في الكويت شبه متاهة الآن، خفض الفائدة يزيد التضخم، لكنه قد يصبح ضرورة في ضوء الاتجاه إلى خفض الفائدة الأميركية والفجوة بينها وبين الريبو. والتضخم مشكلة الاقتصاد، لكن الإفراط في علاجه قد يؤثر سلباً على النمو. وإذا كان العلاج برفع الفائدة، فإن مشكلات أخرى ستظهر، ليس أقلها تفاقم مشكلة القروض المتجاوز لمدة الـ 15 عاماً (أو 18 عاماً)، وزيادة الفجوة مع الريبو، والتناقض مع اتجاهات الفائدة الأميركية.كيف السبيل للخروج من ذلك كله؟في الفترة الاخيرة تصدرت مقترحات الحل لملف التضخم العديد من التقارير الاقتصادية، وقامت كل جهة بتقديم مقترحات يمكن من خلالها دفع المعدلات الحالية وهى 7.3 في المئة الى الوراء، او على الاقل تقليص فرص نموها، وقبل التعرض لهذه المقترحات وامكانية طرح خيارات اخرى قد يلجأ اليها «المركزي» في توجهه للجم جماح التضخم.وبالرغم من ان الكويت لا توضع على رأس دول الخليج من حيث النسبة، حيث التضخم في قطر سجل 13.7 في المئة خلال التسعة أشهر الأولى من عام 2007، في حين يتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ معدل التضخم في دولة الإمارات العربية المتحدة لعام 2007 بأكمله نحو 8 في المئة بعد أن سجل معدل 9.3 في المئة في عام 2006.، الا انه في الوقت نفسه سجلت معدلات التضخم في الكويت اعلى مستوى لها منذ 15 عاما، ومن شأن تفاقم هذه المشكلة ان يؤثر على توزيع الدخل القومي وعلى تقويم المشروعات، وكذلك على ميزان المدفوعات وعلى الكفاية الانتاجية، اضافة الى الاثار الاجتماعية من ارتفاع لمعدلات الفساد وانتشار الرشوة، خصوصا وان تحول التضخم الى كرة ثلج بمرور الوقت، واذ كانت هناك حاجة الى اقرار حلول سريعة لملف التضخم، الا انه في الوقت نفسه يجب ان تكون الحلول مهنية ومدروسة بما ينعكس بالايجاب في مواجهة التضخم.ما الخيارات التي يمكن ان يتجه اليها «المركزي» في تخفيض مستويات التضخم؟في تقرير صدر اخيرا عن بنك الكويت الوطني رأى فيه أن «المركزي» سيحتاج قريباً إلى تخفيض سعر فائدة الخصم لإعادة التوازن إلى أسعار الفائدة المحلية، لا سيما مع الاحتمال الكبير لإجراء المزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأميركية». ورغم ان «الوطني» على دراية تامة بأن هناك وجهة نظر سائدة ترى في مثل هذا الإجراء تناقضاً مع ما قد تمليه البيئة التضخمية في الكويت، الا انه لا يشارك هذا الرأي، ويجازف بالإشارة إلى أن تخفيض سعر فائدة الخصم قد يؤدي في الواقع إلى تقليص الضغوط التضخمية، أو على الأقل إلى عدم تفاقمها»،ويقف على مسافة قريبة من البنك الوطني الجمعية الاقتصادية، التي تتوقع تخفيض سعر الخصم الرئيسي، بما لا يقل عن 25 نقطة اساس بنهاية فبراير لمعالجة ما سمته بفجوة اسعار الفائدة الرئسية التي بلغت مستوى قياسيا.الجمعية الاقتصادية وان كانت لم تستهدف مباشرة من وراء رأيها ان تكبح التضخم، الا انها رفعت من ميزان الرأي المؤيد لخفض الفائدة في هذا التوقيت بالتحديد، الذي يتجه فيه الفيديرالي الاميركي الى تخفيض الفائدة، وكذلك تنامي الضغوط لحل ملف القروض، اضافة الى اتساع الفجوة بين سعر الريبو وسعر الخصم، فهل يعد تخفيض الفائدة خيارا استراتيجيا من الناحية العملية في مواجهة التضخم؟
الحميضيوزير المالية السابق بدر الحميضي لا يؤمن بهذه الفرضية، ويشير الى ان المعادلة العالمية في مواجهة التضخم اساسها ان هناك علاقة عكسية بين سعر الخصم ومعدلات التضخم، فكلما انخفضت الفائدة ارتفع التضخم، اضافة الى ذلك فان تخفيض الفائدة سيرفع من الطلب على السيولة، حيث سيرتفع الطلب على القروض، وهو مايتطلبه تفاقم التضخم، ويرى الحميضي ان التضخم في الكويت مستورد، فكل احتياجاتها تستورد من الخارج، وبأعتبار ان هناك ارتفاعا في معدلات التضخم العالمية، فمن الطبيعي ان يكون هناك ارتفاع ايضا في الكويت، خصوصا بعد زيادة الطلب على السلع الرئيسية، ويتوقع الحميضي انخفاض معدلات التضخم، لا سيما وان معدلات النمو العالمي بدأت تنخفض. هل يعلق علاج التضخم في الكويت على الحل الدولي؟بالطبع لا، فلا احد ينكر ان جزءا من اسباب التضخم في الكويت محلية، ومن ثم يتعين ان تستخدم ادوات في العلاج من الداخل، مثل خيار فك ربط الدينار بالدولار، الذي قلص في السابق كثيرا حسب الحميضي من احتمالات رفع معدلات التضخم ويوضح الوزير السابق ان اكثر القطاعات تضخما في الكويت العقار، ومن الادوات التي يمكن استخدامها في هذا الخصوص ان يكون تطرح الحكومة محفظة كبيرة من مختلف الاراضي التجارية والصناعية، والتي ستساهم من مناحيتها في تخفيض الاسعار.ويقف في المربع نفسه مدير عام الخدمات المصرفية في البنك التجاري علي المديهيم الذي يرى ان المشكلة عالمية، ومرتبطة في الاساس بارتفاع اسعار الطاقة، ومن ثم يكون العلاج بالنسبة لغالبية السلع مرتبط بالاسعار العالمية، الا انه وحسب المهيديم هناك ادوات محلية مثل تدخل الحكومة في تخفيض اسعار العقار بشكل غير مباشر.
زينلمن ناحيته، يعتقد نائب رئيس مجلس ادارة بنك الكويت والبحرين جاسم زينل انه لا ينبغي النظر الى ملف التضخم من باب واحد، حيث المواجهة تحتاج الى اكثر من اداة، ويقول زينل: «قد يكون تخفيض سعر الفائدة جزءا من مواجهة التضخم، لكن بالطبع لا يمثل كل المخارج»، ويشير زينل الى ان تخفيض سعر الفائدة يشجع على انخفاض اسعار العقار، وهو من اهم القطاعات التي تشهد تضخما، ويقول: «يتعين ان تفتح مجموعة من القنوات الاستثمارية، لكبح جماح التضخم، ومن هذه القنوات تشجيع المشاريع الصناعية والـ «بي او تي»، ودراسة مخرجات التعليم.على صعيد متصل ترى شخصية بنكية ان العلاج يجب الا يترك في ملعب «المركزي» منفردا، فالامر يحتاج الى تضافر الجهود خصوصا الحكومية والنيابية، وليس الاتكاء بالكامل على سعر الخصم، الذي لا يقبل المزايدة في الوقت الراهن، سواء بالصعود او الانخفاض، حيث الرفع يؤدي الى تراجع سوقي العقار والاسهم، والتخفيض يرفع من حجم السيولة في السوق، وتعتقد المصادر ان المشكلة الرئيسية تكمن في التضارب بين مجلسي الامة والحكومة، ومن اشكال ذلك الحديث عن التضخم في وقت ترتفع فيه الاصوات المطالبة بزيادة الرواتب، واسقاط القروض، ويبين ان «المركزي» اتخذ بالفعل اجراءات للجم التضخم، حيث قام برفع قيمة الدينار مقابل الدولار بنحو 5.5 في المئة، منذ فك ارتباطه بالاخير، ويبين ان الامر يحتاج الى مزيد من الوقت لتتضح النتائج، فالقرار لم يمر عليه اكثر 7 أشهر، ولنرى النتائج نحتاج الى عام على الأقل.