالتالي قطع الطريق على محاولات الاستغلال السياسي الرخيص ووأد الفتنة التي بدأت تدور بقرونها نتيجة سعي البعض لذلك».وطالب نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، «المؤسسة العسكرية التي نحترم ونقدر بان تجري تحقيقا عاجلا وسريعا وليس متسرعا لما جرى»، وقال: «أفراد الجيش أبناؤنا وعلى عناصره الالتزام بأوامر قيادتهم فلا يتحمسوا ويكونوا فوضويين، فبامكانهم القيام بأعمال تهدئة دون قتل او جرح، وعلى التحقيق ان يصوب الخطأ، فالفوضى قاتلة والشعب خط احمر كما الاعتداء على الجيش خطا احمر، ونرفض بكل الصور اعتداء أي طرف على الطرف الآخر». اضاف: «انا ضد النزول الى الشارع وضد الأعمال الفوضوية وفي الوقت نفسه انا ضد ارتجال القوى الأمنية، فلا يجوز سقوط ضحايا وجرحى ابرياء في عمل إجرامي، وعلى اللبنانيين ان يتعلموا من أحداث الماضي، لذلك نتمنى الا تعود المشكلة وألا نحمل حقدا على الجيش وقد يكون هناك عناصر مدسوسة».وأكد المرجع الشيعي العلامة السيد محمد حسين فضل الله، أنه «ينبغي على الجيش وقيادته الإسراع في توضيح ما حصل»، داعياً الى «تحقيق سريع وفوري لمعرفة من قام بقتل الناس بدم بارد، ومن وجه هؤلاء القتلة لتصفية هؤلاء الشباب، لأننا نريد للجيش أن يبقى سياجا لجميع اللبنانيين، وألا يسمح لأي جهة أن تحاول الإساءة إليه من الداخل أو استغلال حركته إعلاميا أو سياسيا بطريقة وبأخرى».وقال: «ما أظهرته الصور التي برزت على الشاشات يبعث على الاستغراب والتساؤل حول الكيفية التي أديرت بها الأمور، وكذلك حول هذا الاستسهال في إطلاق الرصاص على الناس أو في معاملتهم بطريقة عنيفة لم نشهدها في مواقع أخرى، فضلا عن الحديث الذي يثار حول انطلاق الرصاص القاتل من ساحات معينة».

ضحايا أحداث مار مخايل

في ما يأتي أسماء ضحايا «احداث الضاحية»، وهم:احمد حمزة، يوسف مصطفى شقير، محمود منصور، محمود علي حايك، احمد علي العجوز، مصطفى أمهز.كما عرف من الجرحى: حسين كمال الدين، ومحمد المقداد علي امهز، خالد كساسيرة، حسين بزي، علي حوري، جهاد منذر، عامر طبيخ، ديب شعلان، حسين بزّي.اما الجرحى الثمانية الذين سقطوا بإلقاء قنبلة يدوية في شارع المطاحن في عين الرمانة فهم: ايلي خشان، ماريو توما، الياس نخلة، جوزف خاطر، جورج نمور، طوني وهبه، جوزف مطر وجيلبير حبيش.