عندما ذهبت للاجتماع الأول للجنة العليا للإعداد لمعرض القاهرة الدولي للكتاب... في دورته الأربعين.... اكتشفت أن أيرلندا تقترح إقامة نشاط حول «صامويل بيكيت»، وقد تعجبت من اهتمام هؤلاء الناس بأدبائهم.... وتذكرهم.عجبي ازداد كثيراً؛ لأننا نحن في مصر نتهم بأننا من كثرة إعجابنا بالماضي، لا نفكر في تجاوزه.يقولون عنا أن أجدادنا بنوا الأهرامات لتقاوم النسيان، ونحن أجدنا القدرة على نسيان الماضي. خرجت من الاجتماع معجباً بأهل أيرلندا الذين يصرون على تذكيرنا ببيكيت، وليتنا نتعلم منهم هذه الفضيلة.بيكيت كاتب لامعقول... وهو الذي كون مع يوجين أونيسكو «ثنائياً»... قدما في الستينات من القرن الماضي ما سمي بمسرح اللامعقول، وكان هذا المسرح صدمة بجميع المقاييس. في زمانه الذي انطلق فيه. «صامويل بيكيت».... صاحب مسرحيتي «نهاية اللعبة» و«في انتظار جودو».لم يكن في مسرحه شيء يحدث.... فـ «في انتظار جودو» نجد بشرا ينتظرون جودو الذي لا يأتي أبداً. طوال عرض المسرحية الذي يخلو من كل ما هو إنساني.ثم صدرت له في القاهرة. سنة 1999.... الترجمة العربية لروايته «مالون يموت».... وهي الرواية التي صدرت لأول مرة سنة 1967.أي أن الترجمة إلى العربية إنما تتم بعد صدور الطبعة الأولى من الرواية بـ «32» سنة كاملة، وبعد أن أوشك الناس أن ينسوا بيكيت ومسرحه وما أثاره من ردود أفعال شديدة العنف في الغرب والشرق على السواء.بيكيت... حصل على جائزة نوبل في الآداب سنة 1969، وهو مولود سنة 1906، ومات في سنة 1989 ـ أي منذ ثماني عشرة سنة مضت ـ وروايته التي صدرت ترجمتها عن سلسلة روايات الهلال.... ترجمها المترجم الفلسطيني غزير الإنتاج أحمد عمر شاهين. رحمه الله رحمة واسعة.ومن باب التذكير بصامويل بيكيت نقول: إنه مولود في مدينة دبلن في أيرلندا في الثالث عشر من أبريل سنة 1906. ثم ذهب إلى باريس ليعيش فيها خلال العشرينات، وأصبح مدرساً للغة الإنكليزية من سنة 28 إلى 1930، ثم عاد إلى أيرلندا ليعمل مدرساً للغة الفرنسية في كلية ترنيمتي لمدة عامين، ثم رجع مرة أخرى إلى فرنسا.... حيث عاش فيها حتى وفاته سنة 1989.يقال... إنه عمل فترة من الوقت سكرتيراً خاصاً للروائي الأيرلندي «جيمس جويس» ـ صاحب رواية عوليس ـ ويقال – في روايات أخرى – أنه ارتبط بمجموعة من المثقفين الذين كانوا يتحركون حول جويس. ذلك أنه يرتبط بجويس بالعديد من الأمور. فكلاهما من أيرلندا. وكلاهما يعاني من حالة الكآبة... كآبة جويس أن العمر امتد به، وأن الناس رفضت موهبته. أما كآبة بيكيت فقد ولد بها. وأتى إلى هذا العالم وهي معه.بدأ بيكيت... حياته الأدبية بإصدار ديوان من الشعر بعنوان «الطالع» وكان ذلك سنة 1930 وكان في الرابعة والعشرين من العمر، ثم كتب دراسة عن الروائي الفرنسي مارسيل بروست. وبعدها أصدر مجموعة من القصص القصيرة عنوانها: «وخزات أكثر منها ركلات»، وبطل هذه القصص شخص واحد يعيش في مدينة دبلن، وهو طالب يدرس ويكتشف أفراح وأحزان وجنون دبلن بطريقته الخاصة.في سنة 1935 أصدر ديوانه الشعري الثاني «عظام الصدى»، وفي سنة 1938 أصدر أولى رواياته. وكان قد كتب قبلها رواية بعنوان: «حلم بشري لنساء عاريات». وإن كان لم ينشرها. وفي هذه المرحلة. كان بيكيت قد اعتاد أن يكتب النص مرتين. مرة بالفرنسية وأخرى بالإنكليزية. ويقال إنه كان يترجم النص من الفرنسية إلى الإنكليزية.... مع أنه من المفروض أن الإنكليزية هي لغته الأولى.في سنة 1946. كتب رواية: «ميرسيه وكامييه»، وهي رواية عن عجوزين يتواعدان على القيام برحلة خارج المدينة. لكن يفوتهما اللقاء عدة مرات. وما أن يصلا إلى الريف حتى يعودا إلى المدينة مرة أخرى. كان أحدهما قادراً على الكلام والآخر قادراً على الصمت.في سنة 1953 أصدر روايته «وات»، وبعدها كتب روايته: مورفي. وهما النصان الوحيدان اللذان كتبهما بالإنكليزية مباشرة. وتلاعب فيها بجميع قدراته اللغوية الممكنة.ثم كتب ثلاثية روائية «مولوي - تقرير موران - اللامسمى».... وبعض النقاد يعتبرون أن هذه الثلاثية أهم عمل أدبي صدر في الغرب بعد عوليس لجيمس جويس - وإن كنت أشك كثيراً في هذا الحكم النقدي - لأن «مالون يموت» جزء من الجزء الثاني من الثلاثية. وهو الذي ترجمه أحمد عمر شاهين ليصدر في روايات الهلال. وقراءته لا تؤكد هذا الرأي النقدي.وفي سنة 1961 صدرت أكثر روايات بيكيت تجريدية «كيف يكون الأمر؟!». إذ تبدو الكتابة وكأنها مجرد قدرة على رص الكلمات في جمل من دون حاجة للاهتمام بأن تعطي أي معنى. لا تجد بداية للنص ولا نهاية له.آخر رواياته هي: «أسيء رؤيتها.... أسيء فهمها» وقد صدرت سنة 1987- قبل وفاته بعامين - في هذه الرواية كانت اللغة مزيجاً من الألفة والغرابة. وفي هذه الرواية الموضوع الذي نجده في جميع نصوصه الروائية الأخرى: الشيخوخة والقدرة على التذكر. وفقدان هذه القدرة في بعض الأحيان.هذا معناه أن بيكيت كان روائياً أكثر منه كاتباً مسرحياً. وأن مشروعه الأساسي كان كتابة الرواية. ومع هذا تأخرت ترجمة أول رواية له 32 عاماً كاملة. لدرجة أنني تساءلت: وهل لايزال الناس يتذكرون بيكيت؟!«مالون يموت» عبارة عن منولوج طويل. يقص علينا البطل من خلاله ما يدعي أنه الحقيقة وهو مستمر على سريره في عجز تام وفي انتظار الموت الذي لم يأت بعد.تبدأ الرواية هكذا...- سيدركني الموت قريباً.... بصرف النظر عن أي شيء. ربما الشهر المقبل. أي أبريل أو مايو. فالسنة لاتزال في بدايتها. آلاف الأشياء الصغيرة تخبرني بذلك.ثم يقول:- سأبدا بالرجل والمرأة حتى لا يزعجاني مرة أخرى. قصتهما أول قصة. ولا توجد قصة ثانية. فالمرأة دخلت مع الرجل. هناك ثلاث قصص إذاً. قصة الرجل والمرأة. ثم تلك التي تتحدث عن حيوان. ثم التي تتحدث عن شيء. ربما حجر. ذلك واضح تماماً. وأخيراً أتناول ممتلكاتي. وإذا بقيت حياً فسأتخذ الخطوات الضرورية للتأكد من عدم ارتكابي لخطأ ما.وعلى هذا المنوال تسير الرواية حتى آخرها.
محليات - ثقافة
مشاهد / تعالوا نتذكر.... صامويل بيكيت!
12:30 م
| يوسف القعيد |