No Script

قوة قاهرة غير نمطية خرجت عن أطر التأمين وقدرة الشركات على المواجهة

«كورونا»... غيّر قواعد المخاطر في عالم «البزنس»

تصغير
تكبير
  •   العميري: الحكومة  مسؤولة عن إنقاذ الاقتصاد عبر حزم معالجات تغطي القطاعات كافة 
  • الياقوت: تعاقدات كثيرة عُلّقت وانفساخها   تحدّده طبيعة التعاقد  

دفع انتشار فيروس كورونا عالم المال والأعمال إلى التفكير مجدداً في آليات التحوط واستشراف المخاطر وإدارتها، إذ بات أمر توزيع المخاطر جغرافياً وفنياً ليس كافياً في ظل تأثر دول العالم كافة بتبعات انتشار الفيروس، الأمر الذي فاق قدرات شركات كبرى على المواجهة، لتبقى الكرة في ملعب الحكومات لدعم اقتصاداتها.
ووفقاً لإقتصاديين وقانوني، تحدثت إليهم «الراي»، خرجت تبعات «كورونا» عن الأطر المتعارف عليها في حال «الكوارث الطبيعية» التي يمكن التأمين ضد حدوثها، إذ لا يمكن لشركات التأمين تعويض الخسائر المترتبة على تداعيات انتشار الفيروس.
ووصفوا «كورونا» بالقوة القاهرة غير النمطية وغير التقليدية، مشددين على مسؤولية الحكومة لإنقاذ الاقتصاد ككل، عبر حزم من المعالجات المالية والاقتصادية التي تؤمّن للقطاعات المختلفة الاستمرار في العمل والصمود أطول فترة ممكنة.
من ناحيته، قال رئيس مجلس الإدارة في شركة الاستثمارات الوطنية، حمد العميري، إن تأثير انتشار «كورونا»، على الاقتصاد العالمي، يجعله يخرج عن إطار الكوارث الطبيعية بقوتها القاهرة في صورتها النمطية التي قد تصيب دولة أو منطقة بعينها دون الأخرى.
وأفاد العميري بأن الكوارث الطبيعية بالصورة المتعارف عليها يمكن التحوّط منها بالسبل التقليدية التي يتعامل بها قطاع الاستثمار، والذي يعمل على توزيع المخاطر وفق آليتين، الأولى جغرافية عبر توزيع استثمارات الشركات على دول عديدة، والثانية فنية من خلال التنوع في الأدوات الاستثمارية المستخدمة، منوهاً إلى أن آثار «كورونا» تخرج عن إطار الكوارث الطبيعية التي تأخذ صفة القوة القاهرة وتعطّل التعاقدات التجارية، في ظل تأثر العالم كله بتداعيات انتشار الفيروس، وعدم اقتصار ذلك على دولة أو قارة بعينها، ما يستحيل معه تلافي مخاطره على الاستثمارات.
وشدد على أن تأثيرات «كورونا» لا يمكن التحوط منها أو التنبؤ بها عن طريق قطاعات إدارة المخاطر في الشركات، خصوصاً وأن تطورات الأوضاع كانت متسارعة، ليفوق الأمر مفهوم القوة القاهرة الطبيعي، ويفوق قدرة الشركات على التعامل معه، مشيراً إلى أنه في الحالة الراهنة لا يمكننا الارتكاز إلى مفهوم القوة القاهرة الطبيعي الذي يلجأ من خلاله أطراف التعاقدات التجارية إلى المحاكم لتحديد المسؤوليات، ومن ثم تحديد من يتحمل التعويض.
وأكد العميري أن الوضع بات غير تقليدي، ما يحمّل الحكومة مسؤولية إنقاذ الاقتصاد ككل، عبر حزم معالجات مالية واقتصادية تتيح للقطاعات المختلفة الاستمرار في العمل والصمود أطول فترة ممكنة، موضحاً أن التغيير الذي أحدثه «كورونا» يدفع كثيراً من شركات الاستثمار إلى التفكير في آليات للتحوط من القوة القاهرة غير الممكن التنبؤ بها، وذلك من خلال توصيفها في التعاقدات، أو إنشاء مخصّصات للتحوط منها مستقبلاً، بحيث يمكن حينها الرجوع إلى تلك التعاقدات كوسيلة لبتّ وتحديد المسؤوليات، ناهيك عن إمكانية الاستفادة من المخصصات في المواجهة.
وشدد العميري على ضرورة أن تبدأ كل من الحكومة ومجلس الأمة في وضع التشريعات الاقتصادية اللازمة للتعاطي مع انعكاسات الأزمة بعد انجلائها، وإعادة توصيف مفهوم القوة القاهرة، بما يتناسب مع ما فرضه «كورونا» من مستجدات على الساحة الاقتصادية العالمية.

الثقة والسرعة
من جهته، أكد المحامي الدكتور خالد الياقوت، إن السمتين الرئيسيتين في الأعمال التجارية هما عاملا الثقة والسرعة، وحتى يتحققا يجب أن تتضمن العقود التجارية مستقبلاً توزيعاً للمسؤوليات بين أطرافها فيما يتعلق بالقوة القاهرة بمفهومها الواسع، وذلك حتى تكون دليلاً استرشادياً في مثل الظروف التي نمر بها حالياً، مبيناً أن فيروس كورونا يعد قوة قاهرة في سائر العقود التجارية وغير التجارية.
وذكر الياقوت أن الأصل في العقود مبدأ القوة الملزمة للعقد القائل بأن العقد شريعة المتعاقدين، ولا يحق لأي من أطرافه التنصل أو التحلل منه على أي وجه، مع ارتباط ذلك بمبدأ حسن النية في التعاقدات، لافتاً إلى أن المشرّع وضع استثناءات على مبدأ القوة الملزمة للعقود، على رأسها القوة القاهرة والحادث الفجائي وخطأ المضرور وخطأ الغير، وجميعها تسمى بالسبب الأجنبي، ومن خلالها يُعلّق مبدأ القوة الملزمة للعقد.
وبيّن الياقوت أن الفقه والقضاء لم يوردا حصراً لأمثلة القوة القاهرة، وإنما شمل معياراً، هو الحادث الذي لا يمكن توقعه ولا يمكن دفعه ويؤثر على العقد، مضيفاً «حسناً فعل المشرّع بعدم تعريف القوة القاهرة على اعتبار أنه بذلك فتح مجالاً أوسع للتطورات التكنولوجية والبيئية للدخول تحت مفهوم القوة القاهرة، كما أحسن الفقه والقضاء بعدم قصر القوة القاهرة على أمر معين، متمسكين بالمعيار الخاص بالحادث الذي لا يمكن توقعه أو دفعه».
وشرح الياقوت بأن بتطبيق ذلك على الحالة الراهنة حالياً، تؤكد أن «كورونا» يمثل قوة قاهرة، إذ أعلنت منظمة الصحة العالمية أن هذا الفيروس وباء عالمي، لافتاً إلى أن القوة القاهرة نوعان، الأول يؤدي إلى استحالة تنفيذ العقد بشكل موقت، والثاني يؤدي إلى استحالة تنفيذ العقد على وجه الديمومة، منوهاً إلى أن «كورونا» يؤدي في غالب الأحيان إلى استحالة تنفيذ العقود المتبادلة، وخاصة عقود التجارة الدولية، بشكل موقت، كونه فيروساً له دورة حياة وسينتهي في أجل قريب وفقاً للتوقعات الطبية.
وأوضح الياقوت أن القانون التجاري المنظم للعلاقات التجارية لم ينص على القوة القاهرة في التعاقدات، مفيداً بأنه وفقاً لنص المادة الثانية من قانون التجارة فإن أحكام القانون المدني تسري في شأن القوة القاهرة، باعتبار أن القانون التجاري لم ينظمها، ومن ثم يطبق القانون المدني باعتباره الشريعة العامة المحال إليها بنص المادة الثانية، ومن ثم لا مجال للقول بتعديل قانون التجارة لعدم ذكر نصوص خاصة بالقوة القاهرة فيه.

الصحاف:
لا يمكن التعامل وفق الحسابات التأمينية

أوضح الرئيس التنفيذي في مجموعة الخليج للتأمين طارق الصحاف، إن ما حدث من انتشار فيروس كورونا يخرج عن إطار «الكوارث الطبيعية» التي يمكن التأمين ضد حدوثها، مؤكداً أنه لا توجد أي وثائق تأمينية يمكنها اعتبار «كورونا» قوة قاهرة طبيعية، يمكن التعامل معها وفق الحسابات التأمينية والاكتوارية، وبالتالي لا يمكن التأمين ضدها أو التعويض عن خسائرها، وهنا يبرز دور الحكومات في مساعدة المتضررين من هذه الكوارث.
ولفت الصحاف إلى أن الشركات المدرجة والكبرى لديها قطاعات متخصصة في إدارة المخاطر، هي المنوط بها التعامل مع مثل تلك الأحداث حالياً، مبيناً في الوقت ذاته أن الوضع الحالي يتطلب إعادة رسم آليات التحوط وإدارة المخاطر لدى العديد من الشركات.
ونوه إلى أن تلك العملية يمكن أن تبدأ عبر تكوين مخصصات فنية طويلة المدى تحسباً لمثل تلك الأحداث وما يمكن أن تنطوي عليه من مخاطر تهدد استمرارية أعمال الشركات، أو من خلال تطوير آليات إدارة المخاطر لتستشرف ضمن عملياتها إمكانية انتشار الأوبئة وأثرها على استثمارات الشركات.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي